أعلنت كندا، الخميس الماضي، عن برامج هجرة مؤقتة لأقارب الكنديين والمقيمين الدائمين المتضررين من حرب غزة، محذرة من أن عملية الإجلاء من القطاع ستواجه صعوبة حيث تعتمد على موافقة إسرائيل. وبحسب دائرة الهجرة واللجوء والمواطنة الكندية التابعة للحكومة الكندية، فإن القرار يشمل الإسرائيليين والفلسطينيين في كل الأراضي المحتلة المتضررين من الحرب، لتسهيل ما يمكن وصفه بأنه أقرب إلى "توسيع لمّ الشمل"، ويمنح إقامات "مؤقتة" (ما يتحول غالباً إلى إقامة دائمة لدى تلبية شروط معينة).
وبينما يواصل جيش الاحتلال استهدافه مدنيي غزة حاصداً أرواح أكثر من 20 ألف شخص منذ 7 أكتوبر، جلّهم من النساء والأطفال، فإن حكومته لم تخف منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب نواياها إحداث نكبة جديدة، حيث برز الضغط على مصر خصوصاً لنقل أبناء غزة إلى سيناء، كجزء من مخطط لتفريغ القطاع من سكّانه".
تصورات إسرائيلية لتهجير سكّان غزة
وبينما رفضت القاهرة ذلك رسمياً، وحذرت من خطط الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية، واصلت حكومة بنيامين نتنياهو مساعيها، حيث كشف، في أكتوبر الماضي، عن وثيقة داخلية لوزارة الاستخبارات، حملت تصوراً من قبل وزيرة الاستخبارات جيلا جملئيل لتوطين أهالي غزة داخل الأراضي المصرية، بحيث لا يمكنهم العودة مجدداً إلى القطاع. كما دعت في حينه إلى التعاون مع العديد من الدول وفحص إمكانية استيعابها الفلسطينيين المهجرين من قطاع غزة، وذكرت من بينها كندا وإسبانيا واليونان ودول شمال أفريقيا وغيرها.
سيقوم الإسرائيليون بفحص الأشخاص ويقررون السماح بمغادرتهم
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نشر عضوا لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي، داني دانون عن حزب "الليكود" ورام بن براك عن حزب يش عتيد، مقالاً مشتركاً في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، دعوا فيه إلى "إجلاء طوعي لعرب غزة إلى دول العالم"، وكتبا أن "المنظمات الدولية يمكن أن تلعب دوراً مركزياً في نقل سكان غزة الذين يرغبون بالقيام بذلك إلى البلدان التي توافق على استقبالهم"، معتبرين أنه "حتى عدد أولي صغير نسبياً يبلغ 10 آلاف من سكان غزة لكل دولة مستقبلة، سيخفف بشكل كبير من معاناة السكان ويحسن الوضع في غزة".
واعتبر بن براك، في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية في نوفمبر، أنه "إذا كانت كل غزة لاجئين، فتعالوا نوزّعهم في العالم: هناك 2.5 مليون شخص. كل دولة من بين 100 دولة تستوعب 20 ألف شخص. هذا إنساني ومطلوب، فهم أصلاً لاجئون. أن يكون الشخص لاجئاً في كندا أفضل من أن يكون لاجئاً في غزة".
ورحّب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بالاقتراح حينها، معتبراً أن "الهجرة الطوعية هي الحل الإنساني الصائب"، وأن "دولة إسرائيل لن تصبح قادرة بعد الآن على التعايش مع كيان مستقل في غزة"، وهو ما ردّت عليه الخارجية الفلسطينية بالتنديد على اعتبار أنه جزء من "خطط إسرائيل الكولونيالية والعنصرية".
كندا مستعدة لاستيعاب غزّيين
وجاء الإعلان الكندي الخميس الماضي ليثير الريبة مجدداً من مساعي تهجير أهل غزة، وإفراغ القطاع من سكّانه على أساس عرقي، بما يتلاءم مع المخططات الإسرائيلية، خصوصاً أن عضو الكنيست بن براك سارع للترحيب بالإعلان، كاتباً في تعليق على وسائل التواصل: "أحيي وزير الهجرة الكندي (مارك ميلر) على استعداده لاستيعاب لاجئين فلسطينيين من غزة". وأضاف: "يجب على إسرائيل أن تعمل بالتعاون مع كندا ودول أخرى من أجل السماح لأكبر عدد ممكن من اللاجئين الفلسطينيين بالهجرة خارج قطاع غزة من أجل حياة أفضل".
وكان وزير الهجرة الكندي قد أوضح بعض تفاصيل القرار، خلال مؤتمر صحافي عقده الخميس الماضي، وقال فيه "إن الإجراءات تشمل توسيع معيار الأهلية الذي تستخدمه كندا لإخراج المواطنين والمقيمين الدائمين وأفراد أسرهم المباشرين من المنطقة". وأضاف: "هذا يسمح لنا بإخراج مجموعة أكبر من الأشخاص الذين قد لا يكونون مقيمين دائمين أو كنديين، لكنهم يمثلون في جميع المقاصد عائلة الأشخاص المقربين من كنديين".
وتوقع وزير الهجرة الكندي أن يكون البرنامج الجديد ساري المفعول بحلول 9 يناير/كانون الثاني المقبل، متعهداً بأن عطلات الأعياد لن تعرقل عمل إدارته في هذا الملف. وبموجب القرار، سيتمكن أفراد العائلة، مثل الأشقاء والأحفاد والأجداد، من التقدم بطلب للانضمام إلى برنامج خاص، وبعد الفحوصات، قد يصبحون مؤهلين للعيش في كندا لثلاث سنوات.
تشمل الإجراءات الكندية برنامج تصاريح للدراسة والعمل
لكن ميلر حذّر من أن مغادرة قطاع غزة المحاصر أمر صعب للغاية، مؤكداً أن بلاده ليست لديها أي ضمانات من إسرائيل.
وتقول الحكومة الكندية إنه حتى 3 ديسمبر/كانون الأول الحالي، وصل أكثر من 600 شخص جرى إجلاؤهم من قطاع غزة إلى كندا.
وفي القرار الجديد، أوضح ميلر أن الحكومة الكندية الليبرالية بقيادة جاستن ترودو ستمنح تصريح إقامة مؤقتة لمدة 3 سنوات لكل شخص يرغب بمغادرة غزة وتربطه علاقة قرابة عائلية بمواطن كندي (زوج أو زوجة، أو أبناء، أو أحفاد، أو أشقاء، أو أهل، أو جد أو جدة...)، مضيفاً: "نحن نعلم أن العديد من الكنديين قلقون بشأن سلامة أحبائهم في غزة، ولهذا السبب نعلن عن إجراءات الهجرة المؤقتة هذه".
وذكّر الوزير بأن "كندا لا تحدّد من ومتى أو عدد الأشخاص الذين سيتمكنون من الخروج" عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، مقرّاً بأن "الإسرائيليين لهم القرار، وسيقومون بفحص الأشخاص ويقررون ما إذا كانوا سيغادرون أم لا". وأضاف: "ليست لدينا أي ضمانات حتى الآن وسيكون علينا إجراء مناقشات".
وعلى الموقع الحكومي الكندي لدائرة الهجرة، فإن بياناً حول الإعلان أشار إلى أنه يهدف إلى إصدار إقامات مؤقتة لـ"دعم عائلات كنديين أو مقيمين دائمين في كندا من المنطقة، بالإضافة إلى إسرائيليين وفلسطينيين موجودين فعلاً اليوم في كندا". وتشمل الإجراءات برنامج تصاريح للدراسة والعمل، للفلسطينيين أو الإسرائيليين الموجودين بالفعل في كندا بمفردهم أو مع عائلاتهم، منذ اندلاع النزاع، كما للإسرائيليين أو الفلسطينيين الموجودين حالياً في كندا، والذين يشعرون بأن العودة في هذا الوقت غير آمنة.
وبالنسبة لغزة، فقد خصص الإعلان بعض فقرات، أكدت أن الإجراءات الخاصة الجديدة تهدف إلى التخفيف عن الكنديين القلقين على أحبائهم في القطاع، ولذلك "أُطلقت الآلية لدعم الإقامة الدائمة لعائلات الكنديين أو الذين يحملون الإقامة الكندية، وقالت إن الأشخاص إذا كانوا قادرين على الخروج من غزة، فسيخضعون لكل معايير القبول قبل الموافقة على طلبهم".
وكانت الحكومة الأسترالية قد أعلنت، في 22 نوفمبر الماضي، أنها منحت مئات تأشيرات الدخول المؤقتة لفلسطينيين منذ بدء الحرب. وبحسب وزارة الشؤون الداخلية، فإنه منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر وحتى 20 نوفمبر، جرت الموافقة على 860 فيزا لفلسطينيين لديهم ارتباط بأستراليا.