يستمرّ الحراك الدبلوماسي على مستوى سفراء اللجنة الخماسية المعنيّة بالملف اللبناني لإيجاد صيغة اتفاقٍ بين القوى الفاعلة تساعد على تجاوز حالة الشلل السياسي وتنهي الشغور الرئاسي، في ظلّ انسداد الأفق داخلياً وارتفاع المخاوف من اندلاع حرب شاملة في لبنان.
وبرز، في هذا الإطار، الاجتماع الذي عقده، اليوم الثلاثاء، رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري في مقرّه في عين التينة – بيروت مع سفراء اللجنة الخماسية، التي تضمّ، قطر والولايات المتحدة ومصر وفرنسا والسعودية، والذي استمرّ زهاء الساعة، وجرى خلاله عرض لآخر المستجدات ولا سيما الاستحقاق الرئاسي.
واكتفى بري بالقول بعد اللقاء إن "الموقف كان موحّداً والاجتماع مفيدٌ وواعدٌ".
من جهته، صرح السفير المصري علاء موسى بأن موقف اللجنة الخماسية موحّدٌ، في حين لوّح السفير الفرنسي هيرفي ماغرو أثناء مغادرته عين التينة باحتمال انعقاد لقاءٍ قريبٍ مع المسؤولين السياسيين في لبنان.
محاولة تقريب المسافات
وقال مصدرٌ مقرّبٌ من بري لـ"العربي الجديد"، إنّ "اللقاء تناول بالدرجة الأولى الاستحقاق الرئاسي، والاجتماع الذي سبق أن عقده السفراء الخمسة في دارة السفير السعودي قبل أيامٍ في منطقة اليرزة، والموقف الموحّد من ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقتٍ ممكنٍ، في ظلّ الحاجة الملحّة إليه لإعادة الاستقرار السياسي كما الأمني والاقتصادي إلى البلاد".
وأشار المصدر إلى أن "السفراء شددوا على أنهم سيقومون بدورٍ مساعدٍ لإنهاء الأزمة الرئاسية، بيد أنّ المكونات السياسية يجب أن تتعاون في ما بينها لانتخاب رئيس يحقق طموحات الشعب اللبناني، فهذا شأنٌ لبنانيٌّ داخليٌّ، ويستوجب تغليب المصلحة الوطنية العليا، وتجاوز الخلافات، خصوصاً في ظلّ المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها البلد أمنياً ربطاً بالمواجهات التي تشهدها الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة".
ولفت المصدر إلى أن "السفراء شددوا أيضاً على أنهم لن يدخلوا في لعبة الأسماء أو يدعموا مرشحاً على آخر، فهذا شأنٌ لبنانيٌّ، ودورهم سيقتصر على محاولة تقريب المسافات، لانتخاب رئيس للجمهورية يتمتع بالمواصفات المطلوبة التي ترضي الشعب اللبناني، وتقوي العلاقات اللبنانية مع الخارج، وتشكيل حكومة جديدة تقوم بالإصلاحات المطلوبة لإعادة العجلة الاقتصادية والخروج تدريجياً من الانهيار النقدي".
وأشار المصدر إلى أنه "حتى الساعة، لم نبلغ بعد بموعد لزيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، والتي قد تكون مرتبطة بأجواء اللقاءات التي ستُعقد على مستوى الدول الخمس".
ارتباط ملف الرئاسة بالتطورات الإقليمية
ولا يزال التوافق السياسي الداخلي غائباً عن المشهد اللبناني في ظلّ استمرار تمسّك "حزب الله" وحلفه السياسي برئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، كمرشح لرئاسة الجمهورية، بينما يرفض الفريق المعارض السير به، ويؤكد استمرار تقاطعه على الوزير السابق، جهاد أزعور، لكنه يبدي في المقابل، استعداده للسير بمرشحٍ ثالثٍ، خصوصاً أن أياً من المرشحَيْن، لم يتمكن من نيل الأصوات النيابية المطلوبة لانتخابه رئيساً على مرّ الجلسات السابقة. (غالبية الثلثين، أي 86 صوتاً من أصل 128 نائباً في الدورة الأولى).
ويرى محللون سياسيون في لبنان أن ملف الرئاسة رغم محاولة فصله عن المشهد الأمني في الجنوب، المنشغل به "حزب الله"، أصبح مرتبطاً حكماً بالتطورات الإقليمية، ومرحلة ما بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، ويعتبرون أنه بات متصلاً بالعديد من الملفات، خصوصاً على مستوى ترسيم الحدود البرية، ما يعني أن انتخاب الرئيس لن يكون إلا في إطار تسوية شاملة، تطاول أيضاً رئاسة الحكومة ومواصفاتها.
كذلك، يستبعد محللون سياسيون أن يُحل الملف الرئاسي قبل انتهاء الحرب على غزة، خصوصاً بعدما ربط لبنان رسمياً عبر موقف عبّر عنه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي جبهة الجنوب بغزة.
وأخفق البرلمان اللبناني على مدى 12 جلسة، آخرها في 14 يونيو/حزيران الماضي، بانتخاب رئيس للجمهورية، وملء المنصب الأول في البلاد، الشاغر منذ انتهاء ولاية ميشال عون، في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022، في حين لم تفلح الجهود الدبلوماسية حتى الساعة بالمساعدة على حلّ الأزمة، علماً أنها جُمّدت لفترة قبل استئنافها اليوم، بفعل تطورات العدوان على غزة، والجنوب اللبناني.
ورفع بري الجلسة الأخيرة بعد فقدان نصاب الدورة الثانية، أي حضور 86 نائباً، مع انسحاب النواب المحسوبين على حلفه السياسي من القاعة، بعد تقدّم أزعور بالأصوات على فرنجية في الدورة الأولى، من دون تعيين موعدٍ لجلسة جديدة، مشترطاً الحوار الاستباقي قبل الدعوة إلى الجلسة رقم 13، الأمر الذي يرفضه الفريق المعارض، الذي يطالب بفتح أبواب البرلمان، وعقد دورات متتالية وفق الأطر الديمقراطية، حتى انتخاب رئيس.