وجّه رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، اليوم الإثنين، دعوة إلى النواب لانتخاب رئيس للجمهورية صباح يوم الخميس المقبل، في خطوة أسبوعية قرّر السير بها رغم وصفه الجلسات بـ"المسرحية"، وذلك بعد عرقلة تكتلي "لبنان القوي" (يرأسه النائب جبران باسيل)، و"الجمهورية القوية" (يمثل القوات اللبنانية برلمانياً برئاسة سمير جعجع) الخطة البديلة المتمثّلة بالحوار النيابي الموسّع.
وتأتي دعوة بري لجلسة سادسة متوقعة النتائج من حيث خروج النواب من دون انتخاب رئيس جديد للبلاد، على وقع مواصفات رئاسية صريحة حدّد خطوطها أولاً الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، وترتكز على "ألّا يطعن الرئيس المقاومة في ظهرها، ولا يتآمر عليها ولا يبيعها"، ملمّحاً إلى عهود محسوبة عليه، على رأسها الرئيس الأسبق إميل لحود (1998 – 2007)، والرئيس السابق ميشال عون (2016 – 2022).
مواصفات نصر الله التي يعطّل لأجلها نصاب جلسات الانتخاب بفعل انسحاب نوابه وحلفائه من الدورة الثانية، في ظلّ تكرارهم سيناريو الورقة البيضاء، قابلتها شروط حدّدها البطريرك الماروني بشارة الراعي للرئيس التوافقي، أبرزها أن يكون صاحب خيارات سيادية، وألا يكون رئيس تحدٍّ يفرضه فريق على الآخرين تحت ستار التفاوض، والحوار، والتسويات، أو المجيء ببديل يتّبع سياسة الأصيل نفسها، غامزاً بذلك من بوابة "حزب الله" وحلفائه.
وجدّد الراعي في الوقت نفسه الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية أممية، وذلك كـ"حلٍّ أمام فشل النواب الذريع بانتخاب رئيس".
لقاء يجمع مستقلين وتغييريين ومعارضين لتوحيد المواقف
وأمام هذا المشهد، تحاول مجموعة من النواب، وتضم معارضين وتغييريين ومستقلّين، عقد اجتماعات لتنسيق المواقف، سواء من دور مجلس النواب في فترة الشغور الرئاسي، أو جلسات الانتخاب، وستجتمع غداً الثلاثاء لبحث هذين العنوانين الرئيسيين.
ويغيب عن اللقاء بعض نواب تكتل التغييريين الذي آل إلى التشتّت، واختلفت أصواتهم في صندوق الاقتراع، كما لم يُدعَ إليه حزبا "القوات اللبنانية" و"التقدمي الاشتراكي" (برئاسة وليد جنبلاط)، رغم قرب الطروحات الرئاسية.
في السياق، يقول النائب المستقل غسان سكاف لـ"العربي الجديد"، إن الدعوات وجهت لحوالي 40 نائباً من المستقلين غير المنضوين ضمن الأحزاب، ونتوقع حضور 30 أو 31 نائباً منهم إلى مجلس النواب، ويرتكز البحث على كيفية تسريع عملية انتخاب رئيس للجمهورية.
ويشير إلى أن "القوات والاشتراكي لن يكونا موجودين، ليس لأننا نختلف معهما، بل لأن هناك قراراً مستقلاً يجب أن يُتخذ في موضوع الرئاسة والتشريع بحالة الفراغ الرئاسي، ولكن التنسيق سيحصل لاحقاً معهما، وهما على دراية بما يحصل والتواصل قائم".
وفي وقتٍ يختلف فيه بعض النواب المشاركين في اللقاء حول ترشيح النائب ميشال معوض للرئاسة، هو المدعوم من "الاشتراكي" و"القوات" و"الكتائب" (برئاسة النائب سامي الجميل) وبعض النواب المستقلين والتغييريين، يؤكد سكاف أن هناك محاولات لتثبيت معوض كمرشح، وسنرى التوجهات الأخرى لتسريع العملية الانتخابية.
من جهته، يقول النائب مارك ضو، من تكتل "التغييريين"، المشارك غداً في اللقاء، إن "كل النواب التغييريين مدعوون، لكن البعض اعتذر عن المشاركة، وواضح التشتت الحاصل ضمن التكتل، خصوصاً في آخر جلستي انتخاب عقدتا".
ويشير ضو في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن اللقاء غداً هو الرابع، وقد بدأت اللقاءات بمشاركة 14 نائباً، ثم 27 وتوسعت أكثر، ولن يكون هناك إلزام بترشيح شخصية معينة، بل النقاشات ستتركز على نقطتين، الأولى كيفية المشاركة في جلسات التشريع وشروطها، فهناك آراء تؤيد مقاطعة كل جلسة خارج إطار انتخاب رئيس، وأخرى لديها وجهات نظر مختلفة، والثانية كيفية إدارة الانتخابات الرئاسية، وبالتالي، فإن الهدف استكمال الحوار والنقاش للوصول إلى نتيجة أسرع.
واعتبر في المقابل أن هناك إرباكاً واضحاً ضمن تحالف "حزب الله"، ما يترجم بوضعه الورقة البيضاء، متوقعاً تكرار سيناريو الجلسات السابقة يوم الخميس.
ويلفت ضو إلى أهمية أن يشارك أكثر من ربع المجلس (مجموعه 128 نائباً)، في النقاش، ما يساعد أكثر على تقديم اقتراحات وإمكانية الوصول بها إلى مكان ما، في حين يرى أن الحل لانتخاب رئيس يكون بمجلس النواب لا بمؤتمر دولي، وذلك تعليقاً على دعوة البطريرك الماروني، حيث إن العودة للدستور هي خلاص لبنان.
تأتي دعوة بري لجلسة سادسة متوقعة النتائج من حيث خروج النواب من دون انتخاب رئيس جديد للبلاد
من جهته، يقول النائب المستقل ميشال ضاهر لـ"العربي الجديد"، إن اللقاء غداً أساسي لمحاولة الوصول إلى موقف موحد، إذ لا يمكن الاستمرار بتكرار سيناريو الجلسات نفسه، ويجب إحداث خرق ما.
ويشير إلى أنه لا يزال على موقفه من ترشيح النائب معوض، إذ "يهمنا الرئيس السيادي الجامع للبلد"، لكنه يردف أنه في حال حصل توافق على شخصية أخرى، فلا مانع ضمن المواصفات المذكورة، "حتى أن معوض ليس متمسكاً جداً بالمقعد الرئاسي، وهمّه أن تصل شخصية رئاسية جامعة".
على المقلب الآخر، يتمسّك عددٌ من النواب التغييريين الذين لن يشاركوا في لقاء الثلاثاء، بترشيح النقابي والمؤرخ عصام خليفة، على رأسهم النواب إبراهيم منيمنة، فراس حمدان، وحليمة القعقور.
ويقول مصدرٌ مقرّب من أحد النواب "المقاطعين" لـ"العربي الجديد"، إن "كل نائب في التكتل له رأيه وموقفه السياسي، وهناك مقاربات مختلفة في الملف الرئاسي، والمرشحين، وسط عدم تأييد ترشيح معوض لاعتباره من المنظومة التقليدية، مع دعم في المقابل لشخصية كخليفة، التي تمثل التغيير الحقيقي، وهي خارجة تماماً عن عبارة الأحزاب المسؤولة عن انهيار البلاد".
من جهته، يرى النائب في كتلة "القوات" رازي الحاج أن لا مانع من عدم دعوة الحزب الذي يمثله، "إذ ليس مهماً أن نكون حاضرين أو لا، فنحن نشاركهم المعارضة نفسها للإدارة السياسية الحالية، بل الأساس توحيد الصفوف وحسم النواب خياراتهم، خصوصاً أن أرقام معوض بدأت ترتفع، وقد أصبح على عتبة الخمسين صوتاً".
ويشير الحاج إلى أننا ننتظر لقاء الثلاثاء ونتيجته، ونأمل في أن تحسم المواقف، لافتاً إلى "أننا أُبلغنا بأننا سنكون بجوّ المناقشات، لتكون مع المسار العام للمعارضة وتخفيف القضايا الخلافية".
ويؤكد أن موقف القوات يندرج في إطار حصر دور مجلس النواب بانتخاب رئيس للجمهورية، رافضاً التذرع بتشريع الضرورة، مشيراً إلى أنّ هناك فريقاً يريد أن يرسي فكرة أن البلاد تمشي بلا رئيس. ويقول النائب القواتي لـ"العربي الجديد"، إن نصر الله يريد رئيساً بمواصفات اللادولة، والأخطر لا يقتصر على دعم السلاح غير الشرعي، بل الاقتصاد غير المنظم الذي "انتفخ" كثيراً، وأصبح يعيش داخل جسم الدولة اللبنانية.
على صعيد ثانٍ، يشير الحاج إلى أنه يدعم المؤتمر الدولي بعنوانه الاقتصادي لإخراج لبنان من كبوته، لكنه شخصياً يرى أن لبنان قادر على إنتاج حل في الداخل وإيصال رئيس إلى سدة الرئاسة.
تجدر الإشارة إلى أن الجلسة الخامسة التي انعقدت بدورتها الأولى الخميس الماضي، توزعت الأصوات فيها بشكل أساسي على "الورقة البيضاء" بـ47 صوتاً، معوض بـ44 صوتاً، وعصام خليفة بـ6 أصوات، و"لبنان الجديد" بـ7 أصوات.
وكان لافتاً دخول وزير الداخلية الأسبق زياد بارود إلى اللائحة، بعدما صوّت له نائب رئيس البرلمان الياس بو صعب، في خطوة تمايز فيها عن تكتله "لبنان القوي" الذي سار بالورقة البيضاء، علماً أن بو صعب عبّر عن الجهوزية للعب دور الوسيط التفاوضي بعد فشل "حوار بري".