استمع إلى الملخص
- الباحث فيصل ازدارن يؤكد أن مستقبل العلاقات الثنائية يعتمد على ردود فعل الحكومات، مع تأكيد على أن اليمين المتطرف يضع الهجرة في صدارة اهتماماته.
- تشكيل لجنة مشتركة بين الجزائر وفرنسا لمناقشة الملفات العالقة، لكن قضايا الهجرة قد تؤدي إلى تأجيل زيارة الرئيس الجزائري لباريس، مما يعكس التحديات الكبيرة في العلاقات الثنائية.
يسود الترقب السياسي في الجزائر انتظاراً لما ستؤول إليه النتائج النهائية في باريس، بعد فوز لافت لقوى اليمين المتطرف في فرنسا في الدورة الأولى من الانتخابات، حيث يتوقع أن يتسبب صعود هذا التيار المعادي للمهاجرين ولمسار التسوية التاريخية مع الجزائر، في إثارة توترات سياسية بين البلدين وعرقلة مساعي الجزائر في استعادة بعض الحقوق والأغراض المادية من فرنسا، ما يجعل الزيارة المرتقبة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس نفسها محل شك في أن تتم في الأجل المتفق عليه.
وقال الباحث الجزائري في علم الاجتماع السياسي، الدكتور فيصل ازدارن، المقيم في باريس والمهتم بالعلاقات الجزائرية الفرنسية وقضايا الهجرة، في حديثه مع "العربي الجديد"، إن "تصور علاقة بين الجزائر وباريس، في حال وصول اليمين المتطرف في فرنسا إلى الحكم، متوقف على ردة فعل الحكومات المعنية، فاليمين المتطرف جعل ملف الهجرة في أعلى قائمة انشغالاته، وحتى موضوع حملته الانتخابية، ولا يخفى على الجميع أن اليمين المتطرف لديه تاريخ غير مشرف في أعمال فرنسا الاستعمارية مع الشعب الجزائري وحرب التحرير، وسيلقي ذلك بظلاله على مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين في حال فوز اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية القادمة أو حتى في الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها سنة 2027، هذا إذا سلمنا بضعف النظام الماكروني الذي لقي هزيمة نكراء في الانتخابات الأوروبية، والدور الأول للانتخابات التشريعية".
وأضاف الباحث أنه "قد يكون للنظام الرئاسي دور في الإبقاء على الحد الأدنى لهذه العلاقات، ولكن إذا حققت الأحزاب المعارضة أغلبية مريحة في البرلمان، فذلك سيكون صعباً للغاية، وسيلقي العمل التشريعي بظلاله على سير العلاقات الثنائية بين البلدين لعرقلة ما تم الاتفاق عليه". ورداً على سؤال عما إذا كان وصول اليمين المتطرف في فرنسا إلى الحكم سيعرقل مسار معالجة الملفات وقضايا الذاكرة بين البلدين، والذي بدأ منذ تفاهمات أغسطس/ آب 2022 خلال زيارة الرئيس ماكرون إلى الجزائر، اعتبر الباحث أنه في حال "سلمنا أن الحكومة ستكون من تشكيل اليمين المتطرف، فقد يشوش ذلك على العلاقات بمجملها، وقد تتراجع الإرادة الفرنسية في كثير من الملفات المتعلقة بالذاكرة، لأن هناك اختلافا عميقا على مستوى النخب السياسية والفكرية الفرنسية في التعامل مع هذا الملف بالذات، علماً أن فرنسا الرسمية ليس لديها رؤية وموقف واضحان لملف الذاكرة والقضايا التاريخية العالقة".
وكان الرئيسان تبون وماكرون قد وقعا على تفاهمات، في أغسطس/ آب من عام 2022، تتضمن تشكيل لجنة مشتركة تضم خمسة مؤرخين من كل دولة، تعمل على مناقشة الملفات العالقة ووضع خطوات لمعالجتها، خاصة تلك التي ما زالت تمثل نقطة خلاف عميق بين الجزائر وباريس، على غرار ملف تطهير مناطق التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء، والأرشيف الجزائري المهرب إلى فرنسا، ومسألة المفقودين وجماجم المقاومين وغيرها.
لكن أكثر الملفات التي يتوقع أن تكون محل جدل سياسي بين الجزائر وباريس في حال وصول اليمين المتطرف في فرنسا إلى السلطة، تلك التي تخص مسائل الهجرة والمهاجرين، خاصة وأن قيادات اليمين المتطرف كانت صرحت برغبتها في إلغاء أو تعديل اتفاقية عام 1968، والتي تمنح الجزائريين امتيازات خاصة في العمل والإقامة والتجمع العائلي، مقارنة بالجاليات الأخرى في فرنسا.
وفي هذا السياق، قال ازدارن: "لعل ملف الهجرة والجالية الجزائرية من أهم وأعقد الملفات التي تلقي بظلالها على العلاقات الثنائية بين البلدين، وقد شهد هذا الملف تصعيداً على عدة فترات أثناء العهدة الأولى لماكرون، وما هو مؤكد أن اليمين المتطرف سيكون أشد معاملة مع هذا الملف، حيث إنه يقترح حلولاً أكثر تطرفاً في ما يخص طرد الرعايا الجزائريين في وضعية غير قانونية، والموجودين في مراكز الحجز الإداري، ولن يكون ذلك إلا بالضغط على السلطات الجزائرية لاستصدار التصاريح القنصلية للمرور"، مضيفاً أن "معضلة أخرى قد تؤثر على العلاقات وهي مبدأ حرية التنقل، الذي لا يعترف به اليمين المتطرف. إذ إنه من المرجح أن يتم إفراغ الاتفاقية الفرنسية الجزائرية لعام 1968 من محتواها، في حال وصول اليمين المتطرف لسدة الحكم، وهذا أقل شيء متوقع".
وقد تدفع التطورات السياسية القائمة في فرنسا إلى مزيد من التأجيل المحتمل لزيارة الرئيس الجزائري إلى باريس مرتين متتاليتين، والتي كانت مقررة في بداية أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، خاصة وأن تبون كان قد أعلن في وقت سابق إنه "يرفض القيام بزيارة بروتوكولية لا تتضمن تحقيق أي أهداف واتفاقات حول قضايا محددة، أبرزها ملف الذاكرة والشؤون السياسية ومسائل تخص تنقل الأشخاص بين البلدين.