لا يزال الجدل السياسي في العراق محتدماً، حول اعتقال القيادي في "الحشد الشعبي" قاسم مصلح، نهاية شهر مايو/ أيار الماضي، جنوبي بغداد، بتهمة استهداف ناشطين مدنيين في كربلاء، ومن ثم إطلاق سراحه بعد أيام قليلة لـ"عدم كفاية الأدلة"، بحسب الإعلان الرسمي للقضاء العراقي. وفي موازاة الجدل في الأروقة السياسية، ينعكس إطلاق سراح مصلح، وهو المشتبه فيه الأول بحوادث اغتيال الناشطين العراقيين، مزيداً من الإحباط في نفوس الناشطين، لا سيما لجهة تضاؤل آمالهم بشأن تمكن حكومة مصطفى الكاظمي من الإيفاء بتعهداتها بالقبض على قتلة الناشطين.
مسؤول عراقي: إغلاق قضية قاسم مصلح، الذي سيعود لعمله مجدداً في الحشد الشعبي
واعتقل مصلح في 27 مايو/ أيار، من أحد المنازل في منطقة الدورة، جنوبي بغداد. وردّت فصائل مسلحة حليفة لإيران على الخطوة بتطويق المنطقة الخضراء والتهديد باقتحام مكتب الكاظمي، قبل أن يصار إلى تهدئة شاملة انسحبت على إثرها الجماعات المسلحة، ليتم الإعلان عن إطلاق سراحه بعد أيام. وكان قد جرى اعتقال مصلح بناءً على مذكرة اعتقال صادرة وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب العراق، بعد اتهامه من قبل سميرة الوزني، والدة الناشط المدني إيهاب الوزني (اغتيل في 9 مايو/ أيار الماضي)، وعائلة الناشط فاهم الطائي (اغتيل في كربلاء في ديسمبر/ كانون الأول 2019)، بتورطه في قتل ابنيهما، وبعثه برسائل تهديد لهما. وعقب ذلك انضمت أسر عراقية أخرى لعائلتي الوزني والطائي في اتهام مقربين من قاسم مصلح بالتورط في التعرض للناشطين. يذكر أن قاسم مصلح هو قيادي في "الحشد الشعبي"، وزعيم مليشيا "الطفوف"، ويقود عمليات "الحشد" في محافظة الأنبار، المسؤولة عن الحدود مع سورية.
وأكد مسؤول في حكومة الكاظمي، لـ"العربي الجديد"، أن الأجهزة الأمنية العراقية سلّمت القضاء ثلاثة تسجيلات لمكالمات هاتفية، وإفادات شهود عيان، وأخرى لذوي الضحايا، حول تورط مصلح بالإشراف على "خلّية موت" تستهدف ناشطي كربلاء على وجه التحديد، لكنه اتهم القضاء بالرضوخ لضغوط مختلفة دفعته إلى إصدار أمر الإفراج عن القيادي في "الحشد". وكشف المسؤول نفسه عن "إغلاق قضية قاسم مصلح، الذي سيعود لعمله مجدداً في الحشد الشعبي، إذ إن قرار القضاء ليس إخلاء سبيل مؤقتاً أو بكفالة، بل هو إفراج لعدم كفاية الأدلة، بمعنى إسقاط التهم الموجهة إلى مصلح". ولفت المصدر إلى أن "التحقيق القضائي مع مصلح لم يتطرق إلى التهم الأخرى الموجهة ضد الأخير من قبل الأجهزة الأمنية"، في إشارة إلى التهم المتعلقة باستهداف منشآت أمنية حساسّة تستضيف القوات الأميركية، وقضايا فساد وعمليات تهريب على الحدود العراقية - السورية.
وتعليقاً على ذلك، اعتبر الناشط المدني وعضو تنسيقيات النجف، جنوبي العراق، علي الحجيمي، أن "الإفراج عن مصلح، وهو المشتبه فيه الأول في قتل الناشطين والمتظاهرين في مدينة كربلاء، حدث لا يُبشّر بخير، ويشرح التماهي بين حكومة الكاظمي والقضاء من جهة، وبين الجهات السياسية والحزبية والمسّلحة التي تمارس الضغط عليهم من جهة أخرى". وقال الحجيمي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "مواقف المتظاهرين في جنوبي العراق ووسطه، وحتى في بغداد، رهن ما يقرّره المتظاهرون في مدينة كربلاء في الوقت الحالي". ولفت إلى أن "العودة إلى الشارع مجدداً هي مسألة قائمة، ما دام الاحتجاج يزعجهم ويربك حساباتهم"، في إشارة إلى القوى السياسية النافذة والمليشيات المسلحة.
من جهته، أشار عضو التيار المدني العراقي أحمد حقي إلى أن إطلاق سراح مصلح دفع بعدد من الناشطين إلى مغادرة كربلاء والناصرية وبغداد، بعدما كانوا قد عبّروا عن مواقف مؤيدة لاعتقاله، واتهامه بجرائم قتل الناشطين. وأوضح حقي أن المغادرين يخشون على أنفسهم من انتقام مصلح، بعدما كانوا قد أفصحوا صراحة عن موقفهم، معربين عن اعتقادهم بأن اعتقاله "سينهي خطره ويطوي صفحة الاستهدافات"، على حدّ قوله.
وأكد حقي أنّ "خيبة الأمل واسعة من أداء الحكومة وضعفها أمام الفصائل وقوى اللادولة، ليس فقط في صفوف المحتجين والناشطين، بل في كلّ العراق"، مشدداً على أن "خيار التظاهر هو الوحيد والمتوفر". وذكّر الناشط المدني بأن "جميع الأدلة تشير إلى تورط مصلح ومقربين منه بعمليات قتل ناشطين ومتظاهرين، كما أن إفادات والدة إيهاب الوزني أكدت وجود تهديدات مسبقة من مصلح للوزني، إضافة إلى تسرّب مكالمة قديمة بين الشهيد فاهم الطائي مع ناشط آخر، وقد برز من خلالها أن مصلح كان يُهدد الناشطين بالتصفية".
أما الناشط من بغداد حيدر المرواني فقد أشار إلى أن "إدامة زخم الرفض هو الخيار الدائم والحالي، سواءً قبل اعتقال مصلح أو بعد الإفراج عنه، لأن المتظاهرين يؤمنون أن النظام الحالي عاجز عن إصلاح نفسه، لذلك نعتقد بأن إدامة زخم الرفض المجتمعي هو الحلّ الأمثل لعزل النظام بشكل أكبر، وانتظار وترقب انتحاره من دون أن نتدخل بشكل مباشر". ورأى المرواني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "اعتقال مصلح أدى إلى مكسبين، الأول هو معرفة أن فصائل الحشد الشعبي من الممكن أن تنقلب على الدولة في أي لحظة، والثاني معرفة أن القضاء العراقي ضعيف ويذعن للضغوطات الحزبية والمسلحة".
غادر ناشطون كربلاء والناصرية وبغداد، بعد الإفراج عن مصلح، خشية على حياتهم
ورأت السياسية العراقية شروق العبايجي أن "العراقيين، سواءً من المتظاهرين أو المواطنين العاديين، ذهلوا مما حدث أخيراً، فبعدما قال القضاء إن المعتقل قاسم مصلح متهم وفق المادة 4 (إرهاب)، أفرج عنه سريعاً بعدها لعدم كفاية الأدلة، وهذا يشرح ربما التخادم بين الأحزاب والفصائل المسلحة والجماعات التي تقتل المتظاهرين". وبيّنت العبايجي، في حديثٍ مقتضب لـ"العربي الجديد"، أن "خيارات المحتجين حالياً تتلخص في الاستمرار بالتصعيد لاستحصال المطالب، ومواصلة النضال الشعبي ضد قوى السلاح والمحاصصة الحزبية والطائفية، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بالسلمية".
من جهته، أكد الباحث والمحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي أن "القضاء العراقي والحكومة برئاسة الكاظمي واجها ضغوطاً غير مسبوقة واحتجاجات مسلحة من قبل الفصائل والجماعات الموالية للحشد الشعبي في سبيل إخراج مصلح"، متوقعاً أن يحصل الضغط ذاته "في حال تمّ اعتقال أي شخص آخر يوالي الأحزاب أو الفصائل، وبالتهم نفسها، وهذا يعني وجود صعوبة في تطبيق القانون ومعاقبة المتورطين بقتل العراقيين". وأوضح الشريفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "استمرار إهمال المتظاهرين ومطالبهم الدستورية والقانونية والسلمية، وزيادة الفجوة بين السلطات والناشطين من جهة والحكومة والفصائل المسلحة من جهة أخرى، أمور قد تؤدي في النهاية إلى انفجار الوضع، إذ إن جماعات السلاح تتغول أكثر وأكثر، فيما تواصل الحكومة الانحناء أمامها". أما المتظاهرون، برأيه، فيواصلون "المطالبة السلمية لتحقيق دولة مدنية، ويدفعون دماء ستكون نقمة على النظام الحاكم برمته، إذا ما استمرت السلطات بالانبطاح لقوى السلاح".