يصل المبعوث الأممي الجديد، يان كوبيتش، إلى طرابلس اليوم الإثنين، لمباشرة أعماله، في وقت بدأت فيه ملامح فترة سياسية جديدة تتشكل في ليبيا، بعد نجاح ملتقى الحوار السياسي في انتخاب سلطة موحدة جديدة.
وقالت البعثة الأممية، في بيان لها ليل الأحد، إن رئيسها الجديد، سيبدأ مهامه الإثنين، ونقلت عنه تأكيده التزام الأمم المتحدة "الثابت بليبيا مستقرة ومزدهرة وموحدة، والبناء على النتائج الإيجابية لملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف".
وقبل مباشرة عمله، بحث كوبيش مع رئيس المجلس الرئاسي، فائز السراج، هاتفياً، "مستجدات الوضع في ليبيا"، وقال المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي أن كوبيش أكد على "أهمية استكمال مساري الحوار العسكري والأمني بعد الاتفاق على تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة".
كما ناقش كوبيتش مع وزير الخارجية في حكومة الوفاق، محمد سيالة، الترتيبات اللازمة لمباشرة مهامه، خلال أولى زياراته للعاصمة طرابلس، اليوم الإثنين، وفق بيان لخارجية الوفاق، صباح اليوم.
قبل مباشرة مهامه يوم غد، تحادث المبعوث الخاص إلى ليبيا يان كوبيش اليوم مع رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج ووزير الخارجية محمد سيالة. وكرر المبعوث الخاص التزام الأمم المتحدة الثابت بليبيا مستقرة ومزدهرة وموحدة ، بناءَ على النتائج الإيجابية لملتقى الحوار السياسي الليبي في سويسرا https://t.co/Pi334lWHXS
— UNSMIL (@UNSMILibya) February 7, 2021
كوبيتش خلفاً لوليامز
وشغل كوبيتش مناصب أممية عدّة في العراق وأفغانستان ولبنان، قبل أن يكلفه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الشهر الماضي، بمهمته الجديدة في ليبيا.
ويتسلم كوبيتش مهمته الجديدة في ليبيا، خلفاً للدبلوماسية الأميركية، ستيفاني وليامز، التي قادت مفاوضات المسار السياسي بصعوبة لعدة أشهر، وانتهت، الجمعة الماضية، بتشكيل السلطة الجديدة (مجلس رئاسي من ثلاثة أعضاء ورئيس للحكومة)، لكن تلك النهاية بالنسبة للمبعوث الجديد تبدو البداية لمواجهة تعقيدات وعراقيل المشهد الليبي المتشابك التي بدأت بوادرها في الظهور، خصوصاً في معسكر شرق ليبيا.
تعقيدات مهمة كوبيتش
من وجوه تعقيد المشهد التي تنتظر المبعوث الأممي الجديد، أن رئيس الحكومة الجديد، عبد الحميد دبيبة، ينتظر أن يقدم تشكيلته الحكومية لغريمه عقيلة صالح، الذي سقطت قائمته في الانتخابات؛ كونه رئيس مجلس النواب، للمصادقة عليها.
وألمح صالح في أول خطاب له أمام أنصاره في شرق البلاد، أمس الأحد، إلى إمكانية عرقلة تشكيل الحكومة إلا "إذا سارت كما نريد نحن". وقبله رئيس الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب في طبرق، عبد الله الثني، الذي اشترط تسليمه السلطة للحكومة الجديدة، أن تنال ثقة "مجلس النواب مجتمعاً".
وترى الباحثة السياسية الليبية، هنية فحيمة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أولى التحديات التي ستواجه كوبيتش تتمثل في قدرته على احتواء الأطراف الفاعلة على الأرض.
وتوضح أن "في مقابل ملامح العرقلة التي لوح بها صالح يوجد فتحي باشاغا في غرب البلاد وهو العضو الآخر في القائمة الخاسرة".
وبحسب رأيها فإن باشاغا شخصية نافذة تمكن من ربط علاقات قوية مع أطراف إقليمية كالقاهرة وأنقرة رغم اختلافهما في بلاده، إضافة إلى ذلك "تواليه مجموعات مسلحة قوية في العاصمة طرابلس سبق أن ضغط بها على السراج حين أوقفه عن وظيفته وزيراً وأجبره على التراجع"، وفق قولها.
المسارات العسكرية والاقتصادية والدستورية
ورغم انتهاء المسار السياسي إلى تشكيل سلطة تنفيذية، إلا أن مسارات أخرى، مهمة لترسيخ التوافق على الإطار السياسي للمرحلة الانتقالية، لا تزال مفتوحة وتواجه تعثراً وهي المسارات العسكرية والاقتصادية والدستورية.
وقطعت اللجنة المالية المشتركة، المؤلفة من مسؤولين من وزارتي المالية بحكومتي البلاد، أشواطاً في المسار الاقتصادي، خصوصاً في ما يتعلق بإعداد ميزانية موحدة وتعديل صرف الدينار الليبي والمشاركة في مباحثات لتوحيد إدارتي البنك المركزي، والأهم منه الاتفاق على إعادة فتح الحقول والموانئ النفطية، وذلك في سبتمبر/أيلول الماضي.
لكن كل ذلك، بحسب رأي عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، محمد التومي، يتهدده الفشل إذا لم يتم إنجاز المسار الدستوري فمن دون ترتيبات دستورية لن تنجح المرحلة التمهيدية في الوصول إلى الانتخابات المقررة نهاية العام الجاري والتي تعد من أهم استحقاقات المرحلة.
ويقول التومي، لـ"العربي الجديد"، إن أمام المبعوث الجديد مهمة رئيسية تتمثل في ضرورة استئناف مفاوضات المسار الدستوري لتجاوز نقاط الخلاف، والوصول إلى مسودة الدستور لتمريرها للاستفاء.
وتتمثل أهمية هذه الخطوة في كون "الدستور الضامن الوحيد لانتهاء الفترة الانتقالية إذ تحمل السلطة الجديدة صفة التمهيدية للمرور إلى المرحلة الدائمة وفق الدستور الدائم".
وحول إعلان أعضاء المسار الدستوري عن اتفاقهم على الاستفتاء على الدستور، في الغردقة المصرية منتصف الشهر الماضي، أشار التومي إلى أن الاتفاق حمل وصف "المبدئي" وينتظر استئناف المفاوضات الدستورية للنظر في النقاط الخلافية في مسودة الدستور قبله تمريره للاستفتاء "والذي لن يتم"، على حد قوله.
ويعلّل التومي حكمه المسبق بالقول إن "بنود مسودة الدستور منها ما يهدد أهم استحقاقات المرحلة المقبلة مثل إسناد إعداد قانون الانتخابات لمجلس النواب وهو المجلس نفسه الذي عرقل الاستفتاء على المسودة المنجزة منذ عام 2017"، بالإضافة لبنود أخرى تتصل بعائدات الثروة، ولا نص فيها لتوزيعها على أقاليم البلاد الثلاث، وهو المطلب الذي تتمسك به بعض الأطراف حالياً، وكان من أسباب الصراع والاقتتال.
مهمة مستحيلة
لكن أولوية كوبيش تتجه للمسار العسكري، فخلال حديثه مع السراج أكد "ضرورة "استكمال مساري الحوار العسكري والأمني بعد الاتفاق على تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة"، بحسب بيان المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي.
وتعلق فحيمة بأن المسار العسكري "لا يجب أن يكون أولوية فهو يتجه لتنفيذ الاتفاق العسكري الذي تركزت بنوده على فك الاشتباك في خطوط التماس في سرت والجفرة فقط دون حلول شاملة لملف السلاح والمجموعات المسلحة".
ورغم أهمية الاتفاق، بنظر الباحثة السياسية، إلا أنه لا يضمن إبعاد خطر المجموعات المسلحة التي قد ترهن السلطة الجديدة لمصالحها، كما رهنت حكومة الوفاق في السابق وجرتها لأن تكون طرفاً في صراع دامٍ استمر لعدم أشهر على تخوم العاصمة.
وتتابع "المسار العسكري لا يزال قيد أعمال اللجنة العسكرية المشتركة ما يجعل الأطراف المسلحة حاضرة ومستمرة في المشهد المقبل، وأهمها اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يأبى المغادرة"، مشيرة إلى أن مفاوضات الأمم المتحدة في كل المسارات لم تطلب أي تنازلات من حفتر تجعله يفقد مكانه أو تتراجع قوته.
وتساءلت فحيمة "كيف سيكون من أوليات كوبيش استكمال مسار عسكري، لم ينجح حتى في إبعاد المتقاتلين عند نقاط التماس، وتمسكهم بالبقاء والسلطة؟"، مرجحة أن "تكون مهمة اختيار وزير للدفاع بالنسبة للسلطة الجديدة مهمة مستحيلة".