لم تؤثر تهديدات النزلاء في سجن رومية المركزي أكبر سجون لبنان بشنق أنفسهم في حال عدم إقرار قانون العفو العام، على حصول أية حلحلة في الملف أو تقدّم على صعيد التوصل لصيغة مشتركة بين الكتل النيابية، فكان مصيره مرّة جديدة الإرجاء لما بعد منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول، رغم إقفال أهالي السجناء الطرقات في إطار الخطوات التصعيدية، غداة تسجيل أكثر من 500 إصابة بفيروس كورونا في صفوف أبنائهم من ضمن الموقوفين.
فيديو خطير الآن من داخل سجن رومية مبنى المحكومين pic.twitter.com/pq1VATuSNT
— Sarazaidnour🇱🇧 (@Sarazaidnour) September 30, 2020
وبعد جلسة تشريعية عقدت صباح اليوم الأربعاء، في قصر الأونسكو، أقرَّ فيها البرلمان عدداً من مشروعات القوانين ومقترحاتها المدرجة على جدول أعمال مؤلف من 40 بنداً، أضيف إليه، بند الدولار الطالبي الذي أقرّه البرلمان اللبناني، وبند إعادة إعمار بيروت؛ رفع رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة المسائية لعدم اكتمال النصاب، إلى 20 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بما فيها البند الثاني الوارد على الجدول لدراسة اقتراح القانون الرامي إلى منح العفو العام.
وأشار الرئيس بري، إلى أنّ اقتراح العفو يمكن تعديله وإعادة البحث فيه، لكنه يخشى الوصول إلى 900 حالة فيروس كورونا في السجون، من دون امتلاك القدرة على معالجة المصابين.
وكانت الجلسة التي دعا إليها بري قد انطلقت صباح اليوم بعد اكتمال النصاب القانوني، بالوقوف دقيقة صمت عن روح أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح.
وقبيل الجلسة، عقدت مشاورات مع رئيس البرلمان تهدف إلى عدم طرح قانون العفو العام كبندٍ ثانٍ على جدول الأعمال، ولا سيما مع "تكتل لبنان القوي" برئاسة النائب جبران باسيل، الذي لوّح بالانسحاب من الجلسة في حال طرح القانون، والذي تلقّى في الوقت نفسه التزاماً من الرئيس بري بوضع القوانين المتصلة بإعادة إعمار بيروت على الجدول إضافة إلى ملف "الدولار الطالبي".
وخلال الجلسة التي تزامنت مع اعتصام نفذه أهالي الموقوفين في السجون في محيط قصر الأونيسكو، للضغط باتجاه إقرار قانون العفو العام، وتلويحهم بالتصعيد مع أولادهم السجناء في حال عدم إقراره، أرجأ رئيس مجلس النواب، الاقتراح إلى جلسة ما بعد الظهر وشكّل لجنة تضم ممثلين عن مختلف الكتل النيابية والأحزاب السياسية، بهدف إيجاد صيغة توافقية بخصوص القانون، تلبيةً للحاجة الملحة، ولما للموضوع من حساسية لدى الأطراف كلها، في ظلّ اعتراض أكبر كتلتين مسيحيتين في البرلمان عليه، وحرص بري على تكريس "الميثاقية".
وأعلن "تكتل الجمهورية القوية"، (يمثل حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع في البرلمان)، مقاطعة الجلستين التشريعيتين اليوم وغداً الخميس.
وقال، في بيان، إنّ "الأهمية القصوى في الوقت الحاضر ليست للتلهي باجتراح تشريعات، وهي كثيرة لدينا، ولم يطبّق منها شيء، إنما للدفع باتجاه انتخابات نيابية مبكرة بأسرع وقتٍ ممكن، أو لتشكيل حكومة إنقاذ مختلفة عن سابقاتها، لاتخاذ الخطوات الإصلاحية المطلوبة في أسرع وقت ممكن، بما يجنب لبنان الانزلاق نحو قعر الهاوية، والتحضير لانتخابات مبكرة".
من جهته، قال عضو "تكتل لبنان القوي" النائب زياد أسود، إنّ "العفو هو فرصة حياة جديدة بعد توبة، بينما في لبنان هو غطاءٌ وهدية لارتكاب الجريمة وتكرارها وباب من أبواب الولاء السياسي، ومن يريد العفو يبيع ويشتري من دون مراعاة لدم الناس والخطر من وراء 2200 تاجر مخدرات وإرهاب وجنايات على الأبرياء، أما نحن فنريد حماية المستقبل. افعلوها لوحدكم اليوم".
تستمرّ الخلافات والسجالات الحادّة بين الكتل النيابية في كلّ مرّة يُصار فيها إلى طرح ملف العفو العام
وعشية انعقاد الجلسة، أوضحت رئيسة "كتلة المستقبل" النيابية النائبة بهية الحريري، أنّ "الكتلة لن تسير بمسودة قانون العفو بالصيغة المطروحة اليوم، كونها لا تحقق مطلب الكتلة، ومطالب الأهالي برفع المظلومية والإجحاف الذي لحق بعددٍ كبيرٍ من الموقوفين".
وأكدت الحريري إصرار الكتلة وتمسّكها بأن يلحظ قانون العفو بند تخفيض العقوبات بالصيغة التي قدّمت. علماً أنّ ثمة خلافات كبيرة حول هذا البند، باعتباره بالنسبة إلى بعض القوى السياسية بمثابة عفو عام مقنّع من شأنه أن يطلق سراح موقوفين يفترض أنهم مستثنون من قانون العفو العام.
وأشار في هذا الإطار، عضو "تكتل الجمهورية القوية" النائب جورج عقيص، لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ "الأخطر أن بعض الأطراف، يقولون من جهة إنهم لن يعفوا عن قتلة الجيش ومرتكبي الجرائم المالية والفساد وغير ذلك، ومن ناحية ثانية، يتحدثون عن تخفيض مدة العقوبات، علماً أنّ هذا البحث خطير جداً، في وقتٍ نحن ننادي بتضييق حالات العفو، الأمر الذي يؤكد وجود نية لإفادة العدد الأكبر من السجناء والموقوفين، إما بعفو عام صريح، أو بتخفيض العقوبة، ما يعني عفواً مقنعاً".
وأوضح أن "لبّ الموضوع، هو أنّ جهات سياسية مُحرَجة تجاه جمهور عريض خذلته في تحقيق وعدها الانتخابي، وهي تأتي اليوم برشوة سياسية بإقرار قانون العفو كتعويض عن فشلها بإيفاء تعهداتها إبّان الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2018".
وتستمرّ الخلافات والسجالات الحادّة بين الكتل النيابية في كلّ مرّة يُصار فيها إلى طرح ملف العفو العام، الذي لم تتهيّأ الظروف السياسية المناسبة لإقراره وأدت إلى إرجاء البتّ به، وانتقاله من جلسة إلى أخرى لفترة طويلة من الزمن، قبل أن يُطرحَ اليوم.
ويأتي ذلك في ظلّ عدم تسجيل أي تقدّم في النقاشات مع تمسّك كل طرف سياسي بموقفه، وخصوصاً لناحية النقاط العالقة "طائفياً"، والمرتبطة بتجار المخدرات وعددهم يفوق الألفين، والموقوفين الإسلاميين (عددهم 850، 120 من بينهم محكومون بالمؤبد والإعدام)، والمتهمين بمعظمهم بقضايا إرهاب واعتداء على الجيش، واللبنانيين المبعدين إلى فلسطين المحتلة إبان التحرير عام 2000، ويصل عددهم إلى 5 آلاف تقريباً، وهو الملف الذي تدعمه القوى السياسية المسيحية.
ويؤكد مصدرٌ مطّلع على المشاورات بشأن قانون العفو العام، لـ "العربي الجديد"، أنّ القوى السياسية، كانت قد توصّلت إلى صيغة مشتركة في ما بينها، ترضي الجميع، تشمل السير بالمراسيم التطبيقية للقانون 2011/194، الذي يتحدث عن "أوضاع اللبنانيين الذين لجؤوا إلى إسرائيل"، لكن بالصيغة التنفيذية، أي في مجلس الوزراء. وتقضي الصيغة، وفق المصدر ذاته الذي رفض الإفصاح عن هويته، بعدم ضمهم إلى قانون العفو، بهدف عدم إحراج "الثنائي الشيعي"، الذي لا يريد أن يقف بوجه القوى المسيحية وخصوصاً حليفه "التيار الوطني الحر".
تبقى الأنظار موجهة على ردة فعل السجناء الذين أعلنوا في مقاطع فيديو مسرّبة أنّهم سيتجهون إلى تصعيد لا مثيل له
ويريد "الثنائي" أن يسلك ملفه أيضاً المرتبط بقضية المخدرات طريق الحل، بالإضافة إلى تخفيض العقوبة للنصف إرضاءً للحريري والموقوفين الإسلاميين، وإزالة شرط بلوغ سن 65 عاماً للمحكومين بالمؤبد والإعدام للاستفادة من التخفيض.
وأشار المصدر إلى أنّ هذه الصيغة انهارت بالتزامن مع اعتذار رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب، وبروز خلافات سياسية من جديد، من شأنها أن تطيح بالقانون مرّة أخرى.
وتبقى الأنظار موجهة الآن، على ردة فعل السجناء الذين اعلنوا في مقاطع فيديو مسرّبة نشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أنّهم سيتجهون إلى تصعيد لا مثيل له في حال عدم إقرار قانون العفو العام، وبدأت أولى ردود الفعل بتعليق المشانق، كتهديد وإنذار بخطوات ستترجم ميدانياً.
من جهة أخرى، أقرّ مجلس النواب في جلسته اليوم، قانون الإثراء غير المشروع من دون استثناء الوزراء أو النواب أو أي موظف عمومي، وذلك كما أعدته اللجنة الفرعية، وبالتالي اعتباره جرماً عادياً يخضع للقضاء العادي، وفق ما ذكر رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان (ينتمي الى تكتل لبنان القوي).
اقرّ قانون الاثراء غير المشروع دون استثناء الوزراء او النواب او اي موظف عمومي وذلك كما اعدته اللجنة الفرعية وبالتالي اعتباره جرم عادي يخضع للقضاء العادي كما اقترحت #لا_حصانة_لأحد
— Ibrahim Kanaan (@IbrahimKanaan) September 30, 2020
وقال كنعان، في الجلسة، إنّ "إعادة استثناء النواب والوزراء من خلال ربط محاسبتهم باعتبار جرم الإثراء غير المشروع محصناً "بالإخلال بالواجب الوظيفي" تعني أن لا محاسبة والقانون لزوم ما لا يلزم".
كما أقرّ البرلمان اقتراح القانون الرامي إلى تعديل أحكام المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، لجهة حق الموقوف بالاستعانة بمحامٍ أثناء التحقيقات الأولية، في خطوةٍ مهمّة جداً على طريق مناهضة التعذيب والترهيب وانتزاع الاعترافات بالقوة من المدعى عليهم، والتي كانت تشكّل الدليل الوحيد على إدانتهم في ظلّ وجود معوقات عدة تحول دون إثبات استخدام هذه الوسائل غير المشروعة.