أعلن رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري، اليوم الثلاثاء، أنه قرّر مساعدة رئيس الوزراء اللبناني المكلف مصطفى أديب على إيجاد مخرج لتشكيل الحكومة بتسمية وزير مالية مستقلّ من الطائفة الشيعية يختاره هو، شأنه شأن الوزراء "على قاعدة الكفاءة والنزاهة وعدم الانتماء الحزبي".
وتعد خطوة الحريري بمثابة تنازل عن شرط المداورة في الحقائب الوزارية، بعدما رفض سابقاً حصر وزارة بطائفة أو حزب، علماً أن الثنائي الشيعي (حركة أمل بزعامة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وحزب الله)، يصران ليس فقط على وزير المال بل على تسمية وزراء الطائفة الشيعية، ما يطرح علامات استفهام حول إقدام الثنائي على ملاقاة الحريري في تنازله والتخلي عن شرطهما.
وأشار مصدرٌ مطلع على أجواء المشاورات الأخيرة بين بري والحريري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن بري قد يلاقي مبادرة الحريري كي لا يظهر بشكل المعرقل الوحيد لمبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خصوصاً أن الرئيس اللبناني ميشال عون وافق بدوره على المداورة وتخلى عن منطق التمسك بوزارة الطاقة، نتيجة المخاطر التي تحدق بلبنان في ظل عدم استقرار أمني وليس فقط اقتصادي.
ولا يرجح أن يتعارض موقف "حزب الله" مع موقف بري، نظراً إلى وضعه الحساس إزاء العقوبات الأميركية والأعين المفتوحة عليه، وأخيراً الانفجار الذي وقع اليوم في معقله في عين قانا الجنوبية، وقبلها ربط الانفجار في مرفأ بيروت بمواد "نترات الأمونيوم" التي اتهم بتخزينها.
وشدد الحريري، في بيان له، على أن قراره هذا لا يعني في أي حال من الأحوال اعترافاً بحصر وزارة المالية بالطائفة الشيعية أو بأي طائفة من الطوائف.
وقال "يجب أن يكون واضحاً أن هذا القرار هو لمرة واحدة ولا يشكل عرفاً يبنى عليه لتشكيل حكومات في المستقبل، بل هو مشروط بتسهيل تشكيل حكومة الرئيس أديب بالمعايير المتفق عليها، وتسهيل عملها الإصلاحي، من أجل كبح انهيار لبنان ثم إنقاذه وإنقاذ اللبنانيين".
وأشار رئيس الحكومة السابق إلى أن "لبنان ومعيشة اللبنانيين وكرامتهم تبقى أكبر من الصراعات الطائفية والسياسية، وهي تستأهل تحييد فرصة إنقاذ لبنان عن الخلافات مهما كبرت"، موضحا أنه "بهذه الخطوة، تصبح المسؤولية على عاتق الممانعين لتشكيل الحكومة. فإذا استجابوا وسهلوا ربحنا لبنان وربح اللبنانيون، وإذا تابعوا عرقلتهم يتحملون مسؤولية ضياع فرصة لبنان لوقف الانهيار وإنقاذ اللبنانيين من مآسيهم الحالية والمرشحة للتزايد لا سمح الله".
وأعلن الحريري أنه "مرة جديدة أتخذ قراراً بتجرع السم، وهو قرار أتخذه منفرداً بمعزل عن موقف رؤساء الحكومات السابقين، مع علمي المسبق أن هذا القرار قد يصفه البعض بأنه بمثابة انتحار سياسي، لكنني أتخذه من أجل اللبنانيين، واثقاً من أنه يمثل قراراً لا بديل عنه لمحاولة إنقاذ آخر فرصة لوقف الانهيار المريع ومنع سقوط لبنان في المجهول".
أبرز ما جاء في بيان صادر عن الرئيس #سعد_الحريري حول آخر مستجدات تشكيل #الحكومة pic.twitter.com/L5cSL93Fxn
— Saad Hariri (@saadhariri) September 22, 2020
وأخرت عقدة وزارة المالية، التي يتمسك بها الثنائي الشيعي، تشكيل أديب للحكومة، وأدت إلى تمديد المهلة الزمنية التي وضعتها فرنسا، أي 15 يوماً، ضمن المبادرة التي أعلن عنها ماكرون خلال زيارته إلى لبنان مطلع سبتمبر/ أيلول للمساعدة في إعادة إعمار بيروت، ومساعدة البلاد على تخطي أزمة اقتصادية حادة، وهو الأمر الذي أكده الرئيس اللبناني أيضاً بقوله، أمس، إن عدم تشكيل حكومة في الظرف الراهن يذهب بلبنان إلى الجحيم.
وعزا الحريري قراره لأسباب عدة، أبرزها خطر فقدان لبنان لآخر المكابح أمام انهياره، مع ما يعنيه ذلك من خطر اندلاع فوضى سياسية واقتصادية ومعيشية وأمنية مع الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار، ومعه ارتفاع في التضخم، وأسعار الخبز والمحروقات، وبداية فقدان الأدوية من الأسواق بالتزامن مع تطور خطير في عدد الإصابات بجائحة كورونا. وأضاف أنه وبعد مرور أكثر من أسبوعين، بات واضحا أن عرقلة تشكيل الحكومة تهدد بالقضاء على فرصة تحقيق الإصلاحات التي يطالب بها جميع اللبنانيين، والتي تمثل شرطاً لفتح الطريق أمام دعوة الرئيس ماكرون لمؤتمر دولي لدعم لبنان في نهاية الشهر المقبل، وبالتالي على المبادرة الفرنسية برمتها.
ولفت الحريري إلى أن أديب قطع فعلاً شوطاً أساسياً في الوصول إلى صيغة حكومية مصغرة ومتكاملة تلتزم المعايير المتفق عليها، إلى أن برزت عقبة مباغتة تمثلت بمطالبة "حركة أمل" و"حزب الله" بتسميتهما للوزراء الشيعة، وحصر حقيبة المالية بمن يسمونه من الطائفة الشيعية، انطلاقا من زعم أن هذا الطلب هو حق دستوري منبثق من اتفاق الطائف، بينما هو بدعة لا وجود لها لا في الدستور ولا في الطائف، على حد تعبيره.
ولم يتأخر ردّ رؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام على خطوة الحريري، مشددين على أنها مبادرة شخصية.
وقال الرؤساء السابقون، في بيان، إن "الدستور اللبناني شديد الوضوح في أنه ليس هناك من حقيبة وزارية يمكن أن تكون حكراً أو حقاً حصرياً على وزراء ممن ينتمون إلى طائفة أو مذهب معين بعينه، كما أنه لا شيء يحول، وحسب الدستور، دون أن يتولى أي لبناني، وإلى أي فئة طائفية أو مذهبية ينتمي إليها، أي حقيبة وزارية في لبنان". وأعلنوا "أنه وبعد الضجة المفتعلة التي أثيرت بشأن حقيبة وزارة المالية، فإننا نعتبر أنفسنا غير ملزمين بهذه المبادرة".
وأكدوا على أنه "تبقى القضية الأساس بالنسبة لنا، كما هي بالنسبة لسائر اللبنانيين، في أهمية الالتزام بالاحترام الكامل والثبات على مبدأ الحفاظ على الدستور وصونه من أي مخالفة قد يتخذها البعض، خطوة باتجاه إرساء ممارسة أو عرف مخالف لنص الدستور".
وكان عون قد خرق من جهته مشهد الجمود بالاقتراح الذي تقدّم به أمس، الإثنين، للقيام بالخطوة الأولى في اتجاه مدنية الدولة، عبر إلغاء التوزيع الطائفي للوزارات التي سميت بـ"السيادية"، وعدم تخصيصها لطوائف محددة، بل جعلها متاحة لكل الطوائف، ورفع سقف الموقف تجاه "الثنائي الشيعي"، ومن ضمنهم حليفه الأساسي "حزب الله"، لكنه أكد في المقابل أنّ تفاهم مار مخايل لم ينته، ولكن هذا لا يمنع أن يبديَ كلّ فريق رأيه عندما لا يكون هناك تفاهم حول موضوع ما.
باريس.. للتوصل "بدون تأخير" إلى اتفاق على تشكيل حكومة
ودعت فرنسا، الثلاثاء، المسؤولين السياسيين اللبنانيين للتوصّل "بدون تأخير" إلى اتّفاق على تشكيل حكومة لإخراج البلاد من أزمتها. وجاء، في بيان لوزارة الخارجية الفرنسية "تأسف فرنسا، في هذا الإطار، لعدم وفاء المسؤولين اللبنانيين إلى حدّ الآن بالتعهّدات التي قطعوها في الأول من سبتمبر/ أيلول" للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته إلى لبنان بتشكيل الحكومة في غضون أسبوعين.
وتابع البيان "ندعو إلى التوصّل بدون تأخير لاتّفاق على تشكيل مصطفى أديب حكومة مهمّةٍ تطبّق الإصلاحات اللازمة". وأضاف "يتعيّن على القوى السياسية اللبنانية أن تختار بين الإصلاح وانهيار البلاد. إنّها مسؤولية كبيرة تجاه اللبنانيين".