كيف تابع أهالي جنين في الدوحة العدوان الإسرائيلي على مخيمهم؟

05 يوليو 2023
خلف اقتحام الاحتلال 12 شهيداً ونحو 100 جريح (أسوشييتد برس)
+ الخط -

مع اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين تابع بعض أهالي المخيم الموجودين في العاصمة القطرية الدوحة مجريات الأوضاع بقلق بالغ على أسرهم وعائلاتهم، قبل أن يتحول ذلك إلى احتفاء بقدرة المقاومة وبفشل العملية العسكرية.

وبعد نحو 48 ساعة من عملية اجتياح شارك فيها أكثر من 3 آلاف جندي و200 آلية عسكرية وعشرات الطائرات، انسحب جيش الاحتلال من جنين ومخيمها، مخلفاً 12 شهيداً ونحو مائة جريح، عدا عن إلحاقه ضرراً بالغاً بالبنية التحتية في المخيم، دون أن ينجح في تكريس صورة "النصر" التي أراد بثها.

وفي هذا السياق، تابع عصام جرار، المقيم في الدوحة، بقلق بالغ، العدوان الإسرائيلي لدرجة دفعته إلى التفكير في إلغاء حفل زفاف نجله المقرر الأسبوع المقبل، قبل أن يتراجع عن ذلك بعد انسحاب الاحتلال.

الفلسطيني جرار (50 عاماً) من مخيم جنين هو أحد الأسرى المبعدين إلى قطر والذي أفرج عنه في صفقة تبادل الأسرى في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 والتي تطلق عليها المقاومة الفلسطينية صفقة "وفاء الأحرار".

وكان جرار قد أمضى عقداً من الزمن في السجون الإسرائيلية بتهمة مشاركته في التصدي لقوات الاحتلال خلال اجتياح مخيم جنين عام 2002 في العملية التي أطلق عليها الاحتلال اسم "السور الواقي".

يقول جرار: "كان لدي قرار بتأجيل حفل زفاف ابني عماد في حال استمرار الاجتياح على مخيم جنين، ولكن مع انتهاء العدوان خلال يومين وخروج الاحتلال بهذه الصورة المذلة دون تحقيق أهدافه تراجعت عن فكرة التأجيل؛ بل بالعكس ستكون الفرحة مضاعفة، بحفل زفاف ابني وصمود أهلي في المخيم".

طوال فترة الاجتياح كان جرار على تواصل دائم مع عائلته التي تقطن في قلب مخيم جنين والتي يزيد عدد أفرادها عن 25، من بينهم 14 طفلاً، كما يقول جرار لـ"العربي الجديد". ويتابع: "بصعوبة بالغة كنت أتواصل مع عائلتي الموجودة تحت الحصار الأخير، وكنت أشعر بأنني في قلب الحدث رغم طول المسافات التي بيننا".

ويضيف: "لم يصب أحد من عائلتي، لكن تعرض منزل عائلتي المكون من ثلاثة طوابق لدمار جزئي بفعل قصف الطائرات الإسرائيلية الذي كان بشكل عشوائي طوال فترة الاجتياح".

أما الشاب عامر سعد (28 عاماً) المقيم في الدوحة وابن مخيم جنين، فقد ترجم قلقه من خلال تكثيف عمله الصحافي في تغطية تطورات الأوضاع في المخيم، عبر صفحاته الشخصية في مواقع التواصل.

ويعمل سعد في مركز أبحاث في قسم منصات التواصل الاجتماعي. وكان قد وصل إلى الدوحة عام 2019، وأنهى دراسة الماجستير في قسم الصحافة في معهد الدوحة للدارسات.

وتقطن عائلة سعد المكونة من 6 أفراد (أب وأم وثلاثة أشقاء) بالقرب من دوار "البطيخة" على أطرف مخيم جنين، أي أنها تقع في مكان بعيد عن دائرة النار، لكن القناصة الإسرائيليين كانت تنتشر في محيط المنزل، عدا عن تمركز الآليات العسكرية على منافذ الطرقات.

يقول سعد: "لا يعني الخروج من جنين، والإقامة في بلد أخرى أنك بعيد عن الهجمات الإسرائيلية، فخوفك على عائلتك والتوتر الذي يصاحبك نتيجة لذلك هو عدوان نفسي ترتكبه إسرائيل بحقنا نحن فلسطينيي الخارج".

ويؤكد أهمية تكثيف التغطيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وإبراز الممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني وتحديداً ما تتعرض له جنين.

ورغم أن سعد كان فتى لم يبلغ 8 أعوام عند اجتياح مخيم جنين عام 2002 إلا أنه ما زال يذكر تفاصيل دقيقة عن تلك المجزرة، حتى إن أصوات الصواريخ والرصاص ما زالت عالقة في ذهنه.

شقيق عامر يدعى سامر (30 عاماً) ويعمل محاسباً، ورزق بطفلته مريم قبل نحو شهرين، ويبدو أن هذا العدوان لن يكون الأخير في عمرها.

يقول عامر: "لم أر مريم الحفيدة الأولى لعائلتنا حتى الآن.. أود زيارة جنين في أقرب وقت وأنتظر أن تكون الأوضاع هناك أكثر أمناً.. ربما أن مواصلتي لعملي الصحافي بهذه الكثافة قد يساهم في إيصال صوت مريم وصوت باقي أطفال المخيم".

سياسياً وميدانياً؛ يجمع مراقبون، من بينهم إسرائيليون، على أن جيش الاحتلال فقد عنصر المفاجأة بهذه العملية العسكرية، وأن هذه العملية ستكون مقدمة لعمليات عسكرية إسرائيلية مشابهة في المرحلة المقبلة.

ويصف الكاتب والمحلل السياسي محمد عطا الله العملية الأخيرة بـ"الفاشلة على المستويات كافة"، مرجحاً أن تكون جنين على موعد مع عمليات أخرى مشابهة في الفترة المقبلة.

إلا أن عطا الله يقول لـ"العربي الجديد" إن فكرة تنفيذ "سور واقي 2" بهذه الظروف قد تحمل نتائج عكسية وغير متوقعة، خاصة أن غزة تأخذ وضعية الدرع وتؤكد فكرة وحدة الساحات.

وبحسب عطا الله، فإن إسرائيل اعتمدت استراتيجية "سور واقي متقطع" وباستخدام سلاح الطيران الذي يضمن لها أن تخرج من هذه العملية العسكرية بأقل الأضرار والأهم من كل ذلك أن لا يُفتح عليها معركة من عدة جبهات.

يختم حديثه قائلاً: "إسرائيل والمقاومة في سباق مع الزمن.. المقاومة تريد تعزيز بنية المقاومة في الضفة المحتلة بأسرع وقت ممكن، فيما إسرائيل تحاول استئصالها قبل امتدادها من خلال عملية استنزاف للمقاومة".

بدوره، أكد الكاتب الصحافي والمحلل السياسي يوسف فارس أن إطلاق رشقة صاروخية من غزة تجاه المستوطنات المحاذية، بعد نصف ساعة من انسحاب قوات الاحتلال، يشير إلى أنها "مدروسة وفي توقيت ذكي جداً".

وزاد فارس عبر حسابه على "فيسبوك": "تريد المقاومة في غزة من خلال هذه الرشقة الصاروخية أن تقول إنها ليست مردوعة، وأن عدم دخولها على خط المعركة أثناء العملية العسكرية في جنين دافعه التقدير الميداني والتنسيق مع كتيبة جنين".