لبنان والعراق... "شرور" الديمقراطية

03 يونيو 2022
من الانتخابات اللبنانية في 15 مايو الماضي (إبراهيم شلهوب/الأناضول)
+ الخط -

تتكرر كل أربع سنوات في لبنان والعراق انتخابات برلمانية، كما الحال في سويسرا والنمسا وبلجيكا وغيرها. في البلدان الأخيرة، تحشد الأحزاب والجماعات لبرامجها، خدمة للمواطنة، التي تعاقب تصويتاً.

حسّ الوطنية في تلك الدول، على الرغم من اختلاف القوميات والأديان، ليس أقل مما هو عند اللبناني والعراقي. فالضجيج القومي - الشعبوي، والعجرفة والاستعلائية المذهبية - الطائفية، تُشذب في العملية الديمقراطية التي يذهب إليها "الأشقاء" في أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا.

هؤلاء الأوروبيون لم يولدوا وفي أفواههم مفاهيم ديمقراطية، بل تتنافس مختلف القوى على نيل أصواتهم بعد اكتمال النضج، في تكامل مبتدؤه في المنزل والمدرسة، ومنتهاه حقوق ومواطنة.

وفي استدعاء نماذج غيرنا، التي يسعى إليها ملايين العرب والمسلمين عبر الهجرة، لا انتقاص سوى من فظاعة استلاب النخب "البرلمانية" العربية حقوق مواطنيهم.

لنا أن نتخيل أن الدنماركي والسويدي وُلدا في شوارع وساحات ومبان على اسم عائلة الحاكم، بما يشبه ما طالب به "برلماني سوري" ذات يوم بحكم سيده بشار الأسد العالم، باعتبار الوطن العربي "قليل" عليه.

ولنا أن نستنتج غرابة وفظاعة نموذج حكم يقوم على تأليه "الزعيم"، الذي لا يشيب ولا يغير الزمن ملامحه، بتذكير الصحف والشاشات يومياً بطلته البهية، حتى لا يكتشف الناس تغير "هيبته وعظمته".

بعض "برلمانيي" منطقتنا يرون أنهم أفضل حالاً من "شرور الديمقراطية" الغربية، باستدعاء نظرية التآمر علينا. بالنسبة لهؤلاء، فإن اسم "سيارة" ينطبق على "شام" السورية مثل "مرسيدس" الألمانية، إذ كلها سيارات. بل إن "كوريا الديمقراطية" (كوريا الشمالية) بنظر "الإخوة" و"الرفاق" هي بمثل ديمقراطية برلين وكوبنهاغن.

المؤلم في استهزاء الواصل على أكتاف وراثة "جماعته" أن الديمقراطية "عرس" إذا فاز و"مأتم" ومؤامرة إن خسر أغلبيته. فنصير أمام حلقة مفرغة من "مؤامرة خارجية" لتفتيت مجتمعاتنا، على الرغم من أن "الزعيم" نفسه يشيع تخويفاً من إخوته في الوطن و"الطوائف" الأخرى، ويستدعي تصفيقاً حاراً لإبادتهم، لفرض مزيد من الطاعة في المزرعة الموروثة جيلاً بعد جيل.

باختصار، يقدم النموذجان اللبناني والعراقي ثقافة سياسية تحتقر حتى ما تحتويه الدساتير والمواثيق. فإن لم تفز "جماعتنا" لا يحكم غيرنا، وكله باسم الديمقراطية.

وفي نهاية المطاف، يتحول مخاتلو الديمقراطية العرب إلى استثناء عالمي، يُمنع فيه أن نشبه إندونيسيا وماليزيا على سبيل المثال، عداك عن القارات التي يهاجر إليها المسحوقون العرب، موجات وراء موجات، تاركين "القائد الفذ" يعيش على أطلال الانهيارات والخراب.

المساهمون