قيس سعيّد: ما وراء التلويح بإلغاء الدستور التونسي والدعوة للوحدة والحوار

10 ديسمبر 2021
دستوري: محاولة قيس سعيّد تعطيل دستور 2014 "أمر خطير ويخلف اضطرابات كبيرة" (Getty)
+ الخط -

فوجئ المتابعون في تونس، مساء أمس الخميس، بتغير لهجة الرئيس التونسي قيس سعيّد، وانتقاله في ظرف زمني وجيز من التأكيد، في اجتماع أول، أن الدستور التونسي لم يعد صالحاً، إلى الدعوة في اجتماع ثانٍ، في اليوم نفسه، إلى "الوحدة الوطنية وتجاوز الخلافات".

وقال سعيّد، في لقاء مع عدد من أساتذة القانون الدستوري، إن "المشكل في تونس اليوم دستوري نتيجة دستور سنة 2014، الذي ثبت أنه لم يعد صالحاً، ولا يمكن أن يتواصل العمل به، لأنه لا مشروعية له".

وعقد بعد ذلك اجتماعاً لمجلس الأمن القومي، أكد خلاله أن "تونس لن تتقدم إلا في ظل قبول الآخر والتنافس النزيه"، مشيراً إلى أن "الحسابات السياسية الضيقة لا تدوم، ولن يبقى إلا من يقوم بعمل ويطبق برنامجاً يخرج تونس من وضعها الحالي"، مؤكداً أن "الاختلاف في التصورات والآراء لا يعني انعدام التعايش، وأن على الدولة أن تتسع للجميع، والقانون فوق الجميع".

ودعا أيضاً إلى "الوحدة بين التونسيين ووضع حد للقضايا التي تبرز بين الحين والآخر، حتى يمر المواطن من حالة اليأس إلى حالة الأمل".

وبحسب بيان للرئاسة التونسية، فقد أكّد سعيّد أن "الطريق صارت واضحة، وهي العودة إلى الشعب بطريقة جديدة ومختلفة تماماً، ولا بدّ من حلّ قانوني يستند إلى إرادة الشعب وسيادته، وهي فوق الدستور"، على حد تعبيره.

ويعتبر أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي أن هذه "تصريحات سياسية ولم تتحول بعد إلى تعليق فعلي للدستور، ولكن سعيّد لا يستطيع أن يعلق الدستور بمفرده، وإذا كان ذلك، فمن سيضع هذا الدستور الجديد؟ وكيف سيوضع؟ وهل سيحدث ذلك بمجلس جديد أم عن طريق لجنة خاصة بعد نقاش عام مع التونسيين، ثم عرضه على الاستفتاء؟".

وأضاف الخرايفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن قيس سعيّد "إذا كان سيعلق جميع أبواب الدستور، فسيضطر إلى وضع تنظيم مؤقت للسلطات سيمتد على بقية العهدة، أي حوالي ثلاث سنوات، ولكن هذا الأمر خطير، ويخلف اضطرابات كبيرة، وهل تسمح به الظروف الاقتصادية والمالية والسياسية محليا وإقليميا".

وأصدرت حملة "مواطنون ضد الانقلاب" في تونس، التي أصبحت تحمل اسم "المبادرة الديمقراطية"، بياناً، اليوم الجمعة، حذرت فيه "سلطة الاستثناء القائمة، وعلى رأسها قيس سعيّد، من المساس بدستور البلاد، باعتباره العقد السياسي والاجتماعي الضامن لاستقرار المجتمع والدولة، والمجسّد للسيادة والمشروعية الشعبية".

وأكدت "المبادرة الديمقراطية" أنّ "كلّ قرار أو إجراء باتجاه المساس بدستور الجمهورية التونسية لسنة 2014 يعدُّ باطلاً غير معترف به، ولا أثر له واقعاً وقانوناً، باعتباره صادراً عن جهة فاقدة للشرعية والصلاحيات، وماضية في خرق صارخ للدستور والانقلاب على إرادة الشعب".

من جهة أخرى، أثار التحوّل في مضمون خطاب الرئيس سعيّد وأسلوبه، وانتقاله من حالة التوتر والغضب إلى الهدوء الواضح، ومن مهاجمة معارضيه إلى الدعوة للوحدة؛ حالاً من الدهشة والتساؤل عن أسباب ذلك، برغم بعض الاستبشار النسبي لدى البعض بإمكانية اقتناع سعيّد بطاولة الحوار.

وفيما لم يشر سعيّد في اجتماعه الأول بأي كلمة إلى حريق مقر حركة النهضة، تمنى في اجتماعه الثاني الشفاء للمصابين، داعياً إلى التحقيق في أسباب ذلك.

وتداول التونسيون في أسباب هذه المواقف، خصوصاً أن الخميس شهد أحداثاً دراماتيكية، بسبب ما حصل في مبنى حركة النهضة، وإقدام سجين سياسي سابق قبل الثورة على حرق نفسه في المقر، ليتابع التونسيون مشاهد مرعبة لمسؤولين كبار في النهضة وهم يلقون بأنفسهم من النوافذ هرباً من النيران، من بينهم نائب رئيس الحركة ورئيس الحكومة الأسبق علي العريض.

ويرى الخرايفي بهذا الخصوص أنه "ليس هناك أي تضارب كما ذهب إلى ذلك البعض، بل إن ذلك يعني أن الرئيس يتوجه للإعلان عن قرارات مهمة ومفاجئة وخطيرة، ودعوة مجلس الأمن القومي للانعقاد تعني أن هناك قرارات ستترتب عليها تداعيات أمنية ينبغي الاستعداد لها".

وفي المقابل، ذهبت قراءات معاكسة إلى وجود انزعاج وقلق كبيرين من التطورات الأخيرة في البلاد، وارتفاع منسوب التوتر، خصوصاً أمام حال العزلة التي تعيشها البلاد، في الداخل بسبب تزايد حجم المعارضة، وفي الخارج بتضييق الخناق على تونس اقتصادياً وسياسياً، وقد يكون السفير الفرنسي في تونس أندريه باران قد نقل جزءاً من هذا الانزعاج الأوروبي في لقائه بالغنوشي في بيته منذ يومين، مع العلم أنه كان اللقاء الثالث بين الرجلين في الأشهر الأربعة الأخيرة.

وذكرت بعض الجهات الحزبية لـ"العربي الجديد" أن الملف التونسي قد يكون نوقش في الجزائر مؤخراً، بمناسبة زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.

وتشهد تونس حالاً من التوتر غير مسبوقة، خصوصاً مع تلويح الرئيس منذ أيام بأنه سيتخذ إجراءات جديدة.

وقال مناصرون لقيس سعيّد، على صفحات التواصل الاجتماعي، إنه قد يعلن يوم 17 ديسمبر/كانون الأول، بمناسبة عيد الثورة، عن حل حركة النهضة وأحزاب أخرى، بسبب المخالفات الانتخابية، وقد يتخذ إجراءات أخرى في هذا الاتجاه، فيما بدأت المعارضة بدورها التحشيد لمظاهرات جديدة في اليوم نفسه.

وأعلن عضو الهيئة التنفيذية لمبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" جوهر بن مبارك أن "يوم 17 ديسمبر/كانون الأول، من شارع الثورة، ستكون ثورة من أجل التحرّر من حكم الفرد العبثي، من أجل دولة القانون والمواطنة، من أجل إنقاذ البلاد من سطو الشعبوية".

وقال على صفحته في "فيسبوك": "سنكون بالآلاف ضدّ الانقلاب، يسقط الانقلاب".

إلى ذلك، أعلن الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي أن حزبه يستعد مع أحزاب أخرى، من بينها الجمهوري والتكتل، للتظاهر في اليوم نفسه.

وقال في تصريح لإذاعة "موزاييك" الخاصة: "رئيس الجمهورية أخذ فرصته وانتهى، ولا علاقة له بالديمقراطية". وقال: ''يتم الترتيب لتحركات في 17 ديسمبر/كانون الأول، والاحتجاج مطلوب اليوم، لأنه حان الوقت للاحتجاج بقوة دفاعاً عن الديمقراطية''.

وتابع: ''لم يعد هناك أي أفق، وجب افتكاك مكتسابتنا وديمقراطيتنا بالطرق الشرعية، واليوم إذا لم نتجند لبلادنا، فستلعننا الأجيال القادمة''. وأضاف: ''الشعب التونسي مثل ما تصدى للاستعمار وتصدى للاستبداد، سيتصدى لعبث قيس سعيّد''، على حد توصيفه.

المساهمون