كشفت مصادر مصرية مطلعة عن كواليس زيارة قام بها وفد أمني إسرائيلي رفيع المستوى إلى العاصمة المصرية القاهرة منتصف الأسبوع الحالي. وقال مصدر مصري، لـ"العربي الجديد"، إن "وفداً أمنياً ضمّ مسؤولين رفيعي المستوى من جهات إسرائيلية عدة، زار القاهرة الأربعاء الماضي، والتقى مسؤولين في جهاز المخابرات العامة، على رأسهم رئيس الجهاز اللواء عباس كامل، حيث جرت مناقشات موسعة بشأن الوضع في قطاع غزة، والتحركات الدولية بشأن الحرب وما يتعلق بها من ملفات، في مقدمتها الوساطة التي تشارك بها القاهرة لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين والأجانب لدى فصائل المقاومة".
مناقشات إسرائيلية في القاهرة
وبحسب المصدر، فإن "أجندة الوفد الإسرائيلي ضمّت محوراً متعلقاً بالبحث في صيغة تضمن دخول كميات محدودة من الوقود لتلبية احتياجات المستشفيات في المقام الأول، كما تضمنت عدم تسرب أي من تلك الكميات إلى حركة حماس والمقاومة، لعدم استخدامها في الأعمال العسكرية".
طلبت مصر تفسيرات بشأن الاستهدافات التي طاولت مصالحها
وقال المصدر إنه "بدا واضحاً من مناقشات الوفد الإسرائيلي، الذي ترأسه منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، غسان عليان، أن هذا التحرك ربما يكون جاء تحت وطأة الضغوط الشعبية الغربية التي أحرجت الأنظمة هناك جراء تصاعد العدوان واستهداف المدنيين والأطفال وفشل إسرائيل في ترويج روايتها الخاصة بالدفاع عن النفس واستهداف البنية الخاصة بحركة حماس والمقاومة، بالإضافة إلى الحرج المتصاعد للإدارة الأميركية في ظل تنامي الأصوات الرافضة لسياسة الضوء الأخضر المفتوح لإسرائيل.
وتابع المصدر: "بدا واضحاً أيضاً أن هناك توجهاً لتخفيف الكثافات العددية في المواقع التي تستهدف القوات الإسرائيلية الوصول إليها من أجل تنفيذ عمليات عسكرية بها، وفي مقدمتها بعض مستشفيات القطاع التي يتشكك الجانب الإسرائيلي في وجود أنشطة للمقاومة في محيطها، وهو ما دفعه للقبول بتصورات مرتبطة بخروج المصابين للعلاج في الخارج، سواء في مصر أو في عدد من الدول الأخرى".
وكشف أن "رئيس الوفد، أكد للمسؤولين في مصر تقديم عدد ممن سماهم أصدقاء إسرائيل عروضاً لاستضافة أعداد كبيرة من المصابين لعلاجهم في الخارج خلال الأيام المقبلة".
كذلك كشف المصدر عن أن "مباحثات الوفد الإسرائيلي تضمنت كذلك الترتيبات مع مصر بشأن استقبال المستشفيات العائمة في السواحل المصرية القريبة من سيناء ومعبر رفح"، مؤكداً أن "تل أبيب تواصلت مع عدد من الدول الأوروبية، التي أكدت إرسالها مستشفيات عائمة لاستقبال جرحى القطاع".
الوساطة الخاصة بالأسرى تكاد تكون شبه متوقفة في الوقت الراهن
وأوضح المصدر أن الوفد الإسرائيلي "أعاد طرح مقترح استقبال مصر أعداداً من سكان القطاع، بهدف خلخلة الكتلة المتكدسة في الشمال الفلسطيني والمناطق التي تستهدف إسرائيل الدخول إليها في إطار الهجوم البرّي لحين انتهاء العمليات، وهو ما قوبل بالرفض ذاته والموقف المصري المتشدد من هذا المقترح". وأضاف أن الوفد "على ضوء ذلك حاول الوقوف على البدائل المطروحة من جانب مصر في إطار التعاطي مع الوضع الإنساني في القطاع".
وعلى صعيد الوساطة الخاصة بالأسرى، قال المصدر المصري إنها "تكاد تكون شبه متوقفة في الوقت الراهن، في ظل تشكك من جانب حماس بنوايا الجانب الإسرائيلي، واعتبار تحركات حكومة بنيامين نتنياهو على صعيد هذا الملف تأتي جميعها في إطار المراوغات السياسية للتحايل على الشارع الإسرائيلي، وعدم الرغبة من جانبه بإطلاق سراحهم عبر آلية المفاوضات غير المباشرة مع الحركة على أمل تحريرهم عبر العملية العسكرية".
قائمة بخسائر مصر
في مقابل ذلك، كشف المصدر عن أن "المسؤولين في جهاز المخابرات العامة المصرية سلموا الوفد الإسرائيلي قائمة بالخسائر والاستهدافات الإسرائيلية لمصالح مصرية في قطاع غزة، إضافة إلى إنشاءات ضمن المنحة المقدمة من مصر لسكان القطاع في أعقاب حرب 2021، حيث لحقت أضرار كبيرة بمدينة دار مصر في منطقة الزهراء، وكذلك في جباليا وبيت لاهيا". وأوضح المصدر أن القاهرة "طلبت تفسيراً واضحاً بشأن تلك الاستهدافات، محمّلة إسرائيل المسؤولية عن الخسائر المادية الكبيرة في هذا الإطار".
تجدر الإشارة إلى أن هذه الزيارة تعد الثانية من نوعها لوفد أمني إسرائيلي إلى القاهرة منذ اندلاع العدوان على قطاع غزة، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث كانت الزيارة الأولى خلال الأسبوع الأول من الحرب.
وفي السياق، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية بالقاهرة، سعيد صادق، لـ"العربي الجديد"، إن "موضوع الترانسفير مستبعد أصلاً من الأطراف المعنية في كل من مصر والأردن والفلسطينيين، بالإضافة إلى السعودية وتركيا وإيران، كما أن الشعوب العربية ترفضها، والذي يدعو للترانسفير هي أميركا وإسرائيل"، مضيفاً أن "سيناريوهات ما بعد حرب غزة متروكة للدول العربية وأميركا وأوروبا، وليس لطرف واحد يقررها".
ولفت إلى أن "الأيام المقبلة، وحتى حلول موعد القمة العربية (غير العادية) في الرياض في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، سوف تجري أحداث كثيرة تؤثر على القرارات"، مشدداً على أنه "إذا استمرّ صمود حماس ستضطر القمة لاتخاذ قرارات، ولو مؤقتة، بتجميد التطبيع مع إسرائيل".
وفي الإطار، قال أستاذ العلوم السياسية المصري عصام عبد الشافي، لـ"العربي الجديد"، إن "الحديث حول زيارات الوفود الإسرائيلية المتكررة إلى القاهرة، والمصرية إلى تل أبيب، وأيضاً الاجتماع الذي جمع وزراء خارجية مصر والأردن والإمارات والسعودية والولايات المتحدة، فإننا سنجد مجموعة من الملفات المهمة التي أعتقد أنه يتم التفاوض والنقاش حولها".
وأوضح عبد الشافي أن "الملف الأول هو فتح المعابر". وأضاف أن "الملف الثاني هو ملف توطين الفلسطينيين في عدد من دول الجوار، وخصوصاً مصر". وتابع: "الملف الثالث هو ملف صادرات الغاز الطبيعي إلى مصر، خصوصاً أنها متوقفة خلال الأسابيع الماضية، ما ترتبت عليه أزمة كبيرة بالكهرباء في مصر". أما "الملف الرابع فيرتبط بمحاولة النظام المصري الحصول على مساعدات اقتصادية عاجلة، وأعتقد أنها ستكون أحد المواضيع المطروحة للنقاش في ظل تداعيات الأزمة". أما الملف الخامس، برأيه، فهو ملف الهجمات التي يقوم بها الحوثيون وهو ما أصبح أحد ملفات التنسيق الأمني بين الطرفين.