تكتسب قمة منظمة شنغهاي (تضم الصين وروسيا والهند وباكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وطاجكستان)، والتي تعقد اليوم الخميس وغداً الجمعة، في مدينة سمرقند الأوزبكية، أهمية استثنائية هذا العام، نظراً لحجم الحضور فيها، مع تخفيف العديد من القادة من إجراءات الوقاية من فيروس كورونا، وطبيعة القضايا المطروحة على جدول أعمالها. ويحضر القمة الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ، ولكل منهما قائمة طويلة من الأهداف السياسية والاقتصادية، ويريدان توظيف مشاركتهما في القمة لتحقيقها.
الصين تريد في الذكرى الـ20 لتوقيع ميثاق منظمة شنغهاي للتعاون والذكرى الـ15 لتوقيع معاهدة حسن الجوار والصداقة والتعاون على المدى الطويل بين الدول الأعضاء في المنظمة، نقل العلاقة بين دولها إلى مستوى جديد من التعاون، لتعزيز طموحات بكين الاستراتيجية، والمساهمة في "بناء مجتمع أوثق ذي مصير مشترك لمنظمة شنغهاي للتعاون، وفي تحقيق السلام والاستقرار والتنمية والازدهار في منطقتنا"، على حد قول الرئيس الصيني في مقال نُشر أول من أمس الثلاثاء، في صحيفة "ﻛﺎﺯﺧﺴﺘﺎﻧﺴﻜﺎﻳﺎ ﺑﺮﺍﻓﺪﺍ"، وفقاً لما ذكر موقع تلفزيون "سي جي تي أن" الصيني. وتدرك الصين جيداً أنه لا يمكن تحقيق ذلك من دون العمل مع روسيا، لإقامة نظام عالمي "أكثر عدلاً وعقلانية"، على حد قول مسؤول الشؤون الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني، يانغ جيشي، أعلى مسؤول للدبلوماسية الصينية.
تريد روسيا التركيز على قضايا عسكرية، أما الصين فترغب في الدفع بمشروعها الاقتصادي
أما بوتين فيحضر القمة في مسعى للتأكيد أن بلاده لا تعاني عزلة دولية على خلفية حربها على أوكرانيا، إذ ينتظر أن يلتقي جميع قادة منظمة شنغهاي، كلا على حدة، في اجتماعات ثنائية على هامش القمة. وتأمل روسيا في أن تسهم قرارات القمة في تخفيف تأثير العقوبات الغربية غير المسبوقة، المفروضة عليها منذ 24 فبراير/شباط الماضي. كما تتجه الأنظار لحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القمة بصفة بلاده كـ"شريك حوار"، في ظل لقائه المرتقب مع بوتين لبحث مصير اتفاق الحبوب، وذلك بعد تلويح موسكو بتعديله بذريعة توجه صادرات الحبوب الأوكرانية إلى الدول الغنية عوضاً عن الفقيرة، وعدم حلحلة عقد تصدير الصادرات الروسية ودعم أنقرة لهذا الطرح. ويتوقع حضور الملف السوري وسط مؤشرات تقارب بين أنقرة والنظام في دمشق بدعم من موسكو.
طموح روسيا في قمة منظمة شنغهاي
وفي إشارة إلى رهان روسيا وطموحها ذات السقف المرتفع لنتائج القمة ولقاءات بوتين الثنائية، قال مساعد الرئيس الروسي للشؤون الدولية، يوري أوشاكوف، في تصريحات، أول من أمس الثلاثاء، إن "منظمة شنغهاي للتعاون تقدم بديلاً حقيقياً للهياكل والآليات التي تتمحور حول الغرب، ويلتزم جميع أعضاء المنظمة بتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر ديمقراطية وعدلاً، ويقوم على المبادئ المعترف بها عالمياً". وأشار أوشاكوف إلى أن منظمة شنغهاي تضم بلداناً "ذات تقاليد ثقافية وحضارية مختلفة، ومبادئ توجيهية مختلفة للسياسة الخارجية، ونماذج مختلفة للتنمية الوطنية. ومع ذلك، فإن العمل داخل هذه المنظمة يقوم على مبادئ المساواة والمنفعة المتبادلة، واحترام السيادة، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية، وهو ما سمح في فترة قصيرة نسبياً بتحويل منظمة شنغهاي للتعاون إلى آلية فعالة ومؤثرة للتعاون متعدد الأطراف".
وكشف أوشاكوف في تصريحاته أن جدول أعمال القمة الـ22 للمنظمة، سيتضمن "تعزيز إمكانات منظمة شنغهاي للتعاون في مجال الأمن والاستقرار، إضافة إلى النظر في قضايا تعزيز الروابط الاقتصادية لأنشطة المنظمة، وقضايا تطوير ترابط شبكات المواصلات". وذكر أن "القادة سيوقّعون في ختام قمتهم على إعلان سمرقند الهادف إلى تأكيد المواقف الموحدة لجميع الدول، بشأن مواصلة تطوير المنظمة والقضايا الراهنة على جدول الأعمال العالمي والإقليمي".
وتوقع أوشاكوف اعتماد أكثر من 20 وثيقة، من ضمنها الخطة الخمسية الشاملة المقبلة لتنفيذ أحكام معاهدة حسن الجوار والصداقة والتعاون على المدى الطويل لفترة (2023 ـ 2027)، بالإضافة إلى وضع "خريطة طريق لزيادة تدريجية في حصة العملات الوطنية في التسويات المتبادلة". وأشار أوشاكوف إلى أن الوضع في أفغانستان سيحتل مكانة خاصة في نقاشات القمة، ورجح تأكيد القمة على التعاون من أجل مساعدة أفغانستان على "إقامة دولة مسالمة ومستقرة ومزدهرة وخالية من الإرهاب والمخدرات". وعرض أوشاكوف أهم القضايا التي سيتطرق إليها بوتين في لقاءاته الثنائية مع قادة المجموعة، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وحول لقاء بوتين مع جينبيغ، أشاد أوشاكوف بالتطور التدريجي في العلاقات الثنائية وزيادة زخمها، وقال إن "الحديث عن التعاون التجاري والاقتصادي سيكون مهماً للغاية خلال الاجتماع، في ظل الوضع الصعب الحالي، ومواجهة العقوبات الغربية غير المشروعة". وبشأن الحرب على أوكرانيا، اعتبر مساعد بوتين أن الصين "تتعامل مع الأزمة الأوكرانية بطريقة متوازنة، معلنة بوضوح فهمها للأسباب التي أجبرت روسيا على شن عملية عسكرية خاصة (التسمية المعتمدة في روسيا للحرب على أوكرانيا)".
ويبدو أن الجانب الروسي يراهن على أن الصين ستتجه أكثر للتعاون مع روسيا في قضايا التعاون الأمني والدفاعي وكذلك التعاون الاقتصادي، مما يخفف من وقع العقوبات الغربية على روسيا. كما ينطلق الروس من نقطة مفادها أن الولايات المتحدة تسعى لفرض عقوبات اقتصادية على الصين بذريعة تايوان، كما حصل مع روسيا في أوكرانيا، ويأملون في أن تتعزز العلاقات لمواجهة مخططات واشنطن ضد البلدين.
وقبيل أشهر من تسلّم الهند الرئاسة الدورية لمجموعة العشرين، ومنظمة شنغهاي للتعاون في عام 2023، ورئاسة مجلس الأمن في ديسمبر/كانون الأول المقبل، كشف أوشاكوف أن بوتين سيبحث مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي "قضايا الاستقرار الاستراتيجي والوضع في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والتفاعل في إطار صيغ متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين ومنظمة شنغهاي للتعاون".
وعلى عكس التكهنات السابقة التي روّجت لها وسائل إعلام عربية حول قمة ثلاثية تجمع بوتين وأردوغان مع رئيس النظام السوري بشار الأسد على هامش القمة، أوضح أوشاكوف أن بوتين وأردوغان سيناقشان صفقة صادرات الحبوب والقضايا الاقتصادية الثنائية. ولم يورد أوشاكوف تفاصيل إضافية حول موضوع الحبوب، لكن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، ذكر في 9 سبتمبر الحالي، أن الوقت حان للقاء بوتين وأردوغان، وأن "اتفاقية إسطنبول للحبوب تنفذ، ونرى أن هذا التنفيذ لا يقدم أي فائدة للبلدان الفقيرة، وبالكاد تم نقل سفينتين فقط في هذه البلدان". ولفت إلى أن اللقاء سيتطرق أيضاً إلى موضوع نقل المنتجات الزراعية الروسية وتصديرها عالمياً.
وسبق لبوتين أن تحدث في الجلسة العامة لمنتدى الشرق الاقتصادي في روسيا في 7 سبتمبر الحالي عن أن "الدول الأوروبية تواصل العمل كدول مستعمرة، وتخدع مرة أخرى الدول النامية". وادّعى أن "معظم الحبوب المصدّرة من أراضي أوكرانيا لم يتم إرسالها إلى الدول النامية، ولكن إلى الاتحاد الأوروبي. وفي إطار برنامج الغذاء العالمي للأمم المتحدة، تم إرسال سفينتين فقط من أصل 87 إلى البلدان المحتاجة".
ومع اقتراب إيران من إتمام الإجراءات اللازمة للحصول على العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي بعدما وافقت قمة دوشانبه في العام الماضي على البدء بإجراءات الانضمام، يبحث بوتين مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الانتهاء من الإجراءات الخاصة بهذا الموضوع، ولكن التركيز الأساسي سيكون على الملف النووي والموقف من العودة إلى الاتفاق النووي الموقّع في 2015. وأكد أوشاكوف أن روسيا مع العودة إلى الصيغة الأصلية لورقة العمل الشاملة المشتركة (الاسم الرسمي للاتفاق)، وستواصل العمل ضمن هذا السياق. وذكر أن الزعيمين سيتبادلان "وجهات النظر حول قضايا الساعة الدولية والإقليمية، بما في ذلك التسوية السورية، والوضع في أفغانستان، وقضايا ضمان الأمن في جنوب القوقاز".
روسيا تبحث عن "عالم جديد"
وتكشف تصريحات أوشاكوف الأخيرة وتصريحات كثير من المسؤولين الروس عن الرهانات الروسية بأن منظمة شنغهاي يمكن أن تشكل منصة مهمة لبناء عالم متعدد الأقطاب، أي عالما جديدا، يكون نداً للاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع الكبار. وتملك المنظمة مؤهلات كبيرة، ولكن هناك شكوكاً كثيرة ومعطيات موضوعية تشير إلى أن منظمة شنغهاي لن تستطيع تشكيل قطب مكافئ للمنظمات التي يهيمن عليها "الغرب الجماعي"، بحسب المصطلح المفضل للقادة الروس.
الأرجح أن بلدان آسيا الوسطى لا تريد تطوير المنظمة إلى تحالف أقوى
والوصف الأقرب للحقيقة لمنظمة شنغهاي هو أنها "ناد سياسي"، ويوجد تباين كبير بين أهداف وغايات روسيا وأهداف الأطراف الأخرى، وفي حين تريد روسيا التركيز على قضايا الأمن والدفاع، فإن الصين ترغب في الدفع بمشروعها الاقتصادي في هذه الدول، ومنها مشروع الحزام والطريق. كما أن قرارات المنظمة غير ملزمة وليست منظمة صلبة، على غرار الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال. ولا تملك المنظمة إطاراً مؤسسياً فعّالاً، ولا يطرح في المدى المنظور إخراجها من طابعها التنسيقي والاستشاري فيما يخص القضايا السياسية والتنمية الاقتصادية.
وإضافة إلى القضايا السابقة، فإن هناك صراعات مفتوحة بين الدول الأعضاء من بينها الهند والصين، والهند وباكستان على سبيل المثال، وتنشب اشتباكات حدودية بين قرغيزستان وطاجكستان. وتمتد الصراعات إلى الدول المرشحة للانضمام إلى المنظمة، فأذربيجان وأرمينيا ما زالتا في حالة حرب تتفجر بين فترة وأخرى، ولم تتوصلا إلى اتفاق سلام نهائي بعد حرب إقليم ناغورنو كاراباخ في عام 2020.
كما أن بلدان آسيا الوسطى تعاني من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى كونها ساحة للتنافس بين الصين وروسيا والولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي، والأرجح أن بلدان آسيا الوسطى لا تريد تطوير المنظمة إلى تحالف أقوى، وتريد اقتصاره على التنسيق والاستشارات لأنها تخشى خسارة علاقاتها القوية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان. وفي حين تقرّب الأوضاع في أفغانستان هذه الدول وتزيد تنسيقها في مجال الأمن والدفاع ومحاربة الإرهاب ونقل المخدرات، فإنها تقع جميعاً تحت ضغط الأوضاع المضطربة في أفغانستان.
ويكتسب الاهتمام الروسي في السنوات الأخيرة بتطوير عمل منظمة شنغهاي إلى تحالف أكثر متانة، أهمية إضافية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات الغربية المؤلمة على الاقتصاد الروسي. وتأمل موسكو في تعزيز علاقاتها مع بلدان منظمة شنغهاي وتقوية المنظمة، بما يساهم في تخفيف تأثيرات العقوبات الغربية عليها، ويؤكد أنها ليست معزولة. والأرجح أن روسيا لن تستطيع تشكيل تحالف مناهض للغرب عبر منصة منظمة شنغهاي، وأقصى ما يمكن أن تحصل عليه هو التوصل إلى نموذج جديد للتعاون، مع تطوره إلى نظام اقتصادي بهدف مواجهة الضغوط والعقوبات الغربية، والبدء بعملية شاقة وطويلة لإنهاء التعامل بالدولار وتشجيع التبادل بالعملات المحلية.
في ختام الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للقمة الحالية في 29 يوليو/تموز الماضي، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن "جدول أعمال القمة في سمرقند يبدو ضخماً وغنياً للغاية، ومن الرمزية بشكل خاص أن يصطف نوع من طابور الانتظار لقمة سمرقند، من أولئك الذين يرغبون في أن يصبحوا أعضاء كاملين في منظمة شنغهاي للتعاون أو الانضمام بصفة مراقبين وشركاء في الحوار". وخرج حينها لافروف بصورة جماعية مع وزراء المجموعة، استغلها الإعلام الروسي للتأكيد على أن روسيا ليست في عزلة. ولكن ما يغفل عنه الإعلام والدبلوماسية الروسية ربما، هو أن هناك فارقاً كبيراً بين الواقع والطموحات في عالم تتشعب فيه المصالح والعلاقات، والدخول في منظمات إقليمية ودولية متنوعة الأهداف.
ما هي منظمة شنغهاي وأهدافها؟
تأسست المنظمة في يونيو/حزيران 2001 على أساس "خماسي شنغهاي"، الذي تشكّل في عام 1996، وكان معنياً بحلّ الخلافات الحدودية بين الصين ودول الاتحاد السوفييتي السابق. والأعضاء المؤسسون للمنظمة هم الصين وروسيا وكازاخستان وطاجكستان وقرغيزستان وأوزبكستان، التي كانت أحدث المنضمين لـ"الخماسي". وفي عام 2017 انضمت الهند وباكستان رسمياً لتصبحا عضوين دائمين، وفي القمة الأخيرة في سبتمبر/أيلول 2021 تم الإعلان عن بدء إجراءات منح إيران العضوية الدائمة، بعد 16 عاماً من طلبها الرسمي الانضمام ويفترض أن تنتهي خلال القمة الحالية.
منظمة شنغهاي لن تستطيع تشكيل قطب مكافئ للمنظمات التي يهيمن الغرب عليها
وهناك ثلاثة أعضاء مراقبين، وهم أفغانستان ومنغوليا وبيلاروسيا، التي تقدمت في منتصف يوليو/تموز الماضي بطلب نيل العضوية الكاملة. وتم ضم قطر والسعودية ومصر بصفة "شريك حوار" في قمة 2021، ليرتفع عدد الدول بهذه الصفة إلى تسع دول هي أرمينيا وأذربيجان وتركيا وسريلانكا وكمبوديا ونيبال، إضافة إلى الدول الثلاث المذكورة سابقاً. ويتجاوز عدد سكان بلدان المنظمة 60 في المائة من سكان العالم، وتستحوذ على أكثر من 30 في المائة من الاقتصاد العالمي، ومساحتها نحو 60 في المائة من مساحة أوراسيا (آسيا وأوروبا)، وتضمّ أربع دول ضمن النادي النووي، وهي روسيا والصين والهند وباكستان.
وتهدف المنظمة، بحسب الوثيقة الأساسية، إلى تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين دول الأعضاء، ومحاربة الإرهاب وتوطيد الأمن ومكافحة الجريمة وتجارة المخدرات، ومواجهة حركات الانفصال والتطرف الديني أو العرقي. كما تهدف إلى التعاون في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية وكذلك النقل والتعليم والطاقة والسياحة وحماية البيئة، وتوفير السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.