يجري التحضير في كلّ من الجزائر ونواكشوط، للقاء قمّة بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، يرتقب أن يعقد في العاصمة الجزائرية، قبل نهاية العام الحالي، كما يُعمل لعقد اجتماع اللجنة المشتركة العليا الاقتصادية والسياسية بين البلدين، بعد سنوات من تأجيلها. ويأتي ذلك في سياق توجه واندفاع جزائري لافت برز أخيراً باتجاه موريتانيا، وسباق لإبعاد نواكشوط عن محور التطبيع مع إسرائيل، ترجم بزيارات متتالية قام بها عدد كبير من الوزراء في الحكومة الجزائرية إلى العاصمة الموريتانية، والتي تبدي بدورها اهتماماً بتطوير العلاقات مع الجزائر.
بالإضافة إلى القمة، يجري العمل لعقد اجتماع اللجنة المشتركة العليا الاقتصادية والسياسية بين البلدين
ومنذ تسلمه السلطة نهاية عام 2019، وضع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خمس دول لجوار الجزائر، هي تونس وموريتانيا والنيجر ومالي وليبيا، ضمن محور الاهتمام الأول بالنسبة للخارجية الجزائرية، وفي إطار إعادة ترتيب العلاقات مع دول الطوق. وأوضحت مصادر دبلوماسية مسؤولة في وزارة الخارجية الجزائرية، لـ"العربي الجديد"، أن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، نقل خلال زيارته قبل أسبوع إلى نواكشوط، رسالة خاصة من الرئيس تبون، تضمنت دعوة الرئيس محمد الغزواني لزيارة الجزائر "في أقرب فرصة ممكنة". وأضافت المصادر أن الغزواني قبل الدعوة، حيث يجري تحديد موعد الزيارة وترتيب تفاصيلها في الوقت الحالي، عبر القنوات الدبلوماسية، علماً أن الموعد الأول المقترح، هو بداية شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، بحسب المصادر، مشيرة إلى أن الموريتانيين عبّروا أيضاً عن رغبتهم في استقبال تبون في نواكشوط خلال العام المقبل". ويأتي ذلك علماً أن أي رئيس جزائري لم يزر موريتانيا منذ أكثر من عقدين.
وقبل التأكيدات الرسمية بشأن هذه الزيارة، التي ستكون الأولى على هذا المستوى منذ عقود، كان لعمامرة قد أكد أن "قمّة مرتقبة بين الرئيسين الجزائري والموريتاني، نأمل أن تكون قمّة ناجحة تفتح آفاقاً لبلدينا ولمنطقتنا، وذلك بعد التحضير الضروري واللازم لها لكي تؤدي لذلك"، من دون أن يكشف عن مكان انعقاد القمّة. كما جرى التأكيد على انعقاد اللجنة المشتركة العليا في نواكشوط "في أقرب الآجال"، والتي يترأسها رئيسا الحكومة في البلدين، أيمن بن عبد الرحمن ومحمد ولد بلاد، على أن يسبق اجتماعهما اللقاء بين تبون والغزواني. وسيخصص اجتماع اللجنة، لمناقشة قضايا التعاون الثنائي وتقييم تنفيذ المشاريع المشتركة، ووضع مزيد من الآليات لتعزيز التطور الملحوظ الذي تشهده التبادلات التجارية بين البلدين، منذ فتح المعبر التجاري الحدودي في أغسطس/آب 2018، إضافة إلى مناقشة التحديات الناجمة عن الأوضاع في منطقة الساحل والصحراء جرّاء اتساع رقعة وخطورة الأعمال الإرهابية، وسبل التصدي لها عبر تفعيل الأطر والآليات التي تم إنشاؤها لهذا الغرض تحت مظلة الاتحاد الأفريقي.
وتسعى الجزائر لأن يكون لقاء القمّة بين تبون والغزواني، تتويجاً لمرحلة أولى من التوجه الجزائري نحو موريتانيا، كان بدأ في أغسطس 2018، واتخذ أبعاداً اقتصادية بحتة، بعد فتح معبر برّي للمرة الأولى بين البلدين، ليكون معبراً تجارياً تمرّ منه المنتوجات الجزائرية إلى الأسواق الموريتانية ومنها إلى أفريقيا. وفي مارس/آذار 2020، أوفدت الجزائر عدداً هاماً من الوزراء إلى نواكشوط، وفي يونيو/حزيران من العام ذاته، زار وفد وزاري رباعي يضّم كلاً من وزراء الخارجية صبري بوقادوم، والصحة عبد الرحمن بن بوزيد، والمالية راوية عبد الرحمن، والتجارة كمال رزيق، نواكشوط، لبحث اتفاقات تعاون مشتركة. كما زار وزير الصحة الجزائري موريتانيا برفقة فريق صحي كبير في مارس الماضي، للمساعدة في مواجهة فيروس كورونا.
اتخذت المرحلة الأولى من التوجه الجزائري نحو موريتانيا أبعاداً اقتصادية بحتة
ويعرب محلّلون عن اعتقادهم بأن القمة المرتقبة بين تبون والغزواني، بالغة الأهمية، لكونها ستعطي دفعاً استثنائياً للعلاقات المشتركة، بالنظر إلى جملة من السياقات الإقليمية. وفي هذا الإطار، يوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، إدريس عطية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذا التطور اللافت للعلاقات مع موريتانيا، مهم أولاً في تعزيز التصور القائم على مغرب عربي من دون المغرب، ثم إن الجزائر تريد دخول أسواق غرب أفريقيا عن طريق موريتانيا، ويأتي في إطار توجه الجزائر لبناء قدرات موريتانيا، لكونها تدخل ضمن نطاق التوجه الاستراتيجي للجزائر نحو أفريقيا، وباستغلال سابق لمساهمة الجزائر في بناء موريتانيا من تعليم وصحة وبنى تحتية أو في المجال الأمني من خلال تكوين الكوادر العسكرية الموريتانية". ويأتي ذلك، بحسب عطية، خصوصاً أن موريتانيا تبدي من جانبها أيضاً حماسة لافتة وقوية لتطوير علاقاتها مع الجزائر.
وتذهب تفسيرات سياسية أخرى إلى أن مبررات الاهتمام الجزائري بموريتانيا، يتعلق بوجود تخوف جزائري من تطبيع موريتانيا مع إسرائيل، بحيث يمكن الحديث عن محاولة جزائرية جدّية لمنع محور التطبيع من ضمّ نواكشوط إلى صفّه، خصوصاً بعد إقدام الرباط على توقيع اتفاق تطبيع مع الكيان الصهيوني. وهذا التخوف يجعل الجزائر تسابق إسرائيل في المجال الموريتاني، أخذاً بعين الاعتبار أن موريتانيا لديها تجربة تطبيع أولى (جمّدت في العام 2009 رداً على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة). ويوافق عطية على هذا التفسير، معتبراً أنه "صحيح، لأن إسرائيل تريد محاصرة الجزائر بمجموعة من الدول المطّبعة، المغرب ثم موريتانيا ثم تونس، حيث إن هناك ضغطاً كبيراً على تونس من أجل التطبيع، كما يوجد تخطيط مماثل يتعلق بليبيا انتقاماً من الجزائر"، على حدّ قوله. يضاف إلى ذلك أن التوجه الجزائري نحو موريتانيا، مرتبط بالموقف الإيجابي حتى الآن بالنسبة للجزائر، على صعيد النزاع القائم في الصحراء بين المغرب وجبهة البوليساريو، حيث تعد موريتانيا عضواً ملاحظاً في النزاع.
ظهرت مؤشرات تطور نوعي للتعاون العسكري بين البلدين
ويقود هذا إلى الحديث عن مؤشرات تطور نوعي للتعاون العسكري بين الجزائر وموريتانيا، خصوصاً أن الجزائر تبدي رغبة في إنشاء قاعدة عسكرية داخل أراضيها، ليست بعيدة عن منطقة الكركرات (منطقة منزوعة السلاح في الصحراء، وتبعد 11 كيلومتراً عن الحدود الموريتانية). وظهرت هذه التفاهمات العسكرية خلال الزيارة السابقة التي أجراها رئيس الأركان العامة للجيوش الموريتانية، الفريق محمد بمبا مقيت، إلى الجزائر في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، حيث تمّ الاتفاق مع قيادة الجيش الجزائري، على "إطلاق مسار جديد من التعاون العسكري والتنسيق الأمني وتبادل المعلومات بين البلدين، وتوريد معدات ومنتجات عسكرية جزائرية لصالح الجيش الموريتاني، وتفعيل لجنة الأركان العملياتية المشتركة التي تضم أيضاً النيجر ومالي".