شهد مقرّ الرئاسة اللبنانية، صباح اليوم الأربعاء، اللقاء الثالث بين الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، منذ عُهد للأخير تشكيل الحكومة في 23 يونيو/حزيران الماضي، وذلك بعد انقطاع المشاورات الحكومية المباشرة بينهما منذ مطلع يوليو/تموز الماضي، وارتفاع حدّة السجالات بين الفريقَين والاتهامات المتبادلة بالتعطيل والعرقلة.
وقال ميقاتي بعد لقاء عون إنه تقدّم بتشكيلة حكومية في 29 يونيو/حزيران الماضي، و"كان النقاش اليوم حولها، وللحديث تتمّة"، مشيراً إلى أنّ وجهات النظر كانت متقاربة.
رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي بعد لقائه الرئيس عون: تقدّمت بتشكيلة حكومية في 29 حزيران الماضي وكان النقاش اليوم حولها وللحديث تتمة، ووجهات النظر كانت متقاربة pic.twitter.com/58Zau6CmL6
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) August 17, 2022
ونقلت أوساط القصر الجمهوري أجواء اللقاء، مشيرة إلى أن البحث جرى بين الرئيسين عون وميقاتي في التشكيلة التي كان تقدّم بها الأخير، وهناك تفاهم على بعض الحقائب والأسماء الواردة فيها، وسيصار إلى عقد لقاء جديد في الأيام المقبلة عند الاتفاق على التعديلات التي ستقدَّم في ضوء تحرك ملف تأليف الحكومة.
وتناول الاجتماع بحسب الأوساط، اللقاء الوزاري الذي عُقد أمس برئاسة ميقاتي في السرايا الحكومية، والأمور الحياتية الأساسية، لا سيما ملفي الطحين والكهرباء، في حين جرى التوافق بينهما على أن يكون تحديد سعر الدولار الجمركي من مسؤولية وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل (محسوب على رئيس البرلمان نبيه بري)، وحاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، في ضوء مالية الدولة.
وتتجه الأنظار إلى مرحلة ما بعد الاجتماع "المفاجئ" الذي كان قد أعلن عنه ميقاتي، أمس الثلاثاء، خلال لقاء وزاري عقد في السرايا الحكومية، وأتى ليخرق الجمود الحاصل الذي كان يشي بدخول الملف نفقاً مقفلاً حتى نهاية عهد الرئيس عون أواخر أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وعلى حد تعبير مراقبين سياسيين، فإنّ الضبابية تسيطر على المشهد ولن تزول إلا بمعجزةٍ أو تسوية، كما تجري العادة، خصوصاً بعد ما تسرّب عن أوساط ميقاتي من أجواء تؤشر إلى تمسّك الرئيس المكلف برؤيته الوزارية، مقابل البيان الذي صدر مساءً عن "تكتل لبنان القوي" برئاسة النائب جبران باسيل (صهر عون) وعكَّر الاحتمالات الإيجابية.
وكانت أوساط ميقاتي، التي تحدثت لـ"العربي الجديد" شرط عدم الكشف عن هويتها، قد أشارت إلى أنّ "الاجتماع تأخّر نحو خمسين يوماً وكان يفترض أن يعقدَ في اليوم التالي على تسليم التشكيلة الحكومية إلى الرئيس عون"، غامزة من قناة رفض الأخير تحديد موعدٍ لميقاتي، قبل إدخال تعديلات عليها. وربطت الأوساط ذاتها ذلك بالخلاف الحاصل على بعض الحقائب وتوزيعاتها، على رأسها وزارة الطاقة التي يتمسّك بها فريق رئيس الجمهورية، فيما تشهد أخيراً خلافات حادة بين وزيرها الحالي وليد فياض وميقاتي.
وقدّم ميقاتي، في 29 يونيو/حزيران الماضي، تشكيلة وزارية لعون تتضمّن 23 وزيراً، وضعت في خانة الصيغة المعدلة لحكومة تصريف الأعمال التي يرأسها حالياً، لتكرارها الأسماء نفسها مع بعض التغييرات والتبديلات. وشملت التغييرات خمس وزارات، أبرزها وزارة الطاقة التي سحبها ميقاتي من يد فياض وربطاً "التيار"، ومنحها إلى المهندس وليد سنو، من الطائفة السنية، وهي خطوة استند إليها فريق عون بطريقة غير مباشرة لاتهام ميقاتي بأنه قدم تشكيلة بقصد عدم الموافقة عليها، ما يظهر "نواياه الرافضة" لتأليف حكومة جديدة.
وخرج عن اجتماع "تكتل لبنان القوي"، أمس الثلاثاء، بيانٌ عالي النبرة، نبّه فيه إلى "خطورة الامتناع عن تشكيل حكومة تحت ذرائع مختلفة"، محذّراً ممّا يشاع عن وجود فتاوى جاهزة لحكومةٍ مستقيلة أن تقوم مقام رئيس الجمهورية في حال عدم انتخاب رئيس جديد في المهلة الدستورية.
وشدد "التكتل" على أنّ "أي محاولة في هذا الاتجاه مرفوضة قطعاً، وهي تفتح باباً للفوضى الدستورية، وربما أكثر وتطلق عرفاً قد يجرّ إلى أعرافٍ جديدة”، مؤكداً أنّ "المطلوب بأسرع وقتٍ أن يقوم رئيس الحكومة المُكلف بدوره في تشكيل حكومة جديدة آخذاً في الاعتبار الشراكة الدستورية لرئيس الجمهورية في عملية التأليف وألا يجنح أحد في البلاد إلى أي مغامرات تضرب الدستور والميثاق".
وقال مصدر في تكتل باسيل، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الرئيس عون لا يعرقل تشكيل الحكومة كما يحاول الآخرون تصويره، ويتمسّك بصلاحياته في عملية التأليف، ولكن تشكيلة ميقاتي مستفزة، ويحاول فرضها رغم ما تحويه من ضرب للميثاقية"، مشيراً إلى أنّ "التشكيلة كما قدّمها من الواضح أنها موجهة ضدّ الرئيس عون، ولم تمسّ أياً من التوزيعات الحزبية، لباقي الأفرقاء".
في المقابل، وضعت أوساط رئيس الحكومة المكلف بيان "التيار" في خانة الموقف التصعيدي الذي يؤثر على نجاح لقاء عون وميقاتي، مصوّبة على باسيل، "المصمّم على اعتذار ميقاتي، ودوره المعرقل والمتدخل في ملف يفترض أن يكون محصوراً بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف وفق الدستور"، مشددة في المقابل على أنّ ميقاتي لا يتجاوز صلاحيات عون وهو منفتحٌ على التشاور معه.
ونشر موقع "ليبانون 24" المحسوب على ميقاتي، مساء أمس الثلاثاء، مقالاً عنوانه "باسيل يقوطب على لقاء القصر ويفخخ إمكانات التوصل إلى تسوية حكومية"، منطلقاً من فحوى بيان "التكتل"، ليقول إنّ "لقاء اليوم لن يؤتي ثماره، وإنّ مساعي التشكيل ستبقى تراوح مكانها، إلّا إذا حصلت أعجوبة ما وفي مكان ما، مع العلم أنّ زمن المعجزات قد ولّى".
تجدر الإشارة إلى أنّ ميقاتي جمع الوزراء أمس على طاولة السرايا الحكومية حيث بحث ملفات اقتصادية بالدرجة الأولى، يتقدمها الدولار الجمركي الذي بحسب المعلومات اتفق على تحديده بـ20 ألف ليرة لبنانية مع إمكانية تغييره تبعاً لسعر الصرف، علماً أن رئيس الجمهورية يرفض توقيعه.
ويصرّ ميقاتي على إبقاء اللقاءات الوزارية مفتوحة لإظهار جديته في التعاطي مع الملفات الأساسية التي لا تحتمل التأجيل، خصوصاً المعوَّل عليها للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، والنأي بنفسه عن تبعات التعطيل. ودائماً يسود الأجواء التي تشهدها الاجتماعات التشنّج والسجالات، ولا سيما بين وزير الطاقة وميقاتي، آخرها أمس، إضافة إلى السجال الذي حصل بين وزيرَي المهجرين عصام شرف الدين، والشؤون الاجتماعية هكتور حجار، حول زيارة سورية، والصلاحيات على صعيد ملف اللجوء السوري.