أثبتت العمليات الأخيرة، خصوصاً بني براك وتل أبيب، أن كل محاولات الاحتلال ترويض الشعب الفلسطيني والإمعان من ممارساته القمعية من جهة، ومحاولات الاتفاق على القضية الفلسطينية وكأن الاحتلال غير قائم وغير موجود، ويمكن بالتالي المضي قدماً في مشاريع التطبيع، وحرف القضية الفلسطينية إلى مسار تحسين ظروف المعيشة وتسهيلات هنا وهناك من جهة أخرى، باءت بالفشل.
كما أثبتت العمليات أنه لا يمكن قمع إرادة شعب يتوق للحرية والتخلص من الاحتلال الجاثم على صدور أبنائه.
ولكن يبدو أن المفاجأة التي أصابت الاحتلال، ولا سيما من عمليتي بني براك وتل أبيب، رغم إطلاق الأذرع المختلفة سلسلة تحذيرات للفلسطينيين على هيئة تحذيرات من انفجار الأوضاع في الأراضي المحتلة، وتحديداً في القدس، تنذر باتجاه حكومة الاحتلال الحالية، خاصة في ظل أزمتها السياسية الداخلية بعد فقدانها الأغلبية في الكنيست، نحو مزيد من التطرف والمغالاة في العدوان على الشعب الفلسطيني.
وتهدف الحكومة من ذلك إلى مواجهة الهجمات الداخلية من قبل المعارضة، التي يقودها رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، وسط توقعات باتجاه الأخير إلى تأجيج التطرف والمطالب العدوانية، من باب إضعاف الحكومة الحالية وتبكير إمكانيات إسقاطها، لفتح الباب أمام عودة محتملة له.
هذا يعني أننا سنكون أمام سباق في التطرف والمغالاة في مطالب الانتقام والعدوان، بين الائتلاف الحاكم الذي يترنح تحت ضربات العمليات الفردية الأخيرة، والضربات المتتالية التي يُعدها له نتنياهو من رقص على الدماء وتحريض لإراقة المزيد منها، على غرار ما كان يفعله إبان حكومة إسحاق رابين مع كل عملية تفجيرية كانت تقع وسط إسرائيل.
ولعل أكثر ما يبني عليه نتنياهو هو تغذية الخوف لدى الإسرائيليين، وإحساسهم بفقدان الأمن الشخصي، وهو ما كان بنى عليه حملته الانتخابية ضد شمعون بيريز بعد مقتل رابين، وأوصله إلى سدة الحكم للمرة الأولى في العام 1996.
في المقابل، تبدو حكومة الاحتلال حالياً فاقدة الثقة بالنفس، بالأساس في مواجهة الحرب الدعائية لنتنياهو والمعارضة، وهو ما قد يدفعها إلى الاتجاه نحو تصعيد خطير ودموي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تحت شعار "محاربة الإرهاب"، للخروج من أزمتها الداخلية.
صحيح أنه لا يمكن التنبؤ أو التكهن بالتطورات، لكن من الثابت والمؤكد أنه لا يمكن لأي عدوان تشنه إسرائيل أن يحقق لها الأمن، ما دام الاحتلال جاثماً على صدور الشعب الفلسطيني.