لا حوار بين السلطات المصرية و"الإخوان": إغلاق المجال العام مستمر

13 سبتمبر 2021
اعتبر واضعو الاستراتيجية أنها امتداد لمبادرات السيسي خصوصاً في المجال الصحي (فرانس برس)
+ الخط -

نفت مصادر حكومية وأمنية رسمية في مصر لـ"العربي الجديد" ما تردد في بعض القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية المعارضة خلال الساعات الماضية عن إطلاق مبادرة، سرية أو علنية، للحوار مع جماعة "الإخوان المسلمين" وعودة المعارضين في الخارج من التيارات الإسلامية إلى البلاد، علماً أن عملها كان محظوراً في مصر على مدار السنوات الثماني الماضية. وذكرت تلك القنوات والمواقع أن الأمر مرتبط بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان أول من أمس السبت، والحديث الذي أدلى به رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، وتم تفسيره في بعض وسائل الإعلام بأنه موجّه لجماعة "الإخوان". وقال السيسي في معرض حديثه عن ضرورة قبول الآخر (من المنظور الديني فقط) والحرية الدينية وحرية عدم الاعتقاد في أي ديانة، إنه على استعداد لقبول أصحاب هذا الفكر (قاصداً بذلك الفكر الديني المتشدد في عدم قبول الآخر) والتعامل معهم، بشرط عدم ألا يحاولوا فرض رؤيتهم على الشعب المصري والدولة، وألّا يتقاطعوا مع المسار الذي تسلكه الدولة في دعم الحرية الدينية. إلا أن البعض خلط بين هذه العبارات التي كانت مسبوقة ومتبوعة بانتقادات مبطنة للأزهر وحديث عن أنه "لم يشأ الدخول في صدام مع هذه المؤسسة" وبين عبارة قيلت في سياق آخر تماماً عن جماعة الإخوان، التي وصفها السيسي بأنها "عنصر ينخر في عقول المصريين منذ 90 عاماً"، من دون أن يبدي أي تساهل في التعامل معهم. وأضافت المصادر أن تعامل وسائل الإعلام المعارضة من الخارج مع هذه العبارات باعتبارها تفتح باب التفاوض مع "الإخوان" بالتزامن مع الانفتاح على تركيا، "أمر يؤكد عدم إلمام بعض القيادات والإعلاميين المقيمين في الخارج بطبيعة السيسي والنظام المصري حتى اللحظة"، وأنه ماض في رفض عودة "الإخوان" بأي صورة إلى أجل غير مسمى "لارتباط هذا الأمر بالشرعية التي بنى عليها حكمه في الأساس".

السيسي: الإخوان عنصر ينخر في عقول المصريين منذ 90 عاماً

وذكرت المصادر أن هذه الرؤية المستقرة لدى السيسي ودائرته، انعكست على الصياغات الأخيرة التي خرجت بها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بعد تنقيح الأعمال التي أجرتها اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان التابعة لوزارة الخارجية على مدى ثلاثة أشهر تقريباً، وحُذفت فيها كل المبادئ والبنود التي تتضمن استجابة سريعة أو تفاعلاً مع المطالب الحقوقية والعقلانية للتعامل الإيجابي مع المعارضين في الداخل والخارج، وتم الاكتفاء فقط ببعض المبادئ الهامشية والسطحية التي لا تنعكس إيجاباً على وضع المجال العام. وكشفت المصادر أن المراجعة الأخيرة التي قامت بها لجنة أدارها مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، أسفرت عن حذف جميع المقترحات في ملفي حق التقاضي وحقوق السجناء، بما في ذلك تعديل نظام الحبس الاحتياطي، ليصبح بآجال قصيرة وتحت رقابة المحاكم من أجل منع التوسع في ظاهرة الاعتقال في إطار الحبس الاحتياطي وتدوير المعتقلين في قضايا متتالية لإبقائهم محتجزين.

واكتفت الاستراتيجية بالإشارة لتشديد شروط الحبس الاحتياطي للأطفال فقط، كما ذكرت باقتضاب "تعزيز ضمانات ضوابط ومبررات الحبس الاحتياطي"، من دون توضيح آلياتها. وكذلك تم رفض مقترح استحداث قاضٍ خاص مختلف عن النيابة العامة للنظر إلى جدية اتهاماتها لتحريك الدعاوى الجنائية، كما هو الحال في بعض الدول الغربية ومنها فرنسا وإيطاليا وألمانيا، الأمر الذي من شأنه الحد من سلطات النيابة العامة ودعم استقلالها واستقلال قاضي الاتهام. كما تم حذف مقترح ثالث بتعديل قانون الإجراءات الجنائية، للتوسع في بدائل الحبس الاحتياطي، مثل الغرامة والخدمة المجتمعية والعمل لصالح جهات حكومية من دون أجر، بالإضافة إلى التدابير الاحترازية المتعارف عليها، كالمنع من مغادرة مكان معين أو المنع من السفر.

واكتفت الاستراتيجية بإشارة مطاطة إلى "النظر في تضمين القانون المزيد من البدائل تكنولوجياً"، والمقصود بها على الأرجح، وفقاً للمصادر، استخدام وسيلة لمراقبة الشخص المحددة إقامته في محيط مكان معين. مع العلم أن الاستراتيجية قدمت أمر نظر تجديد الحبس الاحتياطي عن بعد كبند من بنود حقوق المواطن، على الرغم من أنه يستهدف في الأساس التسهيل على القاضي والسلطات الأمنية. وبحسب المصادر حُذف أيضاً مقترح رابع لتيسير الشروط القانونية للعفو عن السجناء بموجب القانون وتحت رقابة القضاء، كما هو الوضع في الأنظمة القضائية بالولايات المتحدة وألمانيا، استهدافاً لتحسين سلوك المدان في السجن وجعله يأمل دائماً في الخروج بنص القانون، وليس بناء على اختيارات الأجهزة الأمنية كما يحدث في قرارات العفو الاستثنائية الحالية. كما تغاضت اللجنة الاستخباراتية عن مقترح خامس يتضمن وضع شروط لتنفيذ أحكام الإعدام بما يحقق تعطيل معظمها في بعض أنواع القضايا، استجابة للمناشدات الحقوقية الدولية والمحلية بعدم التوسع فيها، خصوصاً بعدما عمدت السلطات إلى تنفيذ أحكام الإعدام في العشرات من المدانين في أحداث كرداسة وقضايا أخرى هذا العام.

تغاضت اللجنة الاستخباراتية عن مقترح يتضمن وضع شروط لتنفيذ أحكام الإعدام

وبحسب تقارير منظمة العفو الدولية، حلّت مصر في المركز الثالث عالمياً في تنفيذ أحكام الإعدام في عام 2020، بعد الصين وإيران. ولفتت المصادر إلى أن خروج الاستراتيجية بهذه الصورة التي تخلط بين حقوق الإنسان وبين الواجبات المترتبة على تولي الدول أدوارها الأصيلة في رعاية مصالح شعوبها، يؤكد عدم حدوث أي تغير استراتيجي في مقاربة الدولة الشاملة للمعارضة السياسية. وترتكز مقاربة السلطات على استمرار إغلاق المجال العام أمام القوى السياسية وقمع أدواتها سواء كانت بالداخل أو الخارج، مع استمرار التصعيد الأمني والقضائي والإداري ضد الأشخاص المنتمين لتلك القوى أو المعارضين لتوجهات نظام السيسي في جميع الملفات. واتخذت الدولة إطلاق الاستراتيجية فرصة للترويج الدعائي للداخل والخارج لمشاريع السيسي المختلفة والبرامج التنموية والصحية التي أطلقت خلال الفترة الماضية.

وأكدت اللجنة العليا على أن الاستراتيجية ستكون "تتويجاً واستكمالا" لقرارات السيسي ومبادراته في جميع المجالات تقريباً، من دون أن تميز الاستراتيجية بين ما هو مطلوب وما قد تم بالفعل على أرض الواقع، مما حولها في معظم فصولها إلى تكرار لأحاديث ترددت سابقاً في كل مناسبة حضرها السيسي. فبدلا من الانطلاق من الدستور كمرجعية رئيسية لوضع الاستراتيجية والتركيز على الملفات التي تتطلب تدخلاً تشريعياً أو تنفيذياً عاجلاً لتحسين أوضاعها، اعتبرت اللجنة في عرضها أن ما تقدمه الاستراتيجية من مبادئ بشأن العمل والتضامن الاجتماعي، هي امتداد لمبادرة "تكافل وكرامة" الخاصة بصرف معاشات لغير القادرين. كما أن المبادئ الخاصة بالصحة العامة امتداد للمبادرات الرئاسية مثل "100 مليون صحة" والكشف المبكر عن الأمراض السارية، والمبادئ الخاصة بمستوى المعيشة والمرافق الجيدة وغيرها من الخدمات امتداد لمبادرة "حياة كريمة".

المساهمون