كيف استخدم النظام السوري القوانين للاستيلاء على منازل وأراض في حمص؟

21 ديسمبر 2023
سياسة تدمير مدروسة اتبعها النظام السوري بهدف الاستيلاء على المنازل (جوزيف عيد/Getty)
+ الخط -

أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، اليوم الثلاثاء، تقريراً مفصلاً يفضح استخدام النظام السوري للقوانين كوسيلة للسيطرة على العديد من المنازل والأراضي والعقارات في محافظة حمص وسط البلاد. ويسلط التقرير الضوء على السياسات المدمرة التي اعتمدها النظام بهدف استيلاء غير قانوني على الممتلكات، متبعاً استراتيجية تدمير محكمة باستخدام مجموعة من القوانين التي تخل بالشرعية.

وأشارت الشبكة في تقريرها، الذي امتد على بابين وستة فصول، إلى التصعيد العنيف من جانب النظام رداً على مشاركة سكان محافظة حمص في حراك الشعب السوري، وكيف أثر ذلك بشكل كبير على حياتهم وممتلكاتهم العقارية. كما قدم التقرير نظرة شاملة على تطور الحراك الشعبي نحو الديمقراطية في المحافظة، مع توثيق حجم الدمار الناتج من تصرفات النظام.

وتضمن التقرير دراسة حالتين محددتين: الأولى تتعلق بـ"حي باب عمرو" في مدينة حمص، والثانية تتناول مدينة "القصير" في ريف المحافظة، بهدف تنويع مناطق الدراسة بين المدينة والريف. وقد قدم التقرير استعراضاً لانتهاكات خطيرة طاولت هاتين المنطقتين، وكيف أثر ذلك في عمليات الهجرة القسرية لسكان المحافظة، وكيف استغل النظام هذا الوضع للاستيلاء على الممتلكات العقارية.

أكد تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان توسع النظام السوري في الأعوام الخمس الأخيرة، بدءًا من عام 2018، في عمليات الاستيلاء على الممتلكات العقارية للمواطنين السوريين. يستند هذا التوسع إلى قوانين ومراسيم تم وضعها بشكل غير قانوني منذ عام 2011، مستفيداً من حالة النزاع الداخلي المسلح وسيطرته المطلقة على مجلس الشعب ومؤسسات التشريع والتنفيذ الأخرى. ولاحظ التقرير استمرار النظام في فرض هذه القوانين على مدى سنوات النزاع الداخلي المسلح.

وأشار التقرير إلى أن هذه القوانين تستهدف مباشرة ثلاث فئات أساسية هي أولاً، المشردون قسرياً، والذين يشملون اللاجئين والنازحين، حيث يبلغ عددهم حوالي 12 مليون مواطن سوري وفقًا للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين. ثانيًا، المختفون قسريًا، حيث يصل عددهم إلى حوالي 112,713 مواطنا سوريا. ثالثًا، القتلى من المدنيين والعسكريين، ويبلغ عددهم حوالي نصف مليون مواطن سوري، والذين لم يُسجل الغالبية العظمى منهم كوفيات في دوائر السجل المدني. يشير التقرير إلى أن الأغلبية العظمى من هذه الفئات كانت معارضة للنظام السوري وكانوا ضحايا للانتهاكات التي تمارسها منذ بداية حراك مارس/آذار 2011 ضد نظام بشار الأسد.

ويذكر تقرير الشبكة أن "هناك ترابطاً وثيقاً بين العديد من الانتهاكات وانتهاك حقوق المنازل والأراضي والملكية، لأن الانتهاكات الفظيعة سوف تجبر السكان على الرحيل، ممَّا يجعل ممتلكاتهم قابلة للاستحواذ عليها وفق النصوص التي وضعها النظام السوري". كما أشار إلى أبرز الانتهاكات التي أجبرت الأهالي على الرحيل، وأصبحوا مشردين قسرياً، وذكر التقرير في هذا الجانب مقتل ما لا يقل عن 30571 مدنياً على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في حمص منذ مارس/آذار 2011 حتى أغسطس/آب 2023، كما وثق ما لا يقل عن 20 مجزرة ذات صبغة طائفية، وقع جُلها في السنوات الأولى من الحراك الشعبي. 

وبحسب التقرير، فإن ما لا يقل عن 7374 شخصاً لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في محافظة حمص منذ مارس 2011 حتى سبتمبر/ أيلول 2023، كما سجل مقتل ما لا يقل عن 2421 شخصاً بسبب التعذيب خلال هذه الفترة، والغالبية العظمى من هذه الانتهاكات نفذها النظام السوري وحلفاؤه. 

وأكد التقرير تعمد النظام للتدمير الممنهج الذي اتبعه من خلال توثيق ما لا يقل عن 3636 برميلاً متفجراً ألقاها سلاح الطيران التابع لقوات النظام السوري على محافظة حمص منذ يوليو/تموز 2012 حتى أغسطس/آب 2023، تسببت في مقتل 708 مدنيين، كما وثق 7 هجمات على الأقل تم فيها استخدام الأسلحة الكيميائية على محافظة حمص، وغيرها من الانتهاكات التي أجبرت السكان على الفرار. 

واستنتج تقرير الشبكة أن المؤشرات الخرائطية تشير بقوة إلى أنَّ القصف المدفعي والجوي لعدد من المدن والأحياء والأرياف في محافظة حمص كان مُفرطاً جداً من طرف النظام وحلفائه، ما يؤكد أنه لم يكن بغرض عسكري، وإنما لأهداف أخرى تتمثَّل في تدمير أكبر قدر ممكن من الملكيات العقارية بهدف السيطرة عليها، وبالتالي إجبار أصحابها على الهجرة منها أولاً، ثمَّ ضمان عدم عودتهم إليها مرة أخرى، مما يمكنه لاحقاً من استغلال الممتلكات والأراضي التي سيطر عليها في عملية إعادة الإعمار وهذا هو هدفه الأساسي من جميع المراحل السابقة، بغض النظر عن الانتهاكات التي ارتكبها وعن الخسائر المادية الفادحة وتفقير الشعب السوري عبر السيطرة على ممتلكاته وأراضيه.

من جهته، علق مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسانـ فضل عبد الغني على صدور التقرير اليوم، بأن التقرير استهلك جهداً كبيراً من حيث جمع البيانات وتوثيقها، وأنهم في الشبكة تحدثوا مع مئات الأشخاص من أبناء محافظة حمص بهدف الوصول إلى آليات النظام المتبعة للاستحواذ على الأملاك العامة. 

وأضاف لـ"العربي الجديد"، أنه "لن يقف مجال دراسة الشبكة حول الاستيلاء على الملكيات الخاصة على محافظة حمص"، مشيراً إلى أنهم اختاروا حمص أولاً، لأن "المحافظة سلطت عليها الأضواء في بداية الحراك، ثم تركت للنسيان، وخلال العامين السابقين تعرضت حمص وريفها لانتهاكات كبيرة لجهة مصادرة الأملاك، وهي المحافظة الأكثر من حيث الخسائر مقارنة بحجم سكانها"، بحسب عبد الغني. 

ويؤكد مدير الشبكة، أنه "توضح لدينا بأن النظام كان يتعمد استهداف الأبنية الحديثة والأحياء البعيدة عن خطوط الاشتباك لخلق دمار واسع وعمليات تهجير، وهدفه هو إعادة الإعمار، وإعادة هيكلة ديمغرافيا هذه المناطق". 
فيما يتعلق بمستقبل هذه الأملاك وإمكانية استرجاعها من قبل أصحابها، لمح عبد الغني إلى أن القوانين التي أصدرها النظام للاستيلاء على هذه الأملاك تُعتبر أكثر مما يمكن أن يُصف بـ "نصوص أمنية" بدلاً من قوانين، حيث تنتهك القوانين المعروفة بـ"القواعد الآمرة" التي تعد أعلى منها. وشدد على أن التقرير يبرز عدم شرعية هذه القوانين، مُشيرًا إلى أنه في مرحلة العدالة الانتقالية المستقبلية، ستُتخذ إجراءات قانونية ودستورية لإلغاء هذه القوانين أولاً، تليها إجراءات لاستعادة حقوق أصحاب هذه الأملاك باستناد إلى أي أدلة تُثبت الملكية، حتى لو كان ذلك من خلال صورة للمنزل أو العقار.

وأوضح أن القوانين الحالية تُصدر من قبل مجلس الشعب الذي يخضع لسيطرة النظام، وأن دور المحكمة الدستورية يعرقلها التسيير الذي يمارسه النظام. في هذا السياق، أكد عبد الغني أن مرحلة العدالة الانتقالية ستكون حيز التنفيذ في المستقبل، حيث ستسعى إلى إصلاح هذه الظواهر وتحقيق العدالة والشفافية في مجال استرداد الأموال والممتلكات.

ودعا التقرير الدول المانحة والمستثمرين والوكالات الإنسانية العاملة في سورية، إلى عدم تقديم أموال للنظام السوري من برامج إعادة بناء وتأهيل الأبنية، واستحداث آلية جديدة لذلك حتى لا توظف هذه الأموال في عملية انتهاك حقوق الملكية للقاطنين أو للمشردين قسرياً، أو المفقودين، أو تدعم الكيانات التي تنتهكُ حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. 

ومن الناحية القانونية، رأت "رابطة المحامين السوريين الأحرار"، أن تفاصيل التقرير عن مصادرة الممتلكات من قبل النظام السوري في محافظة حمص تثير مخاوف كبيرة، مشيرة ًعبر مديرها التنفيذي سامر ضيعي إلى أن تلك الإجراءات تنتهك حقوق الملكية ويمكن اعتبارها تعسفية وغير عادلة.

وفي إضافته لـ"العربي الجديد"، أشار ضيعي إلى أن "الاستخدام المنهجي لقوانين المصادرة، كما هو موضح في التقرير، يشير إلى حدوث انتهاك للمعايير القانونية المحلية والدولية. وعلى الرغم من عدم تحديد مصير هذه الممتلكات بشكل نهائي، إلا أنه يشكل تحديات قانونية ويفتح المجال أمام إمكانيات للتعويض أو استرداد الممتلكات للأفراد المتضررين".

وكونه ناشطاً في ميدان حقوق الإنسان من مدينة حمص، أكد ضيعي أن "التغييرات العميقة والقلقة التي شهدتها المحافظة على مدى الـ12 سنة الماضية، ترتبط بشكل كبير بالتدمير المنهجي للممتلكات والاستيلاء عليها كما هو موضح في التقرير. هذا التدمير لم يؤثر فقط على المشهد المادي، بل تسبب بتأثير كبير على النسيج الاجتماعي والديمغرافي. ففقدان المنازل والمجتمعات أدى إلى تشريد أعداد كبيرة من السكان، مما أثر بشكل كبير على عودة اللاجئين والنازحين داخليًا. وما زالت العواقب طويلة المدى لهذه التصرفات تتكشف، مما يؤثر بعمق على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في محافظة حمص بشكل خاص وفي البلاد بشكل عام".

يشار إلى أن التقرير اعتمد على المنهج الاستقصائي والتحليلي، من خلال تتبع شهادات حية، وخرائط تفاعلية، وصور توثيقية، وفيديوهات؛ بغرض الوصول إلى النتائج المتحصَّل عليها، وبالأخص في جوانب متابعة تطورات الأوضاع ميدانياً، معتمداً المعايير التي تطبقها وحدة الأمم المتحدة للأقمار الصناعية ومعهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث لتقييم مستويات الضرر على الأبنية العمرانية.

المساهمون