انتقد الرئيس التونسي قيس سعيّد، اليوم الخميس، "انزعاج" عدد من العواصم الأجنبية من حملة الاعتقالات التي شهدتها تونس، آخرها اعتقال وحبس رئيس البرلمان المنحل ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي.
وفي اجتماع له مساء الخميس، أبدى سعيّد "استغرابه" من مواقف هذه الدول، "في حين أنه كان ينبغي عليها الانزعاج ممن دعا إلى حرب أهلية"، ويقصد الاتهامات الموجهة لرئيس حركة "النهضة"، التي يعتبرها محامون ومعارضون لسلطة قيس سعيّد "تهما سياسية" واعتقال الغنوشي "اعتقالا تعسفيا".
وقال الرئيس التونسي: "طبق القانون من قبل قضاة شرفاء.. نحن لم نعتقل شخصا من أجل رأي أبداه أو موقف اتخذه". وتابع: "ما معنى أن يعبروا عن انزعاجهم من إيقاف شخص ولم ينزعجوا عندما ذبح 13 جنديّا خلال شهر رمضان وقت الإفطار أو عند تفجير حافلة الأمن الرئاسي".
ووصف قيس سعيّد مواقف هذه الدول بـ"التدخل السافر في الشأن الداخلي لتونس، غير المقبول"، وقال: "نحن دولة مستقلة ذات سيادة ولا نسمح بتدخل أحد، وتاريخنا في النضال من أجل الحقوق والحريات أعرق بكثير من تاريخ العديد من الدول، ومع ذلك لم نبد انزعاجنا عند اعتقال أشخاص في عدة عواصم لأنه شأنهم الداخلي".
وشدّد على أن "تونس ليست دولة مستعمرة أو تحت الوصاية، ومن انزعج لأن صداقة تربطه بشخص معين فصداقته في إطار والدولة في إطار آخر، ولن نقبل بذلك"، حسب تعبيره. ودعا إلى الكفّ عن التدخل في الشأن التونسي، مضيفا: "لسنا تلاميذ ننتظر دروسا تأتينا من أي جهة.. من يعتقد أن هناك ترتيبا تفاضليا للدول فهو واهم، فالشعب التونسي لن يفرط في سيادته أبدا، وسنواصل مسيرتنا لتحقيق الأهداف المرسومة"، بحسب تعبيره.
ومن بين المواقف الدولية تعبير الاتحاد الأوروبي، الخميس، عن "قلقه البالغ" بشأن التطورات في تونس، عقب الحكم بسجن الغنوشي.
وأفادت المفوضية الأوروبية، في بيان، أن "الاتحاد الأوروبي يواصل متابعته بقلق بالغ للتطورات الأخيرة في تونس". وأوضحت أن "اعتقال زعيم حزب النهضة الغنوشي يأتي في إطار سلسلة الاعتقالات المستمرة للفاعلين السياسيين من مجموعات معارضة مختلفة". وشدد الاتحاد الأوروبي على أهمية "احترام حق الدفاع والمحاكمة العادلة"، إضافة إلى "أهمية التعددية السياسية" في تونس.
كما اعتبرت وزارة الخارجية الأميركية، الخميس، أن توقيف الغنوشي "تصعيد مقلق من الحكومة ضد مَن تتصورهم خصومها". وقال نائب متحدث الخارجية الأميركية فيدانت باتل، في بيان، إن "توقيف الحكومة التونسية لخصومها السياسيين ومنتقديها يتعارض بشكل جوهري مع المبادئ التي اعتمدها التونسيون في دستور يضمن بشكل صريح حرية الرأي والفكر والتعبير".
وتابع باتل: "توقيف الرئيس السابق لمجلس نواب الشعب راشد الغنوشي وإغلاق مقر حزب النهضة وحظر اجتماعات بعض الجماعات المعارضة، وإيحاء الحكومة بأن هذه الإجراءات تستند إلى تصريحات علنية، هي إجراءات تمثل تصعيدا مقلقا من الحكومة ضد مَن تتصورهم خصومها". وشدد على أن "التزام الحكومة التونسية باحترام حرية التعبير وحقوق الإنسان الأخرى يتخطى أي فرد أو حزب سياسي وهو ضروري لديمقراطية نابضة وللعلاقات بين الولايات المتحدة وتونس".
كما شدّدت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية آن كلير لوجاندر على أنّ توقيف الغنوشي "يأتي في إطار موجة اعتقالات مثيرة للقلق"، مشيرة في بيان إلى "تمسّك باريس بحرّية التعبير واحترام سيادة القانون".
وانتقد محامون من هيئة الدفاع إجراءات وملابسات قرار سجن رئيس حركة "النهضة" ورئيس البرلمان التونسي المنحل راشد الغنوشي، مؤكدين أن خروقات رافقت مختلف مراحل اعتقاله والتحقيق معه.
وقرر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية في تونس، فجر الخميس، إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حق الغنوشي، بعد عدة ساعات من الاستجواب، فيما تقرر الإفراج عن عدد من قادة الحركة الموقوفين منذ الاثنين الماضي على خلفية آراء وتصريحات أدلوا بها في اعتصام بمقر "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة، ليحاكموا في حالة سراح.
ونددت حركة النهضة بسجن الغنوشي، واعتبرته "قراراً ظالماً (..) وسياسياً بامتياز، والغاية منه التغطية على الفشل الذريع لسلطة الانقلاب في تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية للمواطنين، والعجز عن معالجة الأزمة المالية الخانقة التي تقود البلاد نحو الإفلاس وسط موجة غير مسبوقة من ارتفاع الأسعار حتى خلال شهر رمضان".
وأضافت الحركة أنّ "مضمون مداخلة الأستاذ راشد الغنوشي محل التتبع العدلي ليس فيه أية دعوة للتحريض ولا يمس البتّة بالسلم الأهلي، وأن الاتهام تعمّد اجتزاء المداخلة لتبرير الإيقاف الظالم"، مؤكدة أنّ "منهج الحركة السياسي كان وسيظل نضالاً مشروعاً ومتحضراً يُعلي من مبدأ السلمية والمدنية، وهو ما تُؤكده خيارات الحزب بعد الثورة في رفض الإقصاء والتنكيل والدعوة إلى إقرار العفو العام والسعي إلى تحقيق التوافق والوحدة الوطنية واحترام المؤسسات العليا للدولة".