- السوداني أعلن عن تحول العلاقات مع الولايات المتحدة نحو شراكة مستدامة في مجالات الأمن، الاقتصاد، والطاقة، مؤكدًا على التزام العراق باتفاقية الإطار الاستراتيجي.
- تم التوصل إلى تفاهمات وتوقيع مذكرات تفاهم تشمل الدعم الأميركي في الدفاع، الطاقة، والبنية التحتية، مع التأكيد على استمرار الدعم الأميركي للعراق في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية.
تنتهي زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، إلى واشنطن، يوم غد الخميس، بعدما تخللتها لقاءات بمسؤولين أميركيين، أبرزهم الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، من دون حسم ملف الوجود العسكري الأميركي في البلاد.
وبالرغم من التوقعات والرسائل الإعلامية التي أطلقها السوداني والأحزاب الداعمة له في العراق، ضمن تحالف الإطار التنسيقي، الذي يضمّ الكيانات السياسية الشيعية، بشأن فتح ملف خروج القوات الأميركية من العراق، وإنهاء الوجود العسكري الأميركي، ورسم علاقة جديدة مع الولايات المتحدة، إلا أن هذا الملف لم يشهد أي مخرجات حاسمة، بل تحدَّث السوداني مع بايدن عن علاقة مستدامة على الأصعدة كافة.
ووصل السوداني إلى واشنطن في 14 إبريل/ نيسان الحالي، رفقة وفد مكوّن من 135 شخصاً من مسؤولين ومستثمرين. وأعلن خلال لقائه الرئيس بايدن في البيت الأبيض، الانتقال من العلاقة العسكرية إلى الشراكة الكاملة مع واشنطن، وقال: "زيارتنا إلى واشنطن تأتي في وقت حساس ودقيق، ولها أهمية في تأريخ العلاقة بين البلدين"، مضيفاً أنّه "يجري العمل على الانتقال من العلاقة العسكرية إلى الشراكة الكاملة مع الولايات المتّحدة". فيما أكّد الرئيس الأميركي أهمية الشراكة مع بغداد وأثرها في الشرق الأوسط".
وأشار السوداني إلى أن "الحرب على داعش كانت أساسَ التعاون بين العراق والولايات المتحدة، وأنّ النصر على داعش مهم، وتحقّق بتضحيات العراقيين ودعم الأصدقاء"، معتبراً أنّ "العراق في طور التعافي ويشهد تنمية في المشاريع الخدمية.. سنناقش الشراكة المستدامة على أساس اتفاقية الإطار الاستراتيجي، وحكومتي جادة في تنفيذ هذه الاتفاقية، ووجودي في واشنطن يحمل الرغبة بالنهوض بواقع العراق وتوفير الخدمات".
وأكد التزام حكومته بـ"مخرجات اللجنة التنسيقية العليا بين العراق والولايات المتحدة (اللجنة العسكرية التي تعمل على مراجعة وتقييم مهمة التحالف الدولي في العراق)"، مجدداً في الوقت نفسه التزام حكومته بـ"حماية البعثات الدبلوماسية". وأشار إلى أنّ "العراق ملتزم تجاه مختلف القضايا وخصوصاً ما يحصل في المنطقة"، مضيفاً "نتفق على مبادئ القانون الدولي، ونرفض أي اعتداء على المدنيين وخصوصاً الأطفال والنساء".
وقال مصدر رفيع ضمن الوفد العراقي المرافق لرئيس الحكومة العراقية في واشنطن، إنّ "اللقاءات التي عقدها الوفد كانت صريحة وشملت ملفات كثيرة تتعلق بالشأن العراقي، منها الأوضاع الأمنية وداعش، ونشاط الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، والعلاقة بين بغداد وأربيل، ووضع الحريات وحقوق الإنسان، وملفات أخرى عديدة".
وأضاف المصدر لـ"العربي الجديد"، أنّ "حوارات جانبية كثيرة، جرت بين المسؤولين العراقيين والأميركيين بخصوص العقوبات الأميركية على المصارف الأهلية العراقية، وما أسفرت عنه من شلل في حركة التعامل النقدي لدى التجار وأربكت الوضع الاقتصادي والتجاري وتراجع في قيمة الدينار العراقي، وأنّ المسؤولين الأميركيين كانوا صريحين جداً، واعتبروا أنّ الهدف من هذه العقوبات، مواجهة إيران والتعامل معها ومع إسعافها بالدولار الأميركي".
وتابع المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أنّ "السوداني قدّم نفسه خلال لقاءاته الرسمية على أنّه حاصل على قبول ودعم كل المكونات السياسية العراقية في زيارته الحالية، كما شدد على أنّ حكومته تقف على مسافة واحدة من الصراعات الإقليمية في المنطقة"، مؤكّداً أنّ "اللقاء الأهم كان مع وزراء الخارجية والدفاع والخزانة الأميركيين، ومستشار الأمن القومي، وغرفة التجارة الأميركية، والمسؤولين في الشركات النفطية والصناعية، لتأسيس علاقة جديدة ومتينة واستراتيجية مستدامة لتعزيز الاقتصاد العراقي، وتحويل العلاقة من واشنطن والتحالف الدولي من عسكرية إلى أمنية، مع ضمان حفظ الأمن في البلاد والاحترام المتبادل".
الوجود العسكري الأميركي
وحول الملف الأكثر أهمية، وهو الوجود العسكري الأميركي قال المصدر، إنّ "التفاهمات أفضت إلى مواصلة الدعم الأميركي العسكري والأمني للعراق تحت عنوان الشراكة الثنائية بين البلدين، وترك ملف التحالف الدولي ومتى يمكن فضه للقيادات العسكرية، والمراجعة الدورية، ما يعني عدم حسم ملف الوجود العسكري الأميركي، والأميركيون غير راغبين بالتحدث عن أي انسحاب حالي"، وفق قوله.
كما تواصل "العربي الجديد"، مع المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح، الذي قال إنّ "العراق يرتبط مع الولايات المتحدة ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقّعة بين البلدين عام 2008، وإنّ الوفد العراقي يسعى في حواراته إلى تفعيل بنود هذه الاتفاقية بعد أن تمكنت الحكومة خلال عام ونصف العام من توفير البيئة لأداء العمل وتطبيق المشاريع والخطط والفرص، لا سيما في قطاع الطاقة المتجددة والغاز والتكنولوجيا ومجالات النقل والاتصالات والزراعة والاستثمار في الموارد الطبيعية"، معتبراً أن "الزيارة واعدة، ويبدو أنّ الأجواء ملائمة للتقدم في الاتفاقية الاستراتيجية، وبالفعل خلال اليومين الماضيين تمكّن العراق من توقيع مذكّرات تفاهم عدّة مع الجانب الأميركي، من ضمنها ما يتعلق بالتحول إلى الطاقة النظيفة والكهرباء".
ولا يبدو أنّ الخروج الأميركي أو إنهاء مهمة التحالف الدولي، سيتحقق، خصوصاً وأنّ السوداني ووفده لم يفتح هذا الملف، بل إن السوداني تحدّث عن اهتمام العراق بالحصول على الخبرات والأسلحة من الولايات المتحدة، وعبّر عن حرص بلاده على الشراكة الأمنية.
تفاهمات جديدة
وعلى هامش زيارة السوداني، قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إنّ وزارة الخارجية الأميركية وافقت على إمكانية بيع بقيمة 140 مليون دولار للدعم اللوجستي والتدريب لمتعاقدي الطائرات والمعدات ذات الصلة بالعراق. وأضافت الوزارة في بيان، أنّ التدريب والدعم ينطبقان على أسطول الطائرات العراقية من طراز "سي 172" و "إيه سي/آر سي 208". وتابعت أن المتعاقد الرئيسي سيكون شركة نورثروب غرومان.
كما أعلنت اللجنة التنسيقية العليا بين العراق والولايات المتحدة، في بيان مشترك، أنّ بغداد وواشنطن وقعتا مذكرات تفاهم جديدة لمعالجة الغاز المحترق وتحويله إلى كهرباء، وصولاً إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة بحلول عام 2030، كما أكّد الجانبان على استئناف صادرات النفط عبر خط الأنابيب العراقي التركي. وتعهدت الولايات المتحدة، وفقاً للبيان، بمواصلة دعمها لحل أزمة المياه في العراق وتحسين الصحة العامة، فيما جددت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) التزامها بالعمل مع العراق على مستوى الحكومة المحلية؛ لتحسين خدمات إدارة المياه والنفايات، وتبادل الخبرات في برامج التأمين الصحي وإدارة المستشفيات وأبحاث السرطان.
مخرجات مؤقّتة
من جهته، بيَّن القيادي في تحالف "الإطار التنسيقي"، والنائب في البرلمان العراقي عامر الفايز، أن "الزيارة ستكون لها نتائج إيجابية وجيدة بالنسبة للعراق، على المستويات كافة، بما فيها العسكرية والأمنية، ومنها ما يمكن اعتباره حسما لإشكاليات الوجود العسكري الأميركي في العراق"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "السوداني والوفد المرافق له، سعى إلى استعادة قيمة الدينار العراقي، والنقاش حول المصارف العراقية بما يضمن إيجاد الحلول الخاصة بوضعها المستقبلي".
بدروه، أشار المحلل السياسي العراقي عبد الله الركابي، إلى أن "الفريق السياسي العراقي المناوئ للأميركيين، هو أكثر الأطراف انتظاراً لنتائج جيّدة من هذه الزيارة، وأقصد هنا، تحالف قوى الإطار التنسيقي، الذين يأملون باستمرار الدعم الأميركي لحكومة السوداني، لأنها تمثل لهم طوق النجاة في العملية السياسية التي توصف بالفاسدة والهشة، رغم أنهم تحدثوا خلال الأيام الأسابيع الماضية عبر زيارة حامية للسوداني بهدف طرد التحالف الدولي، لكن الحقيقة تقول عكس ذلك تماماً".
وأضاف، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ "الإطار التنسيقي المتورط في علاقات وولاءات لإيران، بات يريد أن يصل إلى شرعية البقاء في السلطة في خلال تعميق العلاقة مع الأميركيين، لكن يمكن القول إنّ كلّ مخرجات هذه الزيارة هي مؤقّتة وليست نهائية، خصوصاً أنّ شكل العلاقة قد يتبدل مع رحيل بايدن واحتمالات وصول دونالد ترامب أو من يشبهه للسلطة في الولايات المتحدة".