تسلمت سلوفينيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي من البرتغال، في الأول من يوليو/تموز الحالي للأشهر الستة المقبلة، وعلى ما يبدو فإن رئاسة الدولة الصغيرة، التي لم يكن لها بشكل خاص دور مهم وتأثير كبير في عمليات صنع القرارات الأوروبية، ستثير ضجة كبيرة بسبب مسارها السياسي المثير للجدل، والخشية من أن تطغى قضايا أخرى على أولويات الرئاسة.
وتشير الدلائل إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد حالاً من القلق في بروكسل، رغم أنه سيكون عليها أداء دور مهم بوصفها وسيطاً، ويمكنها تحديد الموضوعات بشكل مستقل.
وقد ذكرت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" أخيراً، أن رئيس الوزراء السلوفيني اليميني يانيز يانشا، قد يستغل كل فرصة لتقديم نفسه بوصفه ممثلاً لتلك المجموعة الأوروبية من القوميين اليمينيين، التي يمثلها كل من المجر وبولندا في الاتحاد الأوروبي، ولا سيما أن يانشا يقلد سياسة رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، ويتعاطف معه، وهذا ما يثير قلق الكثيرين في الاتحاد الأوروبي، ومن بين أمور أخرى، عرقلة عمل مكتب المدعي العام الأوروبي الجديد، بعد أن رفض تعيين المرشحين من المدعين العامين المفوضين، الذين اختيروا بالفعل من قبل المفوضية، ويريد استئناف الإجراء، فضلاً عن دعمه القانون المجري المثير للجدل، الذي يقيد المعلومات حول المثلية الجنسية.
وظهرت بداية التشنج والخلافات عند التقاط صورة خلال زيارة المفوضية الأوروبية لسلوفينيا الخميس، حيث قاطعها نائب رئيسة المفوضية فرانس تيمرمانس، الذي برر الأمر لصحيفة "زود دويشته تسايتونغ" بأنه ببساطة لا يستطيع الوقوف على المنصة نفسها مع يانشا، موجهاً إليه اتهامات بأنه أقدم على التشهير بقاضيين وشكك في نزاهتهما، وحاول تشويه سمعة اثنين من النواب الاشتراكيين في البرلمان الأوروبي بطريقة غير مقبولة. وكان يانشا قد قال إن القضاء السلوفيني مخترق من قبل قضاة شيوعيين، بعد أن طالبته فون دير لاين بتعيين القضاة ليتمكن المكتب من أداء دوره. وأوضح تيمرمانس أن استقلال القضاء واحترام دور النواب المنتخبين هما حجر الزاوية لسيادة القانون، ودونهما لا يمكن الاتحاد الأوروبي أن يعمل، حتى إن رئيسة المفوضية حذرته بأنه يجب معاملة القضاة باحترام، حتى لو كانوا ينتمون إلى طرف آخر، وأكدت أن الحوار السياسي يتطلب احترام جميع الأحزاب السياسية.
وفي هذا الإطار، أشار الكاتب السياسي بيتر شتورم مع "فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ"، إلى أن السلوفيني يانشا، هو من ذلك النوع من السياسيين الذين تعني لهم الديمقراطية أنهم وحدهم من يقررون ويحددون ما يجب فعله. وأضاف أنه إذا كانت الأشهر الستة لرئاسة سلوفينيا مجلس الاتحاد الأوروبي مشابهة لأيامها الأولى في رئاسته، فإن الأخير سيمر ببعض الأوقات المثيرة. وبالطبع، لا يستطيع التكتل أن يملي على الدول الأعضاء قراراته، لكنه سيلغي نفسه إذا لم يذكّر أمثال أوربان ويانشا بالأسس المثالية التي يقوم عليها التكتل الأوروبي، لافتاً إلى أن يانشا يعيش هواجسه الشخصية من خلال تقويض حكم القانون تدريجياً في بلاده، عدا عن أنه يطلق بانتظام وابلاً من الهجمات على وسائل التواصل الاجتماعي ضد من يختلف معه بالرأي من سياسيين وصحافيين، حيث باتوا أهدافاً دائمة له.
ومن المعروف أن السلوفيني يانشا يقود حكومة أقلية في بلد يبلغ عدد سكانه 2.1 مليون نسمة، وحيث يخرج الآلاف أحياناً إلى الشارع منددين بسياسة حكومته المتهمة أيضاً بتقييد حرية الإعلام.
وفي الأثناء، تبرز الخشية من استمرار تقويض المجر وبولندا لأوروبا الموحدة، واستخدام الغرور السلوفيني الحاد بنجاح لأغراض خاصة، علماً أن يانشا نفى هذا الأمر، وأكد أنه سيكون وسيطاً نزيهاً في النزاع بين دول الاتحاد الأوروبي حول سيادة القانون والحريات العامة، داعياً من بلدة بردو بالقرب من العاصمة ليوبليانا إلى أهمية التوافق في الآراء.
ويرى البعض أن من المهم في الوقت الحالي أن ينصبّ التركيز الأوروبي على التعافي الاقتصادي في دول التكتل بعد الأزمة التي أحدثها وباء كورونا، بالإضافة إلى الإصلاحات ومستقبل أوروبا وتوسع الاتحاد الأوروبي في البلقان، وأهمية احترام القيم الأوروبية. كل ذلك وسط همسات بين الدبلوماسيين في بروكسل، بأن فرنسا التي ستتسلم الرئاسة بداية يناير/ كانون الثاني من العام المقبل، ستتولى السيطرة بشكل غير رسمي بعد العطلة الصيفية، حيث سيستخدم الرئيس ماكرون الرئاسة الدورية لفرنسا لرفع مستوى حضوره في باريس، أملاً بإعادة انتخابه رئيساً لولاية ثانية.