لبنان: ميقاتي ينجح بتأمين نصاب الجلسة الوزارية ويخرق صفوف تيار باسيل

05 ديسمبر 2022
ميقاتي يتمسك بضرورة النظر في الملفات الملحة (حسين بيضون)
+ الخط -

انعقدت جلسة مجلس الوزراء اللبناني، صباح اليوم الإثنين، في السرايا الحكومي مع اكتمال نصاب أكثرية الثلثين، إثر خرق وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال جورج بوشكيان قرار مقاطعة اتخذه تسعة وزراء، ليُسدِّد بذلك ضربة قاسية لـ"التيار الوطني الحرّ" برئاسة النائب جبران باسيل، الذي عوَّل على الوزراء للتعطيل بعدما صعّب عليه حليفه "حزب الله" المهمّة بعدم ملاقاته في هذه الخطوة.

وفي مستهل الجلسة التي حُدِّد جدول أعمالها بعد التعديل بـ25 بنداً، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي: "ماضون في تحمّل مسؤولياتنا مهما كثرت، وجلسة اليوم هي استثنائية، خصوصاً الملف الطبي، الذي هو أكثر من استثنائي".

وأشار إلى أنه "إذا كان البعض يريد التلطي خلف الدستور والعيش المشترك، فهما لا يتحققان بموت الناس، وليتحمّل كل طرف مسؤولية قراره ونتائجه".

كما شارك وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار في الجلسة رغم إعلانه المقاطعة، وذلك بعد تيقنه من اكتمال النصاب. وفي وقت لاحق، أعلن حجار أنه عاد وخرج من الجلسة بعدما لم يلقَ طلبه إنهاءها أي تجاوب، مضيفاً: "كان الأجدى لنا أن نتشاور كحكومة ونتفق على كيفية إدارة البلاد في هذه المرحلة لغاية انتخاب رئيس وتشكيل حكومة أصيلة، ونترك ملف الرئاسة للنواب ومجلس النواب".

ودخلت حكومة ميقاتي مرحلة تصريف الأعمال في 22 مايو/ أيار الماضي، ويعيش لبنان على وقع شغور رئاسي منذ انتهاء ولاية ميشال عون في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وفشل البرلمان مرات عديدة في اختيار رئيس جديد.

وعلى وقع التصعيد الكلامي الحادّ بين ميقاتي و"التيار"، والنداء الذي وجهه عون للوزراء بالمقاطعة، أصدر تسعة وزراء بياناً مشتركاً، أمس الأحد، أعلنوا فيه عدم مشاركتهم في الجلسة، داعين ميقاتي للعودة عن دعوته.

وأعلن الوزراء التسعة عن رفضهم "مخالفة الدستور" وعدم قبولهم أن يكونوا شركاء في "ضرب الميثاق الوطني"، وذلك في ظلّ حال الحكومة بتصريف الأعمال والشغور الرئاسي.

"الحفاظ على الاستمرارية"

وراهن ميقاتي عند دعوته مجلس الوزراء للانعقاد على عدم ملاقاة وزراء "حزب الله" و"حركة أمل" (يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري) "التيار الوطني الحر" في مقاطعته الجلسة، إلى جانب مشاركة وزيري حليفهما "تيار المردة"، الاتصالات جوني القرم والإعلام زياد المكاري، ولا سيما لتأمين الميثاقية المسيحية، ووزراء آخرين "تلبّدت" علاقتهم مع عون وباسيل في الفترة الأخيرة.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وقال وزير الاتصالات جوني القرم، لـ"العربي الجديد"، إنه بعيدٌ عن الأجواء السياسية، ولا يقارب الأمور من هذا التوجّه، موضحاً أنه شارك في الجلسة اليوم لأنه يدير "قطاعاً تقنياً مؤتمناً عليه، وهناك قرارات يجب أن تصدر عن مجلس الوزراء للحفاظ على استمراريته".

وأشار إلى أن "أي ضرر يصيب القطاع يُحمَّل هو مسؤوليته، من هنا واجبٌ علي رفع المسؤولية عني من خلال المشاركة في الجلسة، والدفع باتجاه مناقشة الملفات الأساسية".

ولفت القرم إلى أن "البند الأهم، الذي أخذه باليد إلى وزارة المال ومن دونه نواجه مشاكل في هيئة أوجيرو (اليد التنفيذية لوزارة الاتصالات اللبنانية)، وتلقينا وعداً بمناقشته اليوم من خارج جدول الأعمال، هو تحويل الأموال المطلوبة إلى حسابات الوزارة من أجل تحويلها إلى أوجيرو بطريقة قانونية".

المصادقة على عدد من البنود

وأقرّ مجلس الوزراء اللبناني، في جلسة اليوم، عدداً من البنود التي أدرجت على جدول الأعمال، تتعلق بالصحة وتعويض النقل للقوات الأمنية، ومساعدة اجتماعية للعسكريين في الخدمة الفعلية والمتقاعدين.

وأعلن وزير الإعلام، زياد مكاري، أنه "تقرّر تأجيل بنود كثيرة، لأنه من المستحسن مناقشتها في جلسة يكون فيها عدد الوزراء المشاركين أكثر من الحاضر اليوم". وأشار في المقابل إلى أن كل الوزراء كانوا على علم بالجلسة وجدول أعمالها.

في السياق، أعلن ميقاتي أنه طلب عقد اجتماع بعد ظهر اليوم، يجمع الوزراء كلهم الذين حضروا اليوم والمقاطعين، للبحث في جميع المواضيع، مشدداً على أنه "لا نريد حصول أي شرذمة في المجتمع اللبناني، والمهم أن نكون يداً واحدة".

وأشار ميقاتي إلى أن "لا وزير ملكاً، بل كلنا في خدمة البلاد لتمرير هذه المرحلة الصعبة، وهناك ملفات أساسية كانت الضرورة تقتضي إقرارها، سواء الملف الصحي، أو حتى موضوع أوجيرو، فلو لم تعقد الجلسة اليوم وتؤمن الاعتمادات للهيئة، لكانت الاتصالات الدولية ستتوقف، والإنترنت خلال أسبوع من الآن".

وقال ميقاتي إن المجلس أخذ بمعظم جدول الأعمال، وبعض الوزراء بعد المناقشة رفضوا بعض البنود ولم يحصل التصويت عليها وسحبت، ومجلس الوزراء قام بدوره كاملاً حسب الأصول، موضحاً أن الجدول عدّل من 65 بنداً إلى 25، بعد الأخذ بملاحظات وزراء، منهم المقاطعون، الذين طالبوا باختصاره، فتم ذلك.

وأكد ميقاتي أن خطوته لا يراد منها أخذ مكان رئيس الجمهورية، أو وجود أي نوايا طائفية ومذهبية، داعياً في السياق إلى انتخاب رئيس لحل كل المسائل.

من جهته، قال وزير المهجرين عصام شرف الدين، لـ"العربي الجديد"، إن "دعوة ميقاتي للاجتماع هي مطلبُ حق يراد به باطل، ويؤدي إلى خلافات وفتنة"، مشيراً إلى أن "رئيس حكومة تصريف الأعمال مستأثر بالسلطة وأسلوبه فوقي بالتعاطي، إذ لا يستشير الوزراء ولا الكتل النيابية بأي من المواضيع".

وأردف شرف الدين، وهو من مقاطعي الجلسة: "ميقاتي يرفض الحلول الاقتصادية مثل طرح ضريبة التضامن الاجتماعي، التي كانت ستنقذ الموازنة من العجز وتخفض الدولار الجمركي، يريد مسح الودائع من خلال ما يسمّى خطة التعافي السيئة إرضاء للبنك الدولي".

وأضاف وزير المهجرين: "كذلك يرفض ميقاتي هبة النفط المجانية (من إيران) التي تنير لبنان لفترة طويلة، وتدعم كل القطاعات، وذلك إرضاءً لبعض الجهات الأجنبية لأن لديه مصالح في تلك الدول الأجنبية، ويعطل ملف عودة اللاجئين السوريين، واللائحة طويلة من المواقف المشبوهة".

حراك وزاري

وعلى الرغم من إعلان الوزراء التسعة قرارهم، بقي ميقاتي متمسِّكاً بعقد الجلسة في موعدها حتى اللحظات الأخيرة، إذ تحدثت معلومات عن اتصالات مسائية جرت بمساعٍ من "حزب الله"، لإحداث خرق في صفوف وزراء غير محسوبين مباشرة على "التيار" والرئيس السابق ميشال عون، منهم بوشكيان.

في السياق، أشار مصدرٌ مقرّبٌ من رئيس حكومة تصريف الأعمال، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "ميقاتي ما كان ليُقدِم على خطوته لو لم يتيقن أن النصاب مؤمّن وباسيل لا يملك الثلث الحكومي المعطّل، ومن أن الميثاقية المسيحية موجودة بمشاركة وزراء من الطائفة التي لا يمكن اختزالها فقط بالتيار".

ولفت المصدر، الذي اشترط عدم كشف هويته، إلى أن "ميقاتي بنى تمسّكه أيضاً على معلومات وصلت إليه عن أن ليس كلّ الوزراء الذين ذُكِرت أسماؤهم في بيان المقاطعة أمس كانوا على علم بصدوره، وأن هناك وزراء لم يحسموا بعد موقفهم، وأن كلام عون أمس عجّل الحراك الوزاري، وأثّر عليه".

في المقابل، قال مصدرٌ في "التيار"، لـ"العربي الجديد"، إن "بوشكيان خرج عن القرار المشترك وموقفه شخصي ومفاجئ، ويضرب توجّهنا وتوجه بكركي (البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة)، وبكل الأحوال، فريقنا السياسي سيقف بوجه المحاولات التي يتعمّدها ميقاتي لضرب صلاحيات رئيس الجمهورية، وفرض واقع عقد جلسات بغياب الرئيس، اليوم بحجة الملف الاستشفائي، وغداً بذرائع أخرى، وهو ما لن نسمح به، لأنه سيجرّ إلى الفتنة".

وحول مشاركة وزراء "حزب الله" في الجلسة، قال المصدر، الذي اشترط أيضاً عدم كشف اسمه: "نحن حلفاء ولكن لا نتخذ القرارات بصورة مشتركة، وهناك ملفات كثيرة لا نلتقي بها، وخطوات لا نسير بها بالاتجاه نفسه، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ، فنحن تيار سياسي مستقلّ، وللحزب وغيره حرية اتخاذ الموقف الذي يراه مناسباً وإن كنا نعتبره خاطئاً".

"رسالة قوية"

من جهته، قال الكاتب السياسي ألان سركيس، لـ"العربي الجديد"، إن "حزب الله يدعم ميقاتي الذي ما كان استطاع القيام بخطوته لولا دعم حزب الله وأيضاً حركة أمل، وهي خطوة استفزت المكونات المسيحية، من البطريرك الماروني بشارة الراعي، إلى الأحزاب المعارضة المسيحية، والتيار، باعتبار أن ميقاتي يريد تصفية الحسابات مع باسيل وفريق العهد".

ولفت سركيس إلى أن "الأخطر اليوم أن الجلسة عقدت من دون المكون المسيحي وبمباركة الثنائي، الحزب والحركة، الذي يقول دائماً إنه مع الموقف المسيحي والحقوق المسيحية".

من ناحية أخرى، يرى سركيس أن "حزب الله وجه اليوم رسالة قوية للتيار أبعد من الجلسة، وتمتدّ إلى ملف انتخاب رئيس الجمهورية، بمعنى أنه يقول لباسيل إذا لم تنتخب فرنجية، يمكننا تخطيك كما تخطيناك في المسألة الحكومية".

ويواصل نواب "حزب الله" وحلفاؤه اختيار الورقة البيضاء في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بالبرلمان اللبناني لعدم توافقهم بعد على مرشح رئاسي، رغم أن أكثرية هذا الفريق تؤيد بشكل غير مُعلن وصول رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة.

وتابع قائلا: "هذا خطير على باسيل، الذي مع خروج عون من القصر الرئاسي أصبح يعتمد على عضلات حزب الله، التي بغيابها ووسط تآكل شعبيته وتنامي القوى المعارضة، ولا سيما المسيحية، سينال ضربة موجعة، خصوصاً إذا أتى رئيس ضدّه أو غير راض عنه".

على صعيد الخرق الذي قام به بوشكيان، قال سركيس إن "وزير الصناعة يمثل حزب الطاشناق المعروف أنه في تكتل باسيل النيابي منذ عام 2005، لكن بقناعة المحور السوري الإيراني الذي أراد تقوية عون، ولكن عند الجد، يصوت مع الثنائي الحزب (حزب الله) والحركة (حركة أمل) وليس مع التيار الوطني الحر".

وأردف بالقول: "ظهر ذلك في استحقاقات عدة، مثل تسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة بعكس رغبة التيار، وتصويته لنبيه بري لرئاسة مجلس النواب أخيراً في حين لم يصوّت له التيار. وبالتالي، الأساس، القوى الموالية للنظام السوري قرارها موجود عند حزب الله".