كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الجمعة، تفاصيل صفقة التبادل التي تمّت أخيراً بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي شملت نجمة كرة السلة الأميركية بريتني غرينر، ومورد السلاح الروسي فيكتور بوت.
وذكرت أن روسيا كانت تشترط في كلّ مرة كان يضغط فيها الأميركيون للإفراج عن غرينر وبول ويلان، من قدامى المحاربين في مشاة البحرية الأميركية، أن تشمل الصفقة الجاسوس الروسي السابق والمحكوم عليه بالإعدام في ألمانيا فاديم كراسيكوف.
وكراسيكوف قام عام 2019 بقتل مقاتل شيشاني في حديقة في برلين في وضح النهار، في جريمة تقول السلطات الألمانية إنها ارتُكبت بأمر من أجهزة الاستخبارات الروسية. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين كانوا يعرفون أن الطلب الروسي لمبادلة كراسيكوف المدان والمعتقل في ألمانيا، بمواطنين أميركيَّين، شبه مستحيل، إلا أنهم حاولوا إيجاد صيغة قد تغري برلين للموافقة على الأمر. لكن الأميركيين فشلوا في إيجاد نوع من الصفقة الثلاثية التي قد تمنح برلين شيئاً قد تريده، مقابل إفراجها عن كراسيكوف.
ولفتت الصحيفة إلى أن بعض الدبلوماسيين في الإدارة الأميركية خلصوا بشكل خاص إلى أن الإصرار الروسي على إطلاق سراح كراسيكوف كان تكتيكاً اعتمده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كان مصمماً، وفق اعتقادهم، على عدم تقديم أي نوع من أنواع الانتصار السياسي للرئيس الأميركي جو بايدن قبل الانتخابات النصفية.
في المقابل، يعتقد دبلوماسيون أن روسيا كانت جادة في طلب الإفراج عن كراسيكوف لحفظ ماء وجه أجهزتها الأمنية في حال إطلاق ويلان، المتهم بالتجسس، على الرغم من نفي واشنطن القاطع لهذا الأمر، والذي لم تشمله الصفقة الأميركية الروسية في نهاية المطاف.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين كبار شاركوا بشكل مباشر في المفاوضات وتحدثوا شرط عدم الكشف عن هويتهم، قولهم إن المفاوضات تركت بايدن أمام خيار غير مستساغٍ بتحرير أميركي، دون الآخر.
وتحدثت "نيويورك تايمز" عن ظروف اعتقال روسيا لكلّ من غرينر وويلان، مشيرة إلى أن الأولى التي اعتقلت بتهمة مخدرات بسيطة قبل أسبوع من الغزو الروسي لأوكرانيا كان يُنظر إليها كرهينة في ظلّ المواجهة مع الغرب على خلفية الصراع، أمّا ويلان، الجندي السابق في مشاة البحرية الأميركية، فهو معتقل منذ عام 2018 بتهمة التجسس، قبل الحرب الأوكرانية بوقت طويل.
وأشارت الصحيفة إلى أن الخطوط العريضة لاتفاق محتمل كانت موضوعة على الطاولة منذ الربيع الماضي، وقد أوضح الروس استعدادهم لمبادلة اللاعبة غرينر بتاجر أسلحة روسي يُدعى فيكتور بوت، الذي أوقف في تايلاند عام 2008 ويقضي عقوبة بالسجن لمدة 25 عاماً في الولايات المتحدة، لكنهم لم يكونوا مستعدين لإدراج ويلان في الصفقة.
وأشار المسؤولون الأميركيون للصحيفة إلى أن الروس كان ينظرون إلى مبادلة غرينر ببوت على أنها تبادل لمجرمَين، في حين أن ويلان، وهو جاسوس أميركي مزعوم وفق رواية موسكو، لا يمكن مبادلته إلا بجاسوس آخر أو بشخص يوازيه أهمية. ولفتت الصحيفة إلى أن الأميركيين لا يملكون جاسوساً روسياً لمبادلته، وهنا ظهر اسم كراسيكوف.
وكان الأميركيون، الذي سوّقوا عبر الإعلام لعرض "جوهري" قدّموه للروس، يأملون في أن يؤدي الضغط الشعبي لإبعاد الروس عن إصرارهم على الإفراج عن كراسيكوف، وقبولهم بالصفقة، وهو ما لم يحصل لأشهر عدة، قبل أن يتغير الوضع بعد يوم من الانتخابات الأميركية، حيث تواصلت الجهات الروسية مع واشنطن، حاملة رسالة جديدة تزيد من احتمال استبعاد ويلان من الصفقة، والتركيز بدلاً من ذلك حصرياً على اللاعبة غرينر، وهو ما تعتبره روسيا صفقة عادلة.
وكانت هذه المرة الأولى، وفق الصحيفة، التي يقدّم فيها الروس ما اعتبره المسؤولون الأميركيون عرضاً حقيقياً، إذ كانوا جادين في متابعة المسألة.
وواجهت الصفقة احتمال الفشل عندما عبّرت عائلة الجندي السابق ويلان عن قلقها إزاء سلامته، بعد عجزها عن التواصل معه، فتوقف العمل على صفقة غرينر المحتملة لأيام، ريثما علم الجانب الأميركي بمصير ويلان الذي قام أخيراً بالتواصل مع عائلته.
وشهد اجتماع في البيت الأبيض في وقت مبكر من الأسبوع الماضي تفاوتاً في الآراء إزاء الصفقة التي كان بايدن مستعداً للتوقيع عليها. ولفتت الصحيفة إلى أن وزارة العدل كانت قد نظرت فيها، وأبلغت اعتراضها عليها من خلال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، إذ إنها تتبنّى سياسة تعارض مبادلة السجناء في جميع المجالات، بحجة أنها تقوّض نظام العدالة الأميركي. أمّا وزارة الخارجية، فأوصت من جهتها بالاتفاق، كما فعل ذلك مسؤولون آخرون، والذين خلصوا إلى أنه لا مجال لتغيير الصفقة مع الروس، وقد حان الوقت لإتمامها، وقد وافق بايدن على ذلك.
كذلك، واجهت الصفقة خطر الانهيار مع تواصل صحافي في شبكة "سي بي إس" مع البيت الأبيض خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للسؤال عن استعداد الإدارة الأميركية لإجراء عملية تبادل مع الروس، وقد تمكن المسؤولون من إقناع الشبكة بعدم نشر التقرير خوفاً من انهيار الصفقة.
وحاول الأميركيون مرة أخيرة إقناع الروس بالإفراج عن ويلان، وسؤالهم ما إذا كانوا يرغبون بمبادلته بشخص آخر غير كراسيكوف، إلا أنهم تلقوا رفضاً روسياً قاطعاً.
ومع إتمام الصفقة، تقرّر إجراء عملية التبادل في أبو ظبي في الإمارات، التي تحافظ على علاقات جيدة مع الجانبين، وذلك لأن روسيا لم تكن مستعدة لإرسال أي طائرة إلى أوروبا خشية احتجازها بموجب العقوبات المفروضة عليها نتيجة غزوها لأوكرانيا.