كوبنهاغن تلعب على حافة المواجهة مع روسيا: 19 طائرة أف 16 ودعم آخر

21 اغسطس 2023
زيلينسكي يستقل مقاتلة أف 16 خلال زيارته إلى الدنمارك (أسوشييتد برس)
+ الخط -

تضع كوبنهاغن نفسها في مواجهة جدية مع روسيا، بمضيها في الدعم العسكري اللافت للجيش الأوكراني في الحرب الدائرة بين كييف وموسكو.

وكانت روسيا قد حذرت في أكثر من مناسبة من أن المساعدة العسكرية الدنماركية "المفرطة" والمستمرة لأوكرانيا، تزيد من خطر حدوث صدام مباشر مع حلف شمال الأطلسي (ناتو).

رغم ذلك، لم تعد حكومة ائتلاف يمين ويسار الوسط في الدنمارك تتردد في الإعلان عن حجم ما ستقدمه لأوكرانيا مع زيارة رئيس الأخيرة فولوديمير زيلينسكي إلى كوبنهاغن، في ظل تلقي وزير الخارجية الدنماركي لارس لوكا راسموسن رسالة أميركية تمنح بلاده الضوء الأخضر لتقديم طائرات أف 16 الأميركية إلى كييف التي تواجه صعوبات جمة في هجومها المضاد لعدة عوامل أبرزها التفوق الجوي الروسي.

ويتعلق الأمر بنحو 19 طائرة أف 16، وهو ما فاجأ حتى متخصصين محليين ممن لم يكن في حسبانهم امتلاك ذلك العدد من الطائرات التي يمكن التخلي عنها لمصلحة أوكرانيا.

والأمر هنا يتعلق بانتقال الدنمارك منذ سنوات قليلة نحو استخدام طائرات أف 35 بدل أف 16 التي يتدرب 73 أوكرانياً على استخدامها، ما بين طيار وميكانيكي ومساعدين أرضيين. ومن المتوقع أن تستمر التدريبات حتى نهاية العام الحالي على الأقل.

وفقط حين يستكمل الطيارون الأوكرانيون تدريباتهم سترسل طائرات الأف 16 إلى أوكرانيا.

وعبر زيلينسكي بعد استقباله من رئيسة الحكومة ميته فريدريكسن ووزراء الحكومة الدنماركية، أمس، في قاعدة سكريدستروب، عن الامتنان للجانب الدنماركي.

وبتأكيد "التبرع" بالطائرات يتعزز الاستنتاج بأن الدنمارك واحدة من أكثر الدول حماسة لدعم كييف في مواجهة الغزو الروسي المتواصل منذ نحو عام ونصف العام.

وإلى جانب تلك الطائرات قدمت كوبنهاغن 80 دبابة ليوبارد (إيه 51) و14 ليوبارد إيه 42 بالتعاون مع كل من ألمانيا وهولندا. أضف إلى ذلك 54 ناقلة جند مصفحة من طراز جي4، وأنظمة صواريخ ساحلية برية هاربون، مع كمية وفيرة من صواريخها، إلى جانب 19 نظاما مدفعيا من طراز قيصر، و407 من صواريخ ستينغر ورشاشات وذخائر و21 روبوتا للتخلص من الألغام والذخائر غير المنفجرة.

وفي الآونة الأخيرة، زادت الدنمارك من دعم أوكرانيا بالمال وعدد غير محدد من طائرات الاستطلاع بدون طيار (الدرونز)، حيث رفعت بعض الشركات الدنماركية مستوى إنتاجها لتلبية الاحتياجات الأوكرانية. تضاف إلى ذلك برامج للدفاع السيبراني وحصص الإعاشة الميدانية والملابس والأدوات الطبية، إضافة لاستقبال مشافيها الجرحى العسكريين الأوكرانيين.

هذا إلى جانب حصول الجيش الأوكراني على مستشفى متنقل يتسع لـ320 شخصا وحاويات معيشة ومولدات كهرباء.

وبالتعاون مع حلف الناتو تخصص كوبنهاغن حصة 65 مدربا دنماركيا لتدريب الأوكرانيين على مختلف الأمور العسكرية المتعلقة بمواجهة هجمات كيميائية وإشعاعية.

كل ذلك بحسب وزارة الدفاع الدنماركية التي تحاول أن تكون أكثر شفافية أمام الشارع الدنماركي المستمر بدعم توجه حكومته نحو تخصيص المزيد من الموازنات لدعم الجهود العسكرية والمالية لكييف.

أما طائرات أف 16 التي يجري بالفعل إعدادها منذ أسابيع لتكون جاهزة، وتشارك الدنمارك أصلا بتصنيعها عبر مكونات مهمة من خلال شركة تيرما العسكرية، فبعض أقدمها يعود إلى نحو 40 عاماً مضت، حين اشترت كوبنهاغن في العام 1975 نحو 58 منها. لكنها استمرت باقتناء النسخ الأحدث في الثمانينيات، إلى جانب أخرى غربية.

واليوم نحو 43 طائرة من الطراز نفسه المحدث لا تزال نشطة في الخدمة. ويعتبر هذا الطراز هاما جدا لأوكرانيا من أجل مواجهة الطائرات الروسية من مسافات بعيدة، إلى جانب تنفيذ القصف الدقيق للأهداف من مسافات لا تطاولها الطرازات الأخرى للمقاتلات الشرقية.

وشاركت الطائرات الدنماركية التي ستمنح لأوكرانيا في عدة عمليات دولية في البلقان وأفغانستان وسورية والعراق، كما أنها تعمل حتى اليوم على مدار الساعة في صد الطائرات غير المرغوب فيها (الروسية بشكل رئيسي) فوق البلطيق وبحر الشمال، وتقديم مساعدة للطائرات الأخرى التي تعاني من مشاكل.

وخططت الدنمارك للاستغناء في عام 2027 عن طراز أف 16، حيث تجري على قدم وساق تدريبات مكثفة على الطراز الأحدث طائرة أف 35، والتي تمتلك منها 27 طائرة.

التبرع بالطائرات الدنماركية ليس فقط قرارا سياسيا بل يقوم على فلسفة عسكرية ودبلوماسية تعتبر أن دفاع أوكرانيا عن نفسها بمثابة دفاع عن الغرب.

ونوهت فريدريكسن في استقبال زيلينسكي بهذه النقطة حين قالت: "نحن نعلم أن حريتكم هي حريتنا. كما نعلم أنك بحاجة إلى المزيد". وتتسلح فريدركسن بتأييد الشارع الدنماركي لأوكرانيا، رغم وجود أصوات تطالب بالحياد، وأخرى تؤيد روسيا علنا.

وتحاول الدنمارك وهولندا طمأنة روسيا بعض الشيء بأن طائرات أف 16 لن تقصف داخل روسيا نفسها. لكن تلك الطمأنة لا تعني الكثير لموسكو التي ضمت شبه جزيرة القرم وأقاليم شرق أوكرانيا.

وفي الآونة الأخيرة زادت محاولات أوكرانيا توسيع دائرة القصف ليس فقط داخل تلك الأقاليم التي ضمت وشبه جزيرة القرم، بل نحو العاصمة موسكو عبر طائرات مسيرة.

واستخدام أف 16 في قصف أهداف روسية خلال 2024، يمكن أن يؤدي إلى خطوات من قبل الكرملين في غير حسبان واشنطن وحلف شمال الأطلسي.

ومن غير الواضح الآن ما إذا كانت دول أخرى غير الدنمارك وهولندا ستقدم شيئا بهذا الوزن لأوكرانيا مع تزايد الحديث عن السلام بين موسكو وكييف، وتزايد الأصوات الغربية، حتى في دول جوار أوكرانيا، التي تظهر امتعاضا من تزايد مطالب كييف وغياب "الامتنان"، حيث يلاحظ ذلك في صفوف القوميين المحافظين في بولندا وغيرها، قبل موسم الانتخابات القادمة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وإذا ظهر الخلاف المكتوم بين كييف ووارسو، وغيرها، فإن ذلك سيؤدي إلى اختلال الدعم، حيث تحتاج الدول المتبرعة بالعتاد العسكري لوارسو كمحطة عبور للدعم المقدم.

المساهمون