استمع إلى الملخص
- تعهدت بمواصلة البرامج الاجتماعية والتطويرية للرئيس الحالي، مع التركيز على مكافحة العصابات وتطوير البنية التحتية، وستكون الرئيسة الـ66 للمكسيك وأول سيدة تقود البلاد.
- تواجه تحديات في السياسة الخارجية، خاصة مع الولايات المتحدة والأزمات في هايتي والإكوادور، مع مواقف محددة تجاه القضية الفلسطينية، مؤكدة على البحث عن حلول سلمية وتعهدت بتطوير البلاد ومواجهة التحديات بفعالية.
حققت مرشحة اليسار الحاكم في المكسيك كلوديا شينباوم فوزاً كبيراً في الانتخابات الرئاسية الأحد، على ما أظهرت النتائج الأولى الصادرة عن المعهد الانتخابي الوطني. وحققت رئيسة بلدية مكسيكو سابقاً 58% إلى 60% من الأصوات متقدمة بأشواط على منافستها مرشحة المعارضة سوتشيتل غالفيس، التي يقدر أنها حصلت على 26% إلى 28% من الأصوات في هذا الاقتراع الذي يقام في دورة واحدة على ما قالت رئيسة المعهد غوادلوبيه تاداي. وحصل المرشح الوسطي خورخي الفاريس ماينيس على 9% إلى 10% من الأصوات.
وقالت عالمة المناخ كلوديا شينباوم إن منافسيها اتصلا بها واعترفا بالهزيمة. بعد فترة وجيزة من إعلان السلطات الانتخابية أن عينة إحصائية أظهرت تقدمها بشكل كبير، قالت شينباوم مبتسمة وهي تتحدث في فندق بوسط المدينة: "سأصبح أول امرأة تتولى رئاسة المكسيك". وأضافت: "لقد أثبتنا أن المكسيك دولة ديمقراطية تجري انتخابات سلمية".
وركزت مرشحة الحزب الحاكم في حملتها الانتخابية على مواصلة المسار السياسي الذي حدده على مدى السنوات الست الماضية معلمها السياسي الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور. وستبدأ رئيسة البلاد الجديدة مهامها في 1 أكتوبر/تشرين الأول خلفا للرئيس الحالي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور. وقادت خليفته شينباوم، البالغة من العمر 61 عاماً، الحملة بشكل مباشر بالرغم من التحدي الحماسي من جانب غالفيس. وهذه هي المرة الأولى في المكسيك التي يكون فيها الخصمان الرئيسيان من النساء.
وحملت الانتخابات الرئاسية المكسيكية مفارقات عدة وثابتة واحدة. الثابتة هي نجاح حزب "حركة التجديد الوطنية" اليساري الحاكم، المعروف بـ"مورينا"، في تأمين استمراريته في السلطة بفوز مرشحته كلوديا شينباوم بالرئاسيات بفارق كبير عن منافسيها. وإذا كانت الثابتة بمفهومها السياسي المحافظة على موقع اليسار على رأس أكبر دولة في أميركا الوسطى، ما يعني عدم حصول تبديلات جوهرية في السياسات الداخلية والخارجية، غير أن المفارقات العديدة فرضت نفسها في انتخابات الأحد.
كلوديا شينباوم... أول سيدة تقود البلاد
وعنت النتائج الرسمية الأولية أن شينباوم ستكون الرئيسة الـ66 للمكسيك منذ إنشاء الجمهورية الأولى في عام 1824، وأول سيدة تقود البلاد، فضلاً عن كونها أول رئيسة من أصول يهودية في بلاد كاثوليكية الطابع. وبذلك، باتت شينباوم ثالث رئيسة يهودية في العالم حالياً، بعد إسحق هرتسوغ في إسرائيل، وفولوديمير زيلينسكي في أوكرانيا.
ومن غير المتوقع حصول تغييرات كبيرة في السياسات الداخلية المكسيكية، كون شينباوم المنتمية إلى "مورينا" ستواصل الاعتماد على البرامج الاجتماعية التي أرساها لوبيز أوبرادور، والانطلاق من عملها عمدة للعاصمة مكسيكو بين عامي 2018 و2023. في تلك الفترة، مرّت البلاد والعاصمة بأحداث عدة، بدءاً من تفشي وباء كورونا، مروراً بالزلازل والهزات الأرضية التي ضربت العاصمة والبلاد، وصولاً إلى تخصيص اعتمادات مالية لتطوير البنى التحتية في مكسيكو سيتي ومكافحة الجرائم، وذلك على الرغم من الانتقادات المحلية لعجزها عن معالجة نظام المترو، خصوصاً بعد كارثة 3 مايو/أيار 2021، حين انهارت أجزاء من مسارات المترو بين محطتي أوليفوس وتيزينكو، مودية بحياة 26 شخصاً وجرح 80 آخرين.
ولنجاح شينباوم في العاصمة، ثم في الرئاسيات، أسباب عدة، منها ما عزاها الخبير في مركز أبحاث الحوار بين الأميركتين في واشنطن مايكل شيفتر إلى "ذكائها والتزامها بالقضايا الشعبية مثل الطاقة المتجددة والتعليم"، بحسب حديثه إلى وكالة فرانس برس، إلا أنها أيضاً ركّزت في دعواتها للناخبين على أنها ستواصل العمل بسياسات لوبيز أوبرادور، وفقاً للأكاديمي كارلوس برافو ريغيدور، الذي اعتبر في حديثٍ مع وكالة فرانس برس أن شينباوم "استفادت من الشبكة الواسعة لحزب مورينا الحاكم ودعم أجهزة الدولة". كما أن شينباوم ستواصل حملة السلطة المكسيكية، التي بدأت في عام 2006، ضد العصابات في أنحاء مختلفة من البلاد، تحديداً في الشمال على الحدود مع الولايات المتحدة، ذلك لأن استفحال العنف أدى إلى مقتل 37 مرشحاً للانتخابات الأخيرة، التي لم تكن رئاسية فقط، بل شملت 20 ألف مقعد في مجلسي الشيوخ والكونغرس (البرلمان) وفي الولايات والبلديات.
ملفات خارجية.. وتحديات أمام كلوديا شينباوم
وإذا كان هامش الحراك في السياسات الداخلية ضيّق، فإن السياسات الخارجية تبدو أكثر إلحاحاً، تحديداً في العلاقة مع الولايات المتحدة، التي ستجري انتخاباتها الرئاسية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وستختار البلاد إما رئيسها الحالي الديمقراطي جو بايدن، أو السابق الجمهوري دونالد ترامب. وأهمية الانتخابات بالنسبة للمكسيكيين تكمن في أن ترامب خصوصاً رفع سقف المواجهة مع لوبيز أوبرادور، سابقاً، في ما يتعلق بإغلاق الحدود بين البلدين لوقف الهجرة غير النظامية. في المقابل، فإن بايدن سعى إلى استيعاب الوضع عبر برامج مخصصة لهذا الغرض. غير أن شينباوم كانت حذرة في تأييد أي من الشخصين في الرئاسيات الأميركية، إذ قالت لصحافيين أجانب في منتصف شهر مايو/أيار الماضي: "أعتقد أن علاقاتنا ستكون جيدة، سواء مع (الرئيس السابق دونالد) ترامب أو (الرئيس الحالي جو) بايدن. إن الأميركيين بحاجة إلينا. ونحن بحاجة إليهم".
وعدا الولايات المتحدة، فإن أمام شينباوم ملفات أخرى، خصوصاً في الحيّز الجغرافي للمكسيك، سواء في موضوع هايتي التي غرقت في أزماتها الداخلية مع سيطرة العصابات على قطاعات واسعة من العاصمة بور أو برنس، أو مع الإكوادور التي قُطعت العلاقات الدبلوماسية معها على خلفية اعتقال كيتو، نائب رئيسها السابق خورخي غلاس، في 5 إبريل/نيسان الماضي، بعدما لجأ إلى السفارة المكسيكية في الإكوادور التي منحته اللجوء السياسي. واقتحمت قوات إكوادورية السفارة واعتقلت غلاس، ما دفع لوبيز أوبرادور إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإكوادور، ورفع دعوى قضائية ضدها أمام محكمة العدل الدولية في 11 إبريل الماضي، بتهمة "انتهاك القانون الدولي". طلبت المكسيك من المحكمة منح تعويضات، وتعليق عضوية الإكوادور في الأمم المتحدة. لكن كيتو ردت بدعوى مماثلة أمام المحكمة نفسها، متهمة المكسيك باستخدام سفارتها "لحماية السيد غلاس من إنفاذ الإكوادور قانونها الجنائي".
موقفها من القضية الفلسطينية
بعيداً عن الإقليم، فقد كان لشينباوم مواقف عدة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، سواء في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي بدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أو في عدوان مماثل ارتكبه في عام 2009. في 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أي بعد يومين من عملية "طوفان الأقصى" وبدء الحرب الإسرائيلية على القطاع، دانت شينباوم "الهجمات على المدنيين خلال الصراع في قطاع غزة". ونقلت قناة تيليداريو المكسيكية عنها قولها: "يجب أن ندين أي شكل من أشكال العنف، لا سيما مهاجمة المدنيين الأبرياء"، مشيرة إلى "ضرورة الاعتراف بحل الدولتين والبحث عن طريقة فورية لتهدئة هذه المنطقة من العالم". وحثت الأمم المتحدة على "العمل من أجل ترسيم الحدود بين الدولتين (الفلسطينية والإسرائيلية) من خلال المعاهدات الدولية". وجاء موقفها رداً على غالفيز، التي دعت شينباوم إلى "إدانة هجمات حماس والتضامن مع المجتمع اليهودي الدولي ومع الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، وكلاهما ضحية للإرهاب".
كان لشينباوم مواقف عدة بما يتعلق بالقضية الفلسطينية، سواء في العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة، أو في عدوان مماثل ارتكبه في عام 2009
غير أن شينباوم التزمت الصمت حين اتهم لوبيز أوبرادور إسرائيل علناً بارتكاب "إبادة جماعية" مستمرة في غزة، وسعى إلى تعزيز الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية. مع ذلك، فقد كان لشينباوم موقف واضح في عام 2009، خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع بين 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 و18 يناير/كانون الثاني 2009، وكتبت في صحيفة محلية: "أدين القصف الإسرائيلي على غزة. لا شيء يبرر قتل المدنيين الفلسطينيين... لا شيء يمكن أن يبرر قتل طفل".
ماذا نعرف عن حياتها؟
شينباوم متحدرة من أصول يهودية أشكنازية من ليتوانيا لجهة والدها، التي غادرها أهله في عشرينيات القرن الماضي، ومن أصول يهودية سفاردية من بلغاريا لجهة والدتها، التي هرب أهلها من المحرقة النازية في أربعينيات القرن الماضي. وقالت لـ"الإذاعة العامة الوطنية" الأميركية، في يوليو/تموز 2018، إنها اعتادت إحياء الأعياد اليهودية في منازل أجدادها حين كانت صغيرة، لكنها علمانية الانتماء. وفي الواقع، فإن والدتها آني باردو كيمو عالمة أحياء، ووالدها كارلوس شينباوم يوزيليفيتز كيميائي، وشقيقها خوليو فيزيائي، وهي نفسها فيزيائية أيضاً، وخريجة الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك "أونام" وجامعة لورنس بيركلي في كاليفورنيا الأميركية. وتقدمت بدراسات عن كيفية تطوير الطاقة في المنشآت المكسيكية، من بنى تحتية وووسائل النقل المشترك. وعملت في "أونام" بدءاً من عام 1995 باحثةً، ونشرت دراسات عدة، نالت بسببها جائزة أفضل باحثة شابة من الجامعة في عام 1999.
وخلال دراستها، انضمت إلى حزب الثورة الديمقراطية اليساري، وبدأت بالصعود في بلدية مكسيكو سيتي، منضمة إلى مكتب لوبيز أوبرادور، الذي كان عمدة العاصمة في حينه في عام 2000. وفي عام 2015، انتُخبت عمدة لبلدة تلالبان، من ضواحي مكسيكو سيتي، قبل الاستقالة في عام 2018، لتُنتخب عمدة للعاصمة. وفي 16 يونيو/حزيران 2023، استقالت من منصبها لخوض المعركة الرئاسية.
(العربي الجديد، فرانس برس)