مرّ لقاء باريس الخماسي حول لبنان، أمس الإثنين، بهدوءٍ على الساحتين المحلية والخارجية من دون أن يخرج حتى الساعة ببيان مشترك أو يُسرَّب عنه أي قرار أو إجراء متصل بالشأن اللبناني، باستثناء تناقل معلومات تندرج في إطار المسلّمات الخارجية بملفات الرئاسة اللبنانية.
وركزت المعلومات المتناقلة على شخصية الرئيس المطلوبة دولياً وعربياً، والإصلاحات البنيوية، والنأي بالنفس عن صراعات المنطقة، وأهمية الحفاظ على الاستقرار الأمني.
واستضافت العاصمة الفرنسية باريس بعد ظهر أمس الإثنين اجتماعاً خماسياً ضمّ أميركا وفرنسا ومصر وقطر والسعودية، وتناول الملف اللبناني الرئاسي بالدرجة الأولى، في ظلّ الشغور الرئاسي المستمرّ منذ 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ومخاطر الفراغ وتأثيره حكومياً وتشريعياً، والأوضاع الاقتصادية التي تفاقم معاناة المواطنين، والإصلاحات المنتظرة من السلطات الرسمية في البلاد التي تعدّ شرطاً أساسياً لدعم لبنان مالياً ونقدياً.
وقال مصدر دبلوماسيّ فرنسيّ، مطلع على أجواء اللقاء الخماسي، لـ"العربي الجديد"، إن "الاجتماع بحث الوضع في لبنان، سياسياً، أمنياً، اقتصادياً، واجتماعياً، وكان تأكيد من المشاركين على أهمية انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن، وتشكيل حكومة جديدة تقوم بالإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي لتقديم الدعم المالي اللازم، والتي تترافق أيضاً مع تشريعات مالية مطلوبة من البرلمان".
وأشار المصدر إلى أن "الاجتماع لم يبحث بأي اسم لرئاسة الجمهورية، فهذا شأنٌ داخلي مرتبط بلبنان واللبنانيين، بل تم التطرق إلى أهمية انتخاب رئيس يكون قادراً على جمع اللبنانيين والحفاظ على علاقات لبنان مع الخارج، ويدعو الحكومة الجديدة إلى تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن وجامعة الدول العربية والالتزام باتفاق الطائف، والأهم أن يكون غير مرتبط أو متورطاً بقضايا فساد".
وأضاف المصدر: "كان الاجتماع تشديداً على أهمية الاستمرار في دعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية المسلحة الشرعية للحفاظ على الاستقرار الذي يعدّ هشاً وقابلاً للاهتزاز بأي لحظة في ظل الشغور الرئاسي والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الخانقة والضاغطة، كذلك تقديم ما أمكن من المساعدات الإنسانية التي تندرج في خانة الحاجات الأساسية للعيش".
ولم يستبعد المصدر الفرنسي أن يكون هناك خطوات لاحقة للاجتماع الخماسي على مستوى أعلى، مؤكداً أن "باريس مهتمة كثيراً بالملف اللبناني، وتقف إلى جانب لبنان واللبنانيين وجاهزة لتقديم المساعدة وبذل الجهود اللازمة لإخراج البلاد من النفق، لكن على الجانب اللبناني أن يبذل جهوداً لوضع حدّ للصراعات الداخلية والتفكير بالمصلحة الوطنية العليا، ويجب أن يبدأ مسار الإصلاح الذي تأخر كثيراً، ومن دونه لا مساعدات مادية مباشرة للدولة".
ويرى النائب في البرلمان اللبناني مارك ضو، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن أي اجتماع خارجي حول لبنان يحمل تأثيرات على الداخل اللبناني، إذ يدفع الإطار السياسي الضاغط على القوى السياسية التي تعرقل انتخاب رئيس، إلى الالتزام بالدستور واحترم الاستحقاقات الدستورية.
ويشير ضو (يمثل قوى التغيير في البرلمان)، الذي قام بجولة سياسية مع نواب لبنانيين في واشنطن، إلى أن "الأجواء الرئاسية ما تزال معلقة، ولا مبادرات حقيقية لخرق الجمود، والخارج أبلغنا أنه لن يتدخل بالشأن اللبناني، لكن سمعنا في المقابل أن هناك أولويات باتت معروفة بشأن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة تقوم بالإصلاحات المطلوبة وتتفق مع صندوق النقد الدولي، إلى جانب أهمية السيادة اللبنانية والحفاظ عليها، كما أهمية إدارة ملف اللاجئين السوريين".
من جهته، يضع الكاتب السياسي علي حمادة الاجتماع في خانة "التشاوري"، الذي قد يصدر حوله موقف قد يكون مقتضباً وعمومياً، باعتبار أنه لم يخرج بأي جديد أو مستجدّ من الوضع اللبناني، بل اقتصر على إعادة التذكير بمواقف دولية وعربية وخليجية سابقة حول لبنان، في الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية.
ويقول حمادة إن "الاجتماع الخماسي في باريس شكّل مناسبة للتشاور بين الدول الخمس المعنية بالملف اللبناني، وذلك على مستوى دبلوماسي لا وزاري، ولم يكن اجتماعاً مخصصاً لاتخاذ القرارات في الأساس، وقد جرى وضع طرح عربي منسّق ما بين السعودية ومصر وقطر حول ما يجب أن تكون عليه خطة الطريق في لبنان للبدء بالخروج من الأزمة".
وأضاف: "هناك وثائق دبلوماسية معروفة وموجودة مطلعة عليها القيادات اللبنانية، تتمثل بالموقف العربي الخليجي الذي نقله وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، وسلمه إلى الرؤساء الثلاثة في لبنان في يناير/ كانون الثاني 2022، وتتركز بنوده على الإصلاح الداخلي السياسي الاقتصادي الإداري، والخطوات المطلوبة أمنياً، لا سيما وضع حدّ لمنصّة تهريب المخدرات التي تنطلق من لبنان، وما له علاقة بسلاح حزب الله والنأي بالنفس عن صراعات المنطقة، فعلاً لا قولاً".
ويرى حمادة أن "خطة الفرنسيين ترتكز على محاولة توسيع نطاق الانتقال إلى مرحلة أخرى عالية المستوى، كعقد اجتماع لوزراء خارجية الدول الخمس والمعنية بالملف اللبناني، وصولاً إلى مؤتمر أوسع يتعلّق فقط بلبنان، لكن هذا الأمر يواجه عقبات عدة، خصوصاً مع وجود الطرف الإيراني غير الحاضر إلا عبر رسائل تحملها القيادة القطرية إلى طهران وتأتي عنها بأجوبة، وهي قناة التوصل عملياً، إلى جانب قناة التواصل الموازية أي الفرنسية مع حزب الله، لكنها تبقى غير كافية"، على حد قوله.
ويشير الكاتب اللبناني إلى أن الاجتماع الخماسي لم يتطرق إلى أسماء المرشحين للرئاسة، ولا حتى المواصفات، بل تطرق إلى خصائص الرئيس والشخصية المطلوبة على مستوى الإصلاحات وتلبية مطالب الشعب اللبناني والمجتمعين الدولي والعربي، وبالتالي لا أحد يريد أن يتورط بأسماء معينة، سواء العرب أو الأميركيون أو الفرنسيون، باعتبار أن هذه مسؤولية اللبنانيين.
ويلفت الكاتب إلى أن الاجتماع أعاد التأكيد أن لا مساعدات مجانية للبنان، بمعنى أن "أموال المكلفين لن ترمى في بئر مثقوبة وفي ظل الفساد المهول في لبنان، ولا أحد يريد أن يمول الطبقة السياسية اللبنانية الفاسدة، وهناك في هذا المجال توافق على فساد سياسي مصرفي اقتصادي وفي كافة المستويات، الأمر الذي يرفع من درجة الحذر في التعامل مع لبنان، عدا عن أن هناك قضية أساسية يشكو منها العالم العربي تتعلق بحزب الله وتؤدي دائماً إلى توتير العلاقات وإبعاد لبنان عن البيئة العربية الحاضنة تاريخياً".
تجدر الإشارة إلى أن رئيس البرلمان نبيه بري كان قد علّق جلسات انتخاب رئيس للجمهورية لحين حصول نوع من التوافق السياسي، وذلك بعد إخفاق برلماني على مدى 11 جلسة، كان آخرها في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي.