أعلنت الرئاسة اللبنانية توصّل المحادثات مع الوفد القبرصي إلى صيغة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص، وذلك عقب جولة من المشاورات استمرت طيلة اليوم الجمعة.
وأطلق عون من قصر بعبدا صباحاً مسار التفاوض مع قبرص وذلك خلال استقباله وفداً من الجمهورية القبرصية، من أجل معالجة وضع الحدود البحرية بين البلدين، بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع إسرائيل، والذي كان يفترض أن يحصل بالتزامن مع بدء المحادثات بين لبنان والنظام السوري، والتي أرجئت من الأربعاء إلى أجلٍ غير مسمّى.
وقال بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية إنّ الرئيس ميشال عون تلقى مساء اليوم الجمعة اتصالاً هاتفياً من نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب أبلغه فيه التوصل إلى صيغة بين الجانب اللبناني والوفد القبرصي لتنفيذها وفق الإجراءات المتبعة والمتعلقة بتعديل الحدود البحرية وفق المرسوم 6433 واعتماد النقطة 23 جنوباً.
الرئيس عون تبلّغ من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب توصل المحادثات مع الوفد القبرصي الى صيغة لتعديل الحدود البحرية بين لبنان وقبرص
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) October 28, 2022
وأوضح بو صعب أنّ الصيغة تعتمد شمالاً خط الوسط بين لبنان وقبرص على أن تحدد نقطة الالتقاء بعدما يتفق عليها لبنان وسورية.
وأشار البيان الرئاسي إلى أنه استكمالاً لاجتماع عقد قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا، زار الوفد القبرصي وزير الاشغال في حكومة تصريف الأعمال علي حمية حيث عقد اجتماع بحضور أعضاء هيئة قطاع النفط وضباط من مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش، نوقشت فيه المسائل التي أثيرت في اجتماع بعبدا، وتم التوصل إلى الصيغة المذكورة.
وقال عون، خلال استقباله وفداً من الجمهورية القبرصية، إن "الهدف من اللقاء اليوم هو الاتفاق على معالجة الموضوع العالق في رسم الحدود البحرية بعدما انتهينا من رسم الحدود البحرية الجنوبية"، مضيفاً "بين لبنان وقبرص لا حاجة لوجود وسيط لأننا بلدان مجاوران وصديقان، وهذا ما يجعل مهمتنا سهلة في إزالة الالتباسات الناشئة".
وخلال اللقاء الذي حضره الوفدان اللبناني والقبرصي تم عرض الوضع القائم حالياً على الحدود البحرية مع قبرص والأسس التي يتم التفاوض بشأنها بين الجانبين.
وصرّح نائب رئيس البرلمان اللبناني الياس بو صعب بعد اللقاء بأنه "جرى مع الوفد القبرصي مناقشة النقاط التي كانت عالقة بين البلدين. وهذه النقاط شهدت اختلافاً في وجهات النظر في السابق، وتم توقيع اتفاقية لم تبرم بسبب وجود خلاف بين الجانبين على اعتماد النقطة 1 أو 23، ولأنه لم يكن قد أُخذ في الاعتبار المرسوم الذي أودعناه لدى الأمم المتحدة".
وأضاف أن "اليوم، وبعد التفاهم على النقطة 23 جنوباً، تم تحديد الموعد في نهاية الأسبوع لوجود رغبة من الطرفين في إنهاء الملف وتثبيت النقطة 23، وهناك وزارات معنية بالملف. فتحديد النقاط هو من اختصاص وزارة الأشغال التي كانت بدأت العمل في هذا الملف. وتقرّر إكمال البحث قبل سفر الوفد لإيجاد حل للملاحظات التي كانت لدى لبنان وفق التعديلات المطلوبة".
وأردف بو صعب "أما في وزارة الطاقة، فالصلاحية تتعلق بالبلوكات الاقتصادية، والأمور المتصلة بالحقول المشتركة وموضوع التعاون على صعيد تبادل الخبرات والمشاركة في أعمال المسح، وغيره من الأمورـ لأن الوضع مع قبرص يختلف عن الوضع مع دولة عدوة كإسرائيل. ويمكن التعاون مع قبرص والاستفادة من خبرات القبارصة، لذلك وبتوجيهات من الرئيس عون، كان العمل بسرعة لوضع هذا الملف على السكة السليمة، والعمل اليوم يؤكد أننا على الطريق الصحيح".
وأشار نائب رئيس البرلمان الذي كلّف بمفاوضات ترسيم الحدود البحرية جنوباً إلى وجود نقاط أخرى ستبقى عالقة، وتتعلق بالحدود التي تفصل بين لبنان وسورية شمالاً، لافتاً إلى أننا "توافقنا مع الجهة القبرصية على عدم تحديد الحدود من جهة واحدة، وطلبنا التواصل مع الأصدقاء في سورية ولن نرسّم النقطة وتحديدها مع قبرص قبل التواصل والتفاهم مع سورية، وهذا ما يجب أن يحصل بين بلدين صديقين ومتعاونين. وفي الموضوع الاقتصادي والحقول، هناك عمل منفصل بين الوزارتين".
كذلك قال بو صعب "مع إنجاز هذا الملف، يبقى أمامنا التواصل مع الجمهورية العربية السورية للاتفاق على الحدود الشمالية للمنطقة الاقتصادية. ومع هذا الاجتماع، يكون قد انتهى دوري في هذا الموضوع، ويبقى العمل مع الوزراء المعنيين، وسنبقى نتعاون كفريق لبناني واحد في هذه الملفات مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم وقيادة الجيش، لأن العمل المشترك دائماً ما يعطي النتائج".
وبشأن البلبلة التي خلقها تأجيل زيارة الوفد اللبناني إلى سورية الأربعاء الماضي أوضح بو صعب أنه "حصل سوء تفاهم وليس سوء تواصل، وهو أمرٌ ممكن حدوثه بين الأشقاء، وحصل نوع من العتاب. كان هناك تواصل بيني وبين السفير السوري، واتفقنا شفيهاً قبل إرسال الكتاب الخطي الذي طرأ عليه تعديل في الوقت بسبب زيارة الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، فعدت وأبلغته شفهياً على أن يتم إرسال كتاب بذلك. وبعد إرسال الكتاب، كنا قد دخلنا فترة نهاية الأسبوع، وتأخر الوقت، فاتصل بي صباح الاثنين لإبلاغي بأن الوقت غير مناسب، فأجبته أن الاتفاق كان ليوم الخميس ولكن بعد التأجيل نحن في لبنان منفتحون على أي يوم آخر، ولكن حتى اليوم لم يتم تحديد موعد".
من جانبه، قال الوفد القبرصي، بحسب ما نقلت عنه الرئاسة اللبنانية في بيان، إن "لبنان بلد صديق ونعتبر أنفسنا في منزلنا خلال وجودنا في ربوع هذا الوطن، وكان لنا نقاش ودي وبنّاء جداً حول الحدود والترسيم البحري".
وأضاف "ستتواصل النقاشات، ونحن متفائلون جداً أنه بعد انتهاء العمل التقني الذي سنواصله اليوم سنسوي كل مسائل الترسيم البحري، وهو أمرٌ ليس صعباً، والتوقيت مناسب جداً، وهذا ما يحتاجه بلدانا اللذان أطلقا العمل للتنقيب في البحر، ويحتاجان إلى المزيد من الاستثمارات. وحالياً يحتاج لبنان إلى هذا الأمر أكثر منا، ونأمل أن نتوصل إلى اتفاقات جديدة من شأنها تسهيل التعاون بيننا بشكل أكبر. ليس هناك من مشكلة بين لبنان وقبرص لا يمكن حلها بسهولة".
وبعد اللقاء في القصر الجمهوري، عقد وزير الأشغال اللبناني علي حمية، اجتماعاً مع الوفد القبرصي، أشار بعده حمية إلى أنّ "النقاش كان بنّاءً وإيجابياً جداً حول اعتماد النقاط 1، 24، 25، و23، وكذلك تطرق النقاش إلى النقطة رقم 7"، لافتاً إلى أنّ "الاجتماع توصّل إلى قواسم مشتركة مع قبرص".
ولفت حمية أيضاً إلى أنه سيطلع الرئاسات الثلاث، على النتائج التي تم التوصل إليها "ليصار بعدها إلى الاتصال مجدداً بالوفد القبرصي، وذلك بحلول منتصف الأسبوع المقبل، كي يصار إلى الانتهاء من هذا الملف، وعلى كامل النقاط بين البلدين"، مشيراً إلى أنه تم الاتفاق على إعادة الحدود من النقطة 1 إلى 23، وتبقى تفاصيل معينة سيجري النقاش حولها لاحقاً وفقاً للأصول القانونية المتبعة بين البلدين.
وكان تقرير صادر عن مجلة الجيش اللبناني قد قال إنه "بتاريخ 17/12/2010، وقع العدو اتفاقية لتعيين حدود منطقته الاقتصادية الخالصة مع قبرص وذلك من دون أن تتشاور قبرص مع لبنان بهذا الخصوص كما نصت على ذلك الاتفاقية الموقعة بين الجانبين في عام 2007، وبدلاً من أن ينطلقا بهذه الحدود من النقطة 23 انطلقا من النقطة 1 التي كان متفقاً مع قبرص على أنها نقطة مؤقتة، ثم قام العدو بترسيم حدوده البحرية مع لبنان من جانب واحد، فانطلق من نقطة سميت النقطة 31 في رأس الناقورة إلى النقطة 1، وهكذا كان الخط الإسرائيلي الذي سمي بالخط 1، ووقتها اعترض لبنان على الترسيم الإسرائيلي بموجب رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة".
وفي حديث للرئيس السابق للوفد اللبناني المفاوض على الحدود البحرية اللواء عبد الرحمن شحيتلي لـ"العربي الجديد" قال بداية إن "لبنان وقع اتفاقاً عام 2007 مع قبرص لترسيم الحدود البحرية بينهما، على أن يبدأ خط الحدود من النقطة 1 ويتجه شمالاً، بيد أن هذه النقطة مؤقتة وتصبح قابلة للبحث عند دخول طرف ثالث المحادثات، وبما أن الترسيم حصل بين لبنان والعدو الإسرائيلي فقد بات واجباً تعديل الاتفاق، والبدء مع قبرص من النقطة 23 بدلاً من 1، كذلك تعديل نقطة النهاية من ناحية الشمال مع سورية باعتماد النقطة رقم 7 بدلاً من 6".
وفي وقتٍ اعتبر شحيتلي أن لا خلاف مع قبرص ويمكن الاتفاق من خلال المحادثات التي ستجرى، يشير إلى أن المشكلة بين لبنان وسورية تكمن في أن الجانب اللبناني أعلن حدوده مع قبرص وبشكل أحادي من دون أن يجري محادثات مع الطرف السوري، الذي بدوره تقدم بشكوى عام 2014 اعتراضية إلى الأمم المتحدة، مبدياً "عدم اعترافه بالترسيم الذي أجراه لبنان".
ولفت شحيتلي إلى أن الفائدة الاقتصادية الأبرز ستكون في حال إتمام الاتفاق إزالة جميع العوائق التي تحول دون التلزيم، فبجرد انتهاء النزاع، يمكن للشركات أن تستثمر وتبدأ عمليات التنقيب في البلوكات اللبنانية.