لتتضح الصورة

11 أكتوبر 2023
فلسطينيون في مدينة غزة، أمس (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -

مبكراً، منح الشاعر محمود درويش تيمة أدبية للمقاومة، بأن تعتمد على الذات في كل مجهود كفاحي، وألا تنتظر إسناداً من "إخوة يوسف"، حين قال في مديح الظل العالي: "سقطت ذراعك فالتقطها واضرب عدوك لا مفر، وسقطت قربك فالتقطني واضرب عدوك بي فأنت الآن حر" .

تدرك المقاومة الآن أنها تواجه قدرها الكفاحي، بوجه مكشوف وبصدر عارٍ، وبما توفر لها من ذاتها من قدرات عملت على تطويرها، وبناء على مراكمة خبرة ميدانية من تجارب المواجهات السابقة مع العدو.

وزيادة على أنها تقاتل عدواً يفوقها قوة وعدداً وإمكانات، تواجه في نفس الوقت تنصلاً غير مسبوق من النظام العربي القائم من التزاماته السياسية والأخلاقية، وتواجه تضليلاً موجعاً، من ذوي القربى، من داخل البيئة العربية التي تسير في عمى التطبيع، ضد المقاومة وتشكيكاً في خياراتها.

بالنسبة لأجيال لم تعش عصر النكبة والنكسة واجتياح بيروت وكامب ديفيد، لم يعد هناك ما تسأل عنه، بشأن كيف تخلى العرب في ذلك الزمن عن الحق العربي، وكيف أمكن لهذا الكيان الغاصب والمغتصب أن ينفرد بالفلسطينيين، تارة وباللبنانيين تارة أخرى، ويغيّر الأوضاع من دون أن يجد صدى عربياً لذلك.

تشاهد هذه الأجيال المعلقة على حبل غسيل التاريخ الآن رأي العين، بكثير من السرعة والوضوح، كيف حدث ذلك سابقاً. واقع المواجهة القائمة بين المقاومة وجيش الاحتلال كما المواجهات السابقة، يجيب عن حيرة هذه الأجيال وأسئلتها، غير أن الصورة أكثر فداحة من السابق، لأن رصيد الكرامة العربية كان أعلى بكثير لدى الأنظمة والحكومات - أغلبها - مما هو عليه الآن.

الآن وجِدت أنظمة تدين المقاومة وتحمّلها المسؤولية عما يحدث، ووجد مجتمع من "النخب الرخوة"، في الأقطار العربية، تهاجم أسلوب المقاومة في إدارة الصراع على الأرض، في علاقة باستهداف المستوطنين.

قبل عقدين من الزمن أو أكثر، تنبّأ الدكتور عبد الوهاب المسيري بظهور "الصهيوني العربي"، يعرفه بأنه عربي مسلم، يؤدي الوظيفة نفسها التي يؤديها التاجر الإسرائيلي والجنرال الإسرائيلي في الدفاع عن إسرائيل، وعن حقها في الوجود، وقد حدث هذا بالفعل، الآن هناك في قلب المنظومة العربية نخب وأنظمة تتولى هذه الوظيفة نيابة عن الإسرائيلي.

تلتبس على هذه "النخب الرخوة" مسألة استهداف المقاومة للمستوطنين، وهذا نتاج جهل سياسي بالغ بطبيعة الكيان، من حيث هو كيان مجتمع معسكر بالكامل، والمستوطنون جزء من هذا المجتمع المعسكر ويؤدون الوظيفة نفسها في قتل الفلسطينيين والتنكيل بهم وإذلالهم، وفي نهب الأرض والتاريخ وتجريف الهوية وتهويد القدس. في شرع المقاومة منذ ثورة الجزائر، كل من يقف على أرض محتلة، باسم المحتل، هو محتل، وعليه أن يرحل لا محالة.

المساهمون