زاد مجلس النواب من عمق الأزمة الدستورية في ليبيا بالإعلان عن تعديل جديد على موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، من خلال إجراء الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/ كانون الأول القادم، فيما ستجرى الانتخابات التشريعية في يناير/ كانون الثاني، بعدما كان مقررا تنظيم الاستحقاقين معاً في 24 ديسمبر.
ووفقا للمتحدث الرسمي باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، في مؤتمر صحافي، فإن "انتخاب مجلس النواب سيتم بعد ثلاثين يوما من اعتماد نتائج انتخاب رئيس البلاد"، وبرر ذلك بأن مجلس النواب "حرص على إجراء انتخاب رئيس بشكل مباشر من الشعب وعدم تجاوز ذلك، نظرًا لما مرت به البلاد خلال السنوات الماضية في ظل عدم وجود رئيس منتخب من الشعب".
وفيما أكد بليحق على رفض مجلس النواب قبول التعديلات المقترحة من المفوضية العليا للانتخابات بشأن قانون انتخاب رئيس الدولة، ومن بينها إعادة النظر في ازدواجية جنسية المترشح وقبول عودته لمنصبه السابق في حال عدم فوزه في الانتخابات، أضاف أن المجلس قرر السماح للأحزاب بالانخراط في الانتخابات بشكل فردي وليس على أساس نظام القوائم.
وكما هو متوقع جدد المجلس الأعلى للدولة رفضه لتفرد مجلس النواب بإقرار قوانين الانتخابات، ورفضه لقانون الانتخابات البرلمانية، بل وحمله مسؤولية حدوث أي "تأجيل" لموعد الانتخابات أو "تعطيلها"، بسبب التصرفات "أحادية الجانب"، فيما انضمت تسعة أحزاب وكتل سياسية ليبية إلى الرافضين للقوانين الانتخابية.
وأعلنت الأحزاب والكيانات الليبية التسعة، في بيان، عن رفضها اعتماد قانون الانتخابات البرلمانية النظام الفردي فقط، واتهمت مجلس النواب بتجاهل الدور المحوري للأحزاب في ضمان تعزيز الديمقراطية من خلال خلق توزان مجتمعي وسياسي في تشكيل الحكومة ومختلف الممارسات السياسية في الفترة المقبلة.
وطالب البيان المشترك بضرورة اعتماد نظام القائمة الحزبية في قانون الانتخابات البرلمانية إلى جانب النظام الفردي، لافتاً إلى أنه "يجنب البلاد تمترس التكتلات القبلية والمناطقية داخل السلطة التشريعية"، معتبرا أن "تجاوز ذلك يعد تعطيلاً للحياة السياسية وزيادة تعقيدها".
لكن الباحث الليبي في الشأن السياسي مروان ذويب يلفت إلى أن الخطوة الأخيرة من جانب مجلس النواب والمتعلقة بتأجيل موعد الانتخابات البرلمانية إلى ما بعد انتخاب رئيس الدولة "عمق الأزمة الدستورية وجعلها بعيدة عن أي آفاق للحل".
وبحسب متابعته لمسار عمل مجلس النواب على القوانين الانتخابية، يرى ذويب، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن رئاسة المجلس، والتي يمثلها عقيلة صالح، بالإضافة إلى عدد من النواب، عملت طيلة الوقت الماضي على المماطلة حتى الوصول إلى الأيام الأخيرة الأكثر حرجا لإجبار كل الأطراف السياسية على القبول بقراراتها.
الارتباك الكبير الذي يعيشه المشهد الليبي لن يجعل نتائج انتخاب أي رئيس مقبولة من الأطراف المتصارعة
وأضاف "هذه السياسة يعرف المتابع أن رئاسة المجلس تنتهجها كثيرا وتماطل لتكسب الوقت، والآن لا مجال إلا القبول بقراراتها أو انهيار العملية الانتخابية برمتها".
والهدف من تأجيل الانتخابات البرلمانية، بحسب رأي ذويب، هو ضمان مجلس النواب البقاء في المشهد إذا لم يتم القبول بنتائج انتخاب رئيس الدولة، وقال "النص واضح وهو أن الانتخابات البرلمانية ستجرى بعد شهر من اعتماد نتائج انتخاب رئيس الدولة، والمعنى أن مجلس النواب لا يريد مغادرة المشهد".
ويؤكد ذويب أن الارتباك الكبير الذي يعيشه المشهد الليبي لن يجعل نتائج انتخاب أي رئيس مقبولة من الأطراف المتصارعة، سواء في الشرق أو في الغرب، وبالتالي ضمن مجلس النواب البقاء في المشهد.
ويتمحور الجدل في الانتخابات الليبية والخلافات حول قانون انتخاب رئيس الدولة الذي جاء فضفاضا دون أي قيود أو شروط على المترشحين، ويسمح للعسكريين ومزدوجي الجنسية بالترشح، علاوة على عدم تحديده لصلاحيات الرئيس ومهامه، ما يجعل صلاحياته مطلقة.
تهديد بانهيار العملية السياسية
ومن جانبه، يرى شعبان بن نور، رئيس حزب الائتلاف الإصلاحي، أن التصريحات المتلاحقة للناطق باسم مجلس النواب، والتي تلت إعلان إقرار قانون الانتخابات البرلمانية، جاءت لتصب في خانة سعي عقيلة صالح وحلفاءه للحفاظ على مكاسبهم ووجودهم في المشهد المقبل، وقال لـ"العربي الجديد"، إن "بليحق أعلن عن جملة من القرارات الخدمية لصالح المواطن دفعة واحدة لتبدو كدعاية انتخابية للنواب"، لكنه يلفت إلى أن من بين تلك القرارات تقييد مشاركة الأحزاب في الانتخابات.
وبحسب قراءة بن نور لخلفيات القرار، فإن رئاسة المجلس "حدت من قدرة استفادة الأحزاب الكبيرة من شعبيتها في الانتخابات، كما أن النواب الراغبين في الترشح لانتخابات مجلس النواب القادم لا يرغبون في وجود كتل نيابية للأحزاب داخل مجلس النواب يمكنها أن تفرض رأيها وتنزع منهم حق توجيه قرارات المجلس القادم كما هو حال المجلس الحالي".
ويخلص بن نور إلى أن أوضاع معسكر شرق ليبيا ستكون مهددة في الفترة السياسية المقبلة، ولذا رسالة رئاسة مجلس النواب بدت واضحة الآن، فإما القبول بانتخابات رئاسية وبرلمانية تحفظ مكاسبها وأما انهيار العملية السياسية، والبديل هو عودة الصراع والانقسامات.
ومن المنتظر أن يطرح المجلس الرئاسي مقترحات لحل الأزمة الدستورية في البلاد، بحسب تصريحات للمتحدثة الرسمية باسم المجلس الرئاسي نجوى وهيبة، ضمن مبادرة السلام، التي من المقرر إقامة مؤتمر دولي في ليبيا، لمناقشتها، الشهر الجاري.