كامالا هاريس... المصادفة جزء من سيرتها

05 نوفمبر 2024
هاريس في أتلانتا ـ جورجيا، 2 نوفمبر 2024 (ميلينا مارا/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مسيرة كامالا هاريس السياسية والاجتماعية: وُلدت في كاليفورنيا لأبوين مهاجرين، وبدأت كمدعية عامة، حيث ركزت على العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وشاركت في حركات مثل "حياة السود مهمة" و"مي تو".

- دورها كنائبة للرئيس وتأثيرها السياسي: كأول امرأة نائبة للرئيس، ساعدت في تمرير قوانين هامة، وواجهت انتقادات في ملف الهجرة، وتروج لأجندة تقدمية تشمل حقوق المثليين والهجرة.

- مواقفها في السياسة الخارجية والتحديات: تدعم أوكرانيا وحلف الناتو، وتدعو لحل الدولتين في القضية الفلسطينية، وتواجه انتقادات لعدم وصفها العدوان الإسرائيلي بالإبادة الجماعية.

يوحي مسار المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأميركية، كامالا هاريس، التي في حال فوزها بانتخابات اليوم ستُصبح أول امرأة رئيسة لأميركا وهو ما عجزت هيلاري كلينتون عن تحقيقه في عام 2016، بأن المصادفة جزء من سيرة حياتها، منذ ولادتها في أوكلاند ـ كاليفورنيا، في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1964. ولا يتعلق الأمر فقط بتحولها إلى المنافسة الرئيسية للمرشح الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب، للرئاسيات الأميركية المقررة اليوم الثلاثاء، بل أيضاً في أن ظروف صعودها السريع، وتحولها إلى الأمل الأوحد للحزب الديمقراطي أمام شخص تسيّد الواجهات الإعلامية والسياسية في الولايات المتحدة طيلة عقود، يجعلها في مصاف المرأة التي جمعت كل التحولات الليبرالية في التاريخ الأميركي المعاصر في شخصها.

تقاطعات على درب كامالا هاريس

تُشكّل كامالا هاريس نموذجاً لتقاطع مسائل وطرق عدة طبعت الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد عصر الحقوق المدنية، في ستينيات القرن الماضي. والدتها مهاجرة هندية، ووالدها مهاجر جامايكي. مولودة في كاليفورنيا، الولاية الأكثر تعبيراً عن تقدمية الحزب الديمقراطي. عملت مدّعية عامة في قضاء هذه الولاية. رافقت مراحل انتخاب أول رئيس أسود في تاريخ البلاد، باراك أوباما (2009 ـ 2017). وشهدت كامالا هاريس حراك "حياة السود مهمة" بعد مقتل جورج فلويد على يد الشرطة في مينيابوليس ـ مينيسوتا في 25 مايو/أيار 2020، من خلال موقعها عضوة في مجلس الشيوخ، بتقديمها "قانون جورج فلويد للعدالة" في الكونغرس مع السيناتور كوري بوكر والنائبة كارين باس. والقانون متعلق بمساءلة جهات إنفاذ القانون من جهة، وتعزيز علاقاتها مع المجتمعات التي تحميها من جهة أخرى. مرّ القانون في مجلس النواب في عام 2021، لكنه ظلّ عالقاً في مجلس الشيوخ.

تسلّط هاريس الضوء على ملفات مثل الهجرة والإجهاض والطبقة المتوسطة

كذلك شاركت كامالا هاريس في حركة "مي تو (أنا أيضاً)" المناهضة للتحرش الجنسي إثر تفجر قضية المنتج السينمائي هارفي وينستين في عام 2017 التي اتُهم فيها بالاعتداء على النساء، مشدّدة على أن "التحرش الجنسي غير مناسب في كل الظروف وبكل الطرق". وإذا كانت بادرت للتحرك في القضايا السابقة، فإن هاريس  تابعت بصفتها نائبة للرئيس التحولات الفكرية الكبيرة في صفوف الجامعات الأميركية، التي تُرجمت بدعم هائل من الطلاب للقضية الفلسطينية بعد بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، في السابع من أكتوبر 2023 من دون أن تقدم أي دعم لهم. وبينما أعربت في يوليو/تموز الماضي عن "تعاطفها مع المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين" في الجامعات، فقد أضافت أنها لا تتفق مع جميع مواقفهم. واعتبرت أن "هناك أشياء يقولها بعض المتظاهرين وأنا أرفضها تماماً، لذلك لا أقصد تأييد نقاطهم بالجملة. لكن علينا أن نبحر فيه. أنا أفهم العاطفة الكامنة وراء ذلك".

وفي طفولتها كانت هاريس جزءاً من مشاركة والديها في تظاهرات الحقوق المدنية، بقيادة مارتن لوثر كينغ. وفي نهاية ستينيات القرن الماضي، وبينما كانت الولايات المتحدة تحاول التخلص من تاريخها العنصري وتحاول إنهاء الفصل العنصري في التعليم، كانت هاريس واحدة من الأطفال الذين عانوا من الفصل العرقي. وخلال ترشحها للانتخابات التمهيدية في رئاسيات 2020، هاجمت كامالا هاريس بايدن، مشيرة إلى أنه كان من الرافضين للحافلات المختلطة بين السود والبيض بما هي وسيلة لدمج المدارس العامة، في مطلع السبعينيات حين كان في بداياته سيناتوراً لولاية ديلاوير. وذكرت هاريس بحادثة شخصية في حينه، قائلة "كانت هناك فتاة صغيرة في كاليفورنيا. كانت من ضمن الصف الثاني الذي شمله الاختلاط في مدرستها، وكانت تنتقل بالحافلة إلى المدرسة كل يوم... تلك الفتاة الصغيرة هي أنا".

وبعد سنوات اختارها بايدن نائبة له، لمقارعة ترامب قبل أن يتغير مسارها مرة جديدة اعتباراً من 22 أغسطس/آب الماضي، مع قبولها تسمية الحزب الديمقراطي مرشحة له في الرئاسيات الأميركية، خلفاً للرئيس جو بايدن، الذي تنحّى عن السباق الرئاسي في 21 يوليو/تموز الماضي، إثر فشله في مناظرته الوحيدة ضد ترامب في 27 يونيو/حزيران الماضي. ومع أن هاريس شدّدت منذ بدء الانتخابات التمهيدية للرئاسيات الأميركية داخل الحزب الديمقراطي، في يناير/كانون الثاني الماضي، على دعمها المطلق لبايدن، رافضة الترشح لهذا السباق، إلا أنها دائماً ما كانت تُظهر من خلال صمتها الزائد، نياتها في خلافته. أحياناً كثيرة كان بايدن يواجه الأزمات بمفرده، من دون خطوط دفاعية من نائبته، التي نشرت فيديو لها في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بعد أيام على الانتخابات الرئاسية في الثالث من الشهر نفسه، وهي تتصل ببايدن قائلة: "فعلناها يا جو. ستكون الرئيس الأميركي الجديد".

خلال عملها في البيت الأبيض نائبة لبايدن، ساعدت كامالا هاريس في تمرير قانون خفض التضخم وخطة الإنقاذ الأميركية، والتي قدمت مدفوعات التحفيز مع تفشي وباء كورونا. غير أن الانتقادات توجّه إليها دائماً في ملف الهجرة الذي كلّفها به بايدن، ويعد ثغرة كبيرة للإدارة الحالية، وسط تدفق قياسي للمهاجرين غير المسجلين على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. كما سلطت هاريس الضوء بشكل كبير على حظر الإجهاض، بعدما ألغت المحكمة العليا عام 2022 القرار القضائي "رو ضد وايد" والذي يمتلك قوة القانون منذ أصدرته المحكمة العليا عام 1973 لضمان الحق في الإجهاض، وبنت كامالا هاريس خطابها الرئيسي خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي في أغسطس الماضي، ضد ترامب والجمهوريين، باعتبارهم مهندسي الجهود غير الشعبية لتقييد الوصول إلى الإجهاض في جميع أنحاء البلاد، ووعدت باستعادة الحماية التي يوفرها قرار "رو ضد وايد".

تروّج نائبة بايدن لمواقفها التقدمية في ما يتعلق بالهجرة وحقوق المثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية وقضايا أخرى، وتعد بتنفيذ أجندة تقدمية ترفع من شأن أسر الطبقة المتوسطة. بذلك، تكون هاريس قد رسمت خطاً داخلياً مختلفا تماماً عن خط ترامب المروّج لمفاهيم أكثر انغلاقاً في السياسات الأميركية. أما في الملفات الخارجية، فإن هاريس ملتزمة بالخطوط العريضة للحزب الديمقراطي بشأن القضية الفلسطينية، وضرورة أن تكون للفلسطينيين دولتهم، لكنها لم توضح كيفية الفصل بين تأييدها حماية الفلسطينيين في غزة و"حق إسرائيل في الدفاع عن النفس".

كما أنها رفضت منح حركة "غير ملتزم" المجال لسماع الصوت الفلسطيني في التجمعات الانتخابية، فضلاً عن امتناعها عن وصف العدوان الإسرائيلي على غزة بـ"الإبادة الجماعية"، في 19 أكتوبر الماضي، حين تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مقطعاً مصوراً، لشاب قاطع كلمة هاريس في جامعة ويسكونسن، متوجهاً لها بالقول: "أنت تساعدين على قتل 19 ألف طفل وهذه إبادة جماعية". وتدخل حرس هاريس على الفور لمحاولة إسكات الشاب، وخلال إخراجه من المكان، بقي يسألها "ماذا عن 13 ألف طفل قتلوا.. ماذا عن عشرات آلاف النساء، أليست هذه إبادة جماعية؟". وردت هاريس: "أنا أريد وقف إطلاق النار، أريد للحرب أن تنتهي".

وبعيداً عن فلسطين، لم تتردد كامالا هاريس في تأييد أوكرانيا عقب الغزو الروسي، حتى أنها شاركت مع رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة، نانسي بيلوسي، في استقبال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في 21 ديسمبر/كانون الأول 2022، وصفقت له مطولاً. وفي 21 أكتوبر الماضي، قالت هاريس خلال تجمّع انتخابي في ميتشيغين، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "سيجلس في كييف"، عاصمة أوكرانيا، إذا انتُخب ترامب، في إشارة إلى أن مسار الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا سيتواصل معها. وتؤيد هاريس حلف شمال الأطلسي "ناتو"، إذ قالت في الثالث من أكتوبر الماضي في هذا الصدد: "لقد أوضحت مراراً أن حلف ناتو هو أعظم تحالف عسكري شهده العالم على الإطلاق، والتزامي بهذا الحلف صارم"، مشددة في تصريحات صحافية على أنه "سأعمل والرئيس جو بايدن عن كثب مع الأمين العام الجديد للحلف، مارك روته أثناء توليه مهامه في بروكسل".


صمتت هاريس مراراً أمام الهجمات التي تعرض لها بايدن

تاريخ قضائي وسياسي

ولم يكن نموذجها في العمل مقتصراً على سنوات نيابتها لبايدن، بل إنه عندما تم انتخابها لمنصب المدعي العام في سان فرانسيسكو ـ كاليفورنيا، في 2003، كانت هاريس أول امرأة تشغل المنصب في المدينة، وقدمت برنامجاً للحد من الإجرام في الولاية، تم اعتماده لاحقاً على المستوى الوطني في إدارة أوباما. وهدف البرنامج إلى الحد من تكرار الإجرام عن طريق جعل المجرمين غير العنيفين ومنخفضي المستوى يؤدون خدمات للمجتمع ويكملون دورات تدريبية، مما أسهم في خفض معاودة ارتكاب الجرائم مرة أخرى من 50 إلى 10% فقط.

وفي عام 2010 ترشحت كامالا هاريس لمنصب المدعي العام لولاية كاليفورنيا، وعارضت خلال فترة ترشحها تقنين مخدر الماريغوانا، وعارضته لاحقاً أثناء ترشحها لانتخابات مجلس الشيوخ في 2016، قبل أن تدعم بعد ذلك تقنين المخدر في 2018. مثّلت هذه القضية أول الاختلافات الكبيرة بينها وبين التقدميين في الحزب الديمقراطي. وفي عام 2016 انتُخبت هاريس عضوة في مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا. عندما وصلت إلى العاصمة واشنطن في يناير 2017، كانت واحدة من ثلاثة أعضاء سود فقط في مجلس الشيوخ، وواحدة من اثنين من الأميركيين الآسيويين. واختيرت عضواً في لجنة الاستخبارات والأمن القومي، وسريعاً ما اكتسبت سمعة جيدة لأسلوبها في الاستجواب خصوصاً في ظل قرارات وتغييرات كبيرة واستجوابات سريعة لأنصار ترامب ورجاله.