لبنان: العين على موقع بري ونائبه وسط تعويل على مفاجآت شبه مستحيلة

20 مايو 2022
رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (حسين بيضون)
+ الخط -

على وقع محاولة الأحزاب التقليدية في لبنان استمالة نواب مستقلّين للانضواء ضمن تكتلاتهم النيابية بهدف تكبير حجمها وتقوية دورها ونفوذها داخل البرلمان، تظهر للمرة الأولى في تاريخ البلاد معالم صراع على مستوى رئاسة مجلس النواب التي يتربَّع على عرشها نبيه بري منذ ثلاثةِ عقودٍ، ما يجعل المواطنين يترقّبون نتائجه الغامضة ويتخيّلون المجلس من دون أبرز أقطابه، رغم أن ذلك أقرب إلى المستحيل، لكنهم يعوِّلون على المفاجآت غير المتوقعة التي تتوالى بدءاً بـ"اعتكاف" رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري، فنتائج الانتخابات النيابية أقصت شخصيات سياسية وازنة وأخرجتها من الساحة التشريعية وسحبت بساط الأكثرية من حزب الله وحلفائه.

وتنتهي يوم السبت ولاية مجلس النواب، لتعتبر من بعده حكومة نجيب ميقاتي مستقيلة، على أن تبدأ الأحد المهلة المعطاة للمجلس النيابي المنتخب للاجتماع خلال 15 يوما لانتخاب هيئة مكتب المجلس المؤلفة من رئيس ونائب رئيس وأميني سرّ وثلاثة مفوضين، وهو استحقاقٌ يسوده الغموض هذه المرّة في ظل غياب الأكثرية الواضحة، مع الإشارة إلى أن بري كان قد انتخب عام 2018 لولاية سادسة بـ98 صوتاً و29 ورقة بيضاء وواحدة ملغاة، فيما انتخب إيلي فرزلي نائباً له بثمانين صوتاً، في مشهد كان متوقعا سلفاً بفعل التسوية السياسية التي تلاها تعيين سعد الحريري رئيساً للحكومة.

اليوم، وقد خلطت نتائج انتخابات 2022 الأوراق والأحجام وأدخلت تلاوين جديدة إلى البرلمان، باتت شهية بعض الأحزاب والشخصيات المعارضة مفتوحة لإسقاط بري، مستغلين وجود عددٍ مهمّ من النواب المستقلّين والتغييريين قادر على تحقيق هدفٍ دائماً ما يعجزون عن الوصول إليه، وعلى رأسهم حزب "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع الذي يرفض منح صوته لبري، ويحاول التواصل مع نواب جدد، بحسب المعلومات، لتوسيع جبهة المواجهة.

في المقابل، يحاول "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل (صهر الرئيس ميشال عون)، استعادة بعضٍ من نفوذه بعد خسارة يرفض الاعتراف بها شعبياً وبرلمانياً، وعينه اليوم على موقع نائب رئيس مجلس النواب، بعد سقوط مدوٍّ لنائب بري السّابق إيلي فرزلي في الانتخابات، إذ يريد باسيل انتزاع هذا المقعد الذي يعود للطائفة الأرثوذكسية، ولم يحسم قراره بعد بين النائبين جورج عطالله وإلياس بوصعب، في وقتٍ بدأت تفوح فيه رائحة صفقة محتملة بين باسيل وبري عرّابها "حزب الله" على مقعدَيْ الرئاسة والنيابة، وهو ما ينفيه نائب التيار إدغار طرابلسي في حديث لـ"العربي الجديد"، ويؤكد أنهم في التيار لم يختاروا مرشحاً بعد وأنهم "مع اللعبة الديمقراطية"، رافضاً الإفصاح عن المزيد قبل اجتماع الكتلة.

"النواب التغييريون" الذين أتوا من رحم انتفاضة 17 أكتوبر يرفضون التصويت لبري

في هذا السياق، تبرز جولة منافسة ثانية بين الغريمين: التيار، والقوات، الذي يريد منصب نائب الرئيس للنائب غسان حاصباني كما يتردّد، بعدما كان في الدورة الماضية قد رشّح النائب السابق أنيس نصار الذي خسر أمام فرزلي، علماً أن القوات لم يحسم خياره، وبحسب المعلومات قد يختار شخصية أخرى ولو كانت من خارج حزبه لدعمها في حال كانت تضمن الفوز على مرشح التيار.

ويؤكد النائب في "القوات اللبنانية" شوقي الدكاش، لـ"العربي الجديد"، أن "الحزب لن ينتخب بري لرئاسة مجلس النواب، فهو لا يتمتع بالمواصفات المطلوبة".

ويشير إلى أنه "لا مرشح لنا حتى الآن وسننتظر الفرقاء من المعارضة للتفاهم"، لافتاً إلى أن "هناك تواصلاً يحدث مع الكثير من النواب، والنية موجودة لأجل التواصل مع النواب التغييريين، فنحن نريد أن يحصل التغيير على مستوى الوطن وتغيير الممارسة في مجلس النواب ككل".

أما على صعيد الحزب التقدمي الاشتراكي الذي فاز بتسعة مقاعد نيابية ودائماً ما يلعب دور بيضة القبّان، فغالباً ما يميل إلى حليفه الاستثنائي بري، ويكتفي النائب في الحزب هادي أبو الحسن بالقول، لـ"العربي الجديد"، إن "على المسألة أن تأخذ بعدها الديمقراطي الطبيعي. سننتظر المرشح ليُبنى على الشيء مقتضاه، ويجب تطبيق الأصول من دون فذلكات وهرطقات وإلا سندخل بمشاكل نحن بغنى عنها"، لافتاً إلى أنه سيعقد اجتماع يتطرق فيه أعضاء كتلته إلى كل هذه المواضيع.

من جهته، يقول مصدر قيادي في "حزب الله"، لـ"العربي الجديد"، إنّ "البلد لا يحتمل أي صراع جديد، فالرئيس بري مرشحنا الدائم لرئاسة مجلس النواب، والحزب مع حليفه حركة أمل استطاعا أن يحوزا على كل المقاعد الشيعية في البرلمان وعددها 27 مقعداً، وأي طرح خارج بري يفتح الباب أمام إشكالات على باقي مواقع القرار الموزَّعة طائفياً"، معتبراً أن "رمي هذه القنابل الصوتية يندرج في إطار المعركة التي بدأت قبل الانتخابات لضرب حزب الله بالدرجة الأولى وحلفائه وإقصائهم، علماً أننا بعكس باقي الفرقاء نريد التعاون مع الجميع للخروج من الأزمة الراهنة".

أما الرئيس بري، فعلق على الأخبار التي تنتشر ووصلت إلى حد طرح اسم النائبة في حركة أمل عناية عز الدين لخلافته، والبعض طرح حتى التصويت لنائب غير شيعي، قائلًا، في حديث لصحيفة "الجمهورية" المحلية: "المجلس النيابي سيّد نفسه وعلينا جميعاً احترام إرادة الهيئة العامة التي ستتولى انتخاب رئيس المجلس". وعن ترشيح شخصية غير شيعية بدلاً منه، قال بري: "معنى ذلك المباشرة في تطبيق إلغاء الطائفية، وهذا ما أنادي به منذ فترة طويلة، ولذلك لا يستفزني الأمر".

وفيما يرفض حزب الكتائب اللبنانية برئاسة النائب سامي الجميل التصويت لبري، هناك انقسام على صعيد الشخصيات السياسية التقليدية والتي كانت ترتدي في السابق عباءة حزبية، أما "النواب التغييريون" الذين أتوا من رحم انتفاضة 17 أكتوبر فهم يرفضون التصويت له.

ويؤكد النائب عن طرابلس، شمال لبنان، رامي فنج، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنه "كوننا تغييريين يعني أننا نرفض إعادة إنتاج السلطة الفاسدة التي أدت إلى انهيار البلد اقتصادياً واجتماعياً ومالياً ونقدياً، ولن ننتخب أي من المنظومة لرئاسة مجلس النواب أو نيابتها".

ويستبعد الباحث الاجتماعي خالد الحج أن تتولى شخصية أخرى غير بري رئاسة مجلس النواب، خصوصاً أن المعارضين لم يتمكنوا من إحداث أي خرق على مستوى المقاعد الشيعية، وبالتالي فإن كل الشيعة المنتخبين هم تابعون لحزب الله وحركة أمل، ومن الصعب أن يقبل أحد منهم لعب دور بري أو أخذ مكانه أو إدارة المجلس، ولا سيما في ظل الانقسام الحاد الموجود بالبلد والمرحلة الدقيقة التي تنتظر لبنان.

ويقول الحج، لـ"العربي الجديد"، إنه "بغض النظر عن الممارسات السياسية، فإن بري هو أحد الآباء الروحيين للسلطة والمؤسسين لها ووصوله إلى عالم السياسة تم خلال الحرب الأهلية (1975 – 1990)، وإلى مجلس النواب بالتزامن مع انتهاء الحرب ودخول اتفاق الطائف حيز التنفيذ".

عطفاً على ذلك، يقول الحج، "لا يمكن إحداث خرق كهذا في المنظومة الحاكمة التي بري هو جزء منها، خصوصاً مجلس النواب، الذي استطاع في الكثير من الفترات إقفاله وفرض قوانين لصالحه أو سحبها في مراحل دقيقة كانت تمر بها البلاد، كما استطاع تمرير استحقاقات كثيرة، منها انتخابات رئاسة الجمهورية، من هنا من الصعب جداً أن يصار إلى تمثيل الطائفة بغير بري أو أن تقبل هي بممثل آخر لها".

وبغض النظر عن مبدأ المحاصصة والتسويات والاجتهادات، فإن المادة 44 من الدستور تنص على أنه "ينتخب المجلس أولاً ولمدة ولايته الرئيس ونائب الرئيس كلّاً منهما على حدة بالاقتراع السرّي وبالغالبية المطلقة من أصوات المقترعين، وإذا لم تتوفر هذه الغالبية في هذه الدورة وفي دورة ثانية تعقبها، تجري دورة اقتراع ثالثة يُكتفى فيها بالغالبية النسبية، وإذا تساوت الأصوات فالأكبر سناً يعتبر منتخباً"، وهو في هذه الحالة نبيه بري.

المساهمون