كادوقلي.. "الحركة الشعبية" تفتح جبهة جديدة للقتال في السودان

19 اغسطس 2023
من احتفالات سابقة باستعادة الجيش السوداني المدينة (Getty)
+ الخط -

انضمت مدينة كادوقلي، غربيّ السودان، إلى قائمة المدن المتأثرة بالحرب، وذلك عقب فتح الحركة الشعبية لتحرير السودان، فصيل عبد العزيز الحلو، جبهة جديدة للقتال هناك.

وحاولت حركة الحلو الدخول إلى المدينة والسيطرة عليها بعد مسيرة تقدم في مناطق أخرى من ولاية جنوب كردفان، بعد استئنافها القتال ضد القوات الحكومية المشغولة منذ منتصف إبريل/نيسان الماضي بالحرب ضد قوات الدعم السريع.

والأربعاء الماضي، قال الجيش السوداني إنه "صدّ هجوماً على مدينة كادوقلي، وكبّد متمردي الحركة الشعبية خسائر في الأرواح والمعدات، وهو الهجوم الثالث من نوعه، دون أن يحقق مبتغاه بالسيطرة على المدينة ذات المكانة الاستراتيجية".

وتقع كادوقلي التي تبعد عن العاصمة الخرطوم نحو 589 كيلومتراً، في أعالي واحد من الجبال الممتدة بولاية جنوب كردفان، وهي الولاية المعروفة أيضاً باسم جبال النوبة.

 والمدينة من أهم المراكز التجارية بالبلاد، وعرفت مع ولايات أخرى بحزام الصمغ العربي، وفيها كميات كبيرة من الماشية، وتتصل كادوقلي بطرق تربطها بمدينة الأبيض، ومنها للخرطوم، ويعيش في المدينة عدد من القبائل، مثل النوبة وعرب الحوازمة والداجو والفلاتة والبرنو، كذلك هُجّرت إليها قبائل من وسط وأقصى شمال السودان.  

ولمدينة كادوقلي تاريخ ممتد من الحروب، مثلها مثل بقية مناطق جبال النوبة، التي شهدت تمرداً على الحكومة المركزية بواسطة الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الزعيم الجنوب سوداني جون قرنق، وذلك في الفترة من عام 1983 إلى عام 2005.

لمدينة كادوقلي تاريخ ممتد من الحروب

 ومن المدينة انطلقت شرارة التمرد الثانية بواسطة الحركة الشعبية شمال مرة أخرى في عام 2011 للمطالبة بحكم ذاتي، لكن المدينة شهدت استقراراً أمنياً منذ عام 2017 حينما توافق كل من نظام الرئيس المعزول عمر البشير مع الحركة الشعبية لتحرير السودان فصيل عبد العزيز الحلو على وقف العمليات العدائية، وجُدد بعد سقوط نظام البشير وتكوين الحكومة الانتقالية، ثم ما بعد انقلاب قائد الجيش في 25 أكتوبر/ تشرين أول 2021.

واستغلت الحركة الشعبية، حرب الجيش مع قوات الدعم السريع، وبدأت منذ يونيو/حزيران الماضي بشنّ هجمات على نقاط وتمركزات الجيش، إلى أن سيطرت على كل محلية كادوقلي والريف الشرقي باستثناء كادوقلي العاصمة والكويك، وانسحب الجيش من مناطق دلوكه وأم شعران والحمره والعفين والكرقل والدوشول وعبري وكدبر وصقلي وابوسنون.

 كذلك سيطرت الحركة الشعبية على كل من محليات هيبان وأم دورين وكل محلية الدلنج باستثناء مركزها مدينة الدلنج، وتمددت أخيراً في مناطق الرطيرط والضعين وأجزاء من محلية هبيلا.

ونشطت الحركة الشعبية في الأيام الماضية، في الهجوم على كادوقلي من 3 محاور: غرب، شرق وجنوب المدينة، إضافة إلى الطريق بين الدلنج وكادوقلي.

قلق مستمر

 وطبقاً لمراقبين، هناك تحدثوا لـ"العربي الجديد"، "لم تجد الحركة الشعبية في توسعها تصدياً من قبل الجيش، وحتى من قبل قوات الدفاع الشعبي، إحدى الأذرع التي اعتمد عليها الجيش في أزمان وحروب سابقة في المنطقة".

ويقول المواطن أحمد حسين، أحد سكان مدينة كادوقلي، إن "القلق المستمر والخوف يسيطران على المواطنين في المدينة نتيجة للاشتباكات العنيفة بين الجيش والجيش الشعبي"، مشيراً إلى أن "عدداً من المنازل تساقطت عليها القذائف في الأيام الماضية، تحديداً في أحياء الدرجة الثالثة، والقادسية، وكيدمو، والزندية، وأم بطاح، الواقعة شرقيّ المدينة، حيث يشتد القتال بين الجيشين".

وأوضح حسين لـ"العربي الجديد"، أن مئات الأسر نزحت من شرق المدينة إلى غربها وتوزعت على المدارس بينما عاش بعضهم في العراء أو تحت ظلال الأشجار"، لافتاً إلى أن سقوط القذائف أدى إلى مصرع وإصابة مدنيين".

ولفت المواطن السوداني إلى أن "معاناة السكان تزداد مع قفل طريق كادوقلي الدلنج بواسطة قوات الحركة الشعبية، ما أدى إلى ندرة وارتفاع في أسعار السلع، لأن التجار يستخدمون طرقاً بديلة أكثر تكلفة، كما شهد سوق الدواء ندرة في كثير من الأدوية، بما فيها أدوية الأمراض المزمنة والمنقذة للحياة".

 وأكد حسين أن المواطن في كادوقلي بحاجة إلى أمان واستقرار في السلع وضمان الإمداد الغذائي.

ولا يستبعد أستاذ العلوم السياسية في عدد من الجامعات السودانية، صلاح الدين الدومة، "تمكن جيش الحركة الشعبية من دخول مدينة كادوقلي وفرض السيطرة الكاملة على جنوب كردفان في ظل انشغال الجيش كلياً بالحرب مع الدعم السريع".

 لكن الدومة أشار لـ"العربي الجديد"، إلى أن "أي خطوة أحادية من قائد الحركة عبد العزيز الحلو بإعلان دولة أو حكم ذاتي للإقليم لن يجد تأييداً من المكونات السياسية والقبلية في الولاية، ولا اعترافاً من القوى الإقليمية والدولية".

وحول مدى قبول المكونات القبلية والسياسية في ولاية جنوب كردفان بحكم الحركة الشعبية، أكد الدومة أن الحلو وغيره من القيادات السياسية لا يأبه لرأي الناس ويفرض أجندته بوسائل أخرى.

تصرفات "خرقاء"

ويصف النذير العاقب، وهو عضو في الحركة الشعبية، فصيل مالك عقار، تصرفات عبد العزيز الحلو في كادوقلي وأجزاء أخرى من جنوب كردفان بـ"الخرقاء وغاية الهمجية، ولاسيما أنه سبق للحلو أن وقَّع اتفاق هدنة مع الحكومة السودانية بجوبا بعدم مهاجمة الجيش".

وبيّن العاقب أن الحلو "جُبل على الغدر وعدم التزام الاتفاقيات، والانطلاق من محطة الدكتاتورية المحضة باتخاذ القرارات الخاطئة في الوقت الخطأ، بدليل أنه عندما أشعل حرب يونيو/حزيران 2011 بجنوب كردفان نتيجة خسارته لانتخابات منصب والي الولاية، لم يستشر أحد قادة الحركة".

وأكد العاقب لـ"العربي الجديد"، أن الحلو "يحاول اجتياح كادوقلي بقصد احتلال الإقليم بأكمله، ومن ثم فرض الأمر الواقع وإعلان قيام دولته المستقلة التي لم ينلها طوال فترات مطالبته بتقرير المصير منذ عام 2017 وحتى الآن".

حرب ثلاثية الأبعاد

أما الصحافي يوسف عبد المنان، فيرى أن "الحركة الشعبية تستطيع السيطرة على كل جنوب كردفان، بما فيها كادوقلي، ولكنها ستواجه مأزق إدارة الحياة المدنية وتوفير ضروريات الحياة من دواء وقوت وتعليم، وهو ما فشلت فيه طوال الأربعين عاماً الماضية خلال سيطرتها على كثير من المناطق".

وأشار عبد المنان لـ"العربي الجديد"، إلى أن الحركة "تختلف عن الدعم السريع، لأنها أكثر تنظيماً وجيشها أكثر التزاماً بالتقاليد العسكرية من حيث الانضباط السلوكي، فالحركة الشعبية دخلت مدناً وقرى، ولكنها لم تمارس النهب والسلب ولا تصفية الحسابات أو التعدي على أعراض الناس وأموالهم، وجنود وضباط الحركة الشعبية لهم سجل جيد وآخر سيّئ في التعاطي مع الشأن المدني".

ويضيف عبد المنان أن الحرب بجبال النوبة الحالية ثلاثية الأبعاد، ولا يزال الجيش الطرف الأقوى والقادر على الانتصار، ولكن معركة الوجود التي يخوضها في الخرطوم كفّت يده الطويلة عن خوض معارك أخرى.

المساهمون