نصب الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان في 1978 جيشاً عميلاً، "جيش لبنان الجنوبي"، قاده في البداية سعد حداد ثم تولاه أنطوان لحد، من 1984 حتى الانسحاب في العام 2000. كان مناحيم بيغين، أحد قادة عصابات الإرهاب الصهيونية، "شتيرن"، قد عقد "سلاماً وتطبيعاً" مع النظام المصري، قبل اجتياحه للبنان في 1982، حتى وصل إلى حصار بيروت، وارتكاب مذبحة صبرا وشاتيلا، تحت مقولة بيغين: "كلاب يقتلون كلاباً"، وذلك في إطار وصفه للعرب وتبرئة الغزاة من المذبحة.
هذا يعني ببساطة، لو أراد المُطبعون معرفة جوهر الصهيونية، أن كل ادعاء حول "التطبيع" على أنه "مصلحة لفلسطين وشعوب المنطقة"، ليس إلا ورقة لستر عورة الحقيقة. فالمصريون، كشعب، يدركون أن سيناء المستعادة مكبلة، كبقية الوعود الكاذبة بـ"الرخاء والتقدم"، كما أشاع منظرو "كامب ديفيد"، وغيرها لاحقاً، بما فيها أوسلو ووادي عربة، ومحللو التطبيع، المباشر وغير المباشر، وبعضهم ينحت هذه الأيام في الدين تبريراً.
جميعنا يعرف أن لا أحد في أنظمة الحكم الشمولي يُعبر عن "رأي" في شعب وساسة بلد إلا إذا كانت سلطته أومأت بذلك. فانضمام بندر بن سلطان إلى الكتيبة الممهدة للتطبيع، بتحميل الضحية مسؤولية تهجيرها عن أرضها واحتلال وطنها، يشكل باكورة أجواء وقاحة تزوير "أنسنة" السارقين والناهبين لبيوت فلسطينيي النكبة، وهو ما أكدته دراسات عبرية أخيراً.
وعليه تأتي دعوات أوليغارشيا الاستبداد، ممن يسمون "رجال أعمال"، ليتخلى الفلسطينيون عن حق عودتهم، غير القابل للتصرف، وفق "القرار 194". والأعجب، بين المهرولين، أن تصير مناصرة العدالة والحرية مرتبطة بقرب وبعد جغرافي، كما عبر عنها في السودان نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي".
كتيبة التطبيع تعبر عن "ضجر" من معاناة الآخرين (من فلسطين ولبنان وسورية والعراق إلى اليمن)، باستحضار تفجع زائف عن "تدخل" قوى إقليمية، إيران وتركيا تحديداً. وفي هذه المناسبة يعرف العربي إلى أين أدت الصبيانية السياسية لمواجهة تمدد طهران، التي يتوهمون أن الاحتلال سيحاربها دفاعاً عن عروشهم. بالمختصر، أوهام رفع الفلسطينيين الراية البيضاء ستبقى أحلام يقظة.