طلب رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، اليوم الخميس، من الأمانة العامة لمجلس النواب إبلاغ نسخة عن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل لكل النواب للاطلاع بعد إقراره في مجلس الوزراء، في حين لم يُعمم بعد الجانب اللبناني الصيغة النهائية للاتفاق بشكل رسميّ.
وعلت المطالب في لبنان لإطلاع الرأي العام على تفاصيل اتفاق ترسيم الحدود البحرية، ومناقشته في مجلس النواب قبل الموافقة عليه، في ظل مخاوف تسود في الشارع اللبناني كما وعند النواب المعارضين للمنظومة الحاكمة من صفقة تطيح بالحقوق اللبنانية البحرية والنفطية، ولا سيما بعد تنازل المفاوضين اللبنانيين السياسيين عن الخط 29 الذي حرم لبنان من مساحات إضافية بحرية وتالياً مليارات من الدولارات، خصوصاً أنه كان سيمنحه جزءاً من حقل كاريش في حين أنّ حقل قانا الذي طالب به وحاز عليه هو حقلٌ محتملٌ وقد يكون فارغاً أو بأرباح أقل.
وطالب تكتل "النواب التغييريون"، اليوم الخميس، رئيس البرلمان نبيه بري بالدعوة لعقد جلسة طارئة للمجلس النيابي في موضوع ترسيم الحدود تبعاً لما تقتضيه المادة 52 من الدستور اللبناني، وسائر المواد الدستورية والقانونية والمعاهدات الدولية، واتفاقية الهدنة التي ترعى الحدود الدولية المعترف بها دولياً، وتمكين بالتالي النواب من اتخاذ الموقف المناسب حياله كشرط جوهري لإبرامه.
وتنص المادة المذكورة على أنّ "المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب".
واستند النواب التغييريون في طلبهم بداية إلى "اتفاقية الهدنة المعقودة بين لبنان والكيان الإسرائيلي عام 1949، التي أقرّت بناءً لقرار من مجلس الأمن سنداً لأحكام المادة 40 من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة".
وقد نصّت الاتفاقية في مادتها الخامسة، بصورة صريحة على أنّ حدود لبنان هي حدوده الدولية استناداً للاتفاقية الدولية "بوليه -نيوكومب" سنة 1923، بين فرنسا وبريطانيا، خاصة وأنّ الترسيم للحدود تمّ في شهر مارس/آذار من العام 1949 وأُرسلت إحداثياته إلى الأمم المتحدة بحيث أصبح التعريف الرسمي لهذه الحدود هوذ الحدود الدولية المعترف بها دولياً.
كما استند الطلب إلى انضمام لبنان إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي تشير إلى أن الترسيم البحري له مرتكزات قانونية ومعايير تقنية يتوجب اعتمادها لا سيما لجهة الربط بين الترسيم البحري والبري، ولما كانت اتفاقية فيينا الدولية التي تتعلق بالمعاهدات الدولية والاتفاقيات الدولية تشير إلى أن الاتفاقيات والمعاهدات يمكن أن تأخذ أشكالاً قانونية عدة.
كذلك، استند الطلب إلى أنّ مواد دستورية تنص على عدم جواز التخلي عن أحد أقسام الأراضي اللبنانية أو التنازل عنها، وإلى كون المفاوضات التي أجراها رئيس البلاد مسندة إلى أحكام المادة 52 من الدستور والتي تنصّ على أن رئيس الجمهورية يتولى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء، وبأن المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة وتلك التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، لا يملك حق إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب.
وفي وقت يقول النواب بكتابهم إلى بري إنه باستخدام الحكومة المنطق نفسه بأنها في مرحلة تصريف الأعمال ولا يجوز أو يحق لها أن توافق على ما قد يعرض عليها، يبقى عليها وجوباً أن تطلع مجلس النواب على مضمون ما هو معروض عليها بموضوع الاتفاق، خاصة أن الاتفاق المنوي إبرامه يتناول سيادة لبنان وثرواته الطبيعية من غاز وبترول.
وأسقط النواب التغييريون الذرائع بأنّ هذه الاتفاقية ليست سوى مراسلة عادية من قبل السلطة اللبنانية إلى الأمم المتحدة، خصوصاً أنه لا يمكن أن تكون المادة 52 أساساً لتولي الرئيس ميشال عون هذه المفاوضات في حين عندما تفضي إلى اتفاق يصبح الأمر خارج نطاق المادة المذكورة، مشددين على أنّ السير بالاتفاقية من دون مراعاة المادة المذكورة يشكّل مخالفة دستورية وقانونية واضحة، لها ولأحكام قانون البحار.
وأشارت المحامية جوديت التيني إلى أنّ "الأصل ووفقاً للقانون الدولي العام أن يتم عقد المعاهدات والاتفاقات الدولية وفقاً للقواعد الدستورية في كل دولة. هذا يعني أنّ على لبنان أن يحترم المادة 52 من الدستور اللبناني والتي استناداً لها على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل أن يكون معاهدة دولية تخضع للإبرام والتصديق من رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، وبعد موافقة مجلس الوزراء بالثلثين".
وأوضحت، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "على هذه المعاهدة أن تخضع لموافقة مجلس النواب من خلال إقراره لقانون بإجازة إبرام المعاهدة، لأنّ معاهدة الترسيم من عداد المعاهدات التي تتعلق بمالية الدولة والتي لا يمكن فسخها سنة فسنة كما المعاهدات التجارية التي لا بد لها من أن تحظى بموافقة مجلس النواب لإبرامها".
ولفتت إلى أنّ "هذا الاتفاق سيكون ملزماً للطرفين وينبغي أن يطبقاه بحسن نيّة ولا يمكن عملاً باتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 أن تتملّص أي دولة من تطبيقه ولا أن تحتج بأحكام قانونها الداخلي لعدم تطبيقه".
وأردفت: "أما عدم إبرام لبنان لهذا الاتفاق على شكل معاهدة دولية كما تقتضيه المادة 52 من الدستور اللبناني، فلا يمكن التذرع بهذه المخالفة كسبب لبطلان الاتفاق في مرحلة تنفيذه لأنّ الاحتجاج بالبطلان هنا يعود للدولة التي وُضعت القاعدة الدستورية أي المادة المذكورة، في مصلحتها، وتالياً، يعود للدولة اللبنانية ذلك دون سواها".