لا تأجيل للمواعيد الانتخابية في المغرب

11 أكتوبر 2020
قررت أعلى سلطة في البلاد أن تمضي المواعيد والاستحقاقات بترتيبها الزمني العادي (فرانس برس)
+ الخط -

أعلن الملك محمد السادس يوم الجمعة الماضي، في افتتاحه السنوي لأعمال البرلمان المغربي، أن هذه الدورة ستكون آخر دورة تشريعية من عمر البرلمان الحالي، وطالبه باستكمال إنجاز أكبر قدر من القوانين، التي ما تزال معلقة على الرفوف، وملاءمة أخرى، طبقاً للمتغيرات ومصادقة المغرب على المواثيق الدولية.

ولم يشر الملك، لا من قريب ولا من بعيد، إلى إمكانية إحداث تغيير في الأجندة الانتخابية، وهو ما يعني أن 2021 ستكون سنة الانتخابات بامتياز، تنبثق عنها حكومة جديدة، يقودها الحزب الذي يفوز بأكبر عدد من المقاعد.

وتتواصل الحركة منذ أشهر بين وزارة الداخلية المغربية والأحزاب السياسية للتحضير العادي للانتخابات، وتبادل المشورة بشأن نمط الاقتراع وإصلاح المنظومة الانتخابية، ثم جاء أخيراً مقترح "القاسم الانتخابي" الذي يقوم على احتساب نسبة التصويت على أساس عدد المسجلين في القوائم الانتخابية، وليس على أساس عدد المصوتين، وما فجره من خلافات، وهو ما سيغير الخريطة الانتخابية جملة وتفصيلاً، ويمنح بعض الحظوظ للوجود في مؤسسة البرلمان لعدد كبير من التنظيمات السياسية التي تسمى بـ"الأحزاب الصغيرة".

لم يشر الملك من قريب ولا من بعيد إلى إمكانية إحداث تغيير في الأجندة الانتخابية، وهو ما يعني أن 2021 ستكون سنة الانتخابات بامتياز

ولكن هل سيغير "القاسم الانتخابي" شيئاً في المنظومة الانتخابية في المغرب؟ وهل سيستطيع الحد من هيمنة الأحزاب الكبيرة على البرلمان؟ الجواب الأول، وبالمنطق الكمي، يقول إن الأحزاب الكبيرة، خصوصاً "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة"، ستفقد بعض المقاعد في الدوائر الانتخابية الكبرى، حيث لن يكون بإمكان لوائحها الاكتساح، مما سيفتح الباب لأحزاب أخرى لانتهاز الفرصة.

الجواب الثاني، يذهب إلى أن من يطرح موضوع القاسم الانتخابي، ويدافع عنه، يريد الإمعان في بلقنة المشهد السياسي في المغرب، والدفع في اتجاه تشتيت الخريطة السياسية، ما سيؤدي إلى استحالة تشكيل حكومة مقبلة من حزبين أو ثلاثة، وبالتالي سيكون اللجوء إلى ائتلاف حكومي واسع بمثابة رقعة دومينو كبيرة، كلما سقطت قطعة انهار البنيان بكامله. وهو ما سيجعل مروحة الحكومة المقبلة ضعيفة ومشدودة إلى أكثر من حبل، وقد لا يسمح لـ"العدالة والتنمية"، الذي يقود الحكومة الآن، بالوجود في رأس القائمة، وربما يدفعه هذا إلى الذهاب طوعاً أو كرهاً إلى المعارضة، لمتابعة عمله من هناك مراقبا لتدبير الشأن العام، في ظل عدم وجود معارضة حزبية قوية بسند شعبي.

هل حزب "العدالة والتنمية" مستعد على المستوى السيكولوجي للانزواء في المعارضة؟ لا يبدو أن ذلك سيكون سهلاً على قواعد الحزب، وخصوصاً كبار الناخبين. فقد ترك جس نبض، أطلق منذ أسابيع، حول إمكانية "تقليص ذاتي" للترشح للانتخابات معارضة عارمة، ومناداة بعدم الرضوخ لإملاءات وضغوطات قوى في "الدولة العميقة"، لا تزال ترى في حزب "العدالة والتنمية" مصدر إزعاج للداخل والخارج.

مقتضى الحال أن الأجندة الانتخابية ذاهبة إلى نهايتها على الرغم من وباء كورونا المستشري في البلاد هذه الأيام. فقد قررت أعلى سلطة في البلاد أن تمضي المواعيد والاستحقاقات في ترتيبها الزمني العادي، وهذا يعطي اطمئناناً لجميع اللاعبين في الساحة السياسية، ويفتح باباً على "تنعيم" المواقف و"ترطيبها"، إذا ما اقتضت المصلحة العليا للبلاد ذلك.

المساهمون