استمع إلى الملخص
- تعد المدينة مركزًا للمقاومة ضد الاحتلال، حيث تواجه قمعًا إسرائيليًا شديدًا باغتيال واعتقال المقاومين، في ظل موقعها الاستراتيجي المحاط بالمستوطنات.
- الجدار الفاصل الذي أقامه الاحتلال حول قلقيلية حوّلها إلى سجن كبير، مؤثرًا على الحياة اليومية والثروة الزراعية، مما يعكس الصراع المستمر والمقاومة الشعبية المتزايدة ضد الاحتلال.
تتصدر مدينة قلقيلية شمالي الضفة الغربية المحتلة الواجهة، بعدما شهدت خلال الأيام الماضية تطورات دراماتيكية، عقب اغتيال قوات خاصة إسرائيلية مقاومين اثنين، بعد أن أمطرت مركبتهما بوابل من الرصاص، وعملت على احتجاز جثمانيهما، بعد يوم واحد من قتل مستوطن إسرائيلي، في حين قُتل آخر بعد أقل من يوم على تنفيذ عملية الاغتيال.
ودفعت هذه الأحداث مدينة قلقيلية، التي يقطنها نحو 65 ألف فلسطيني غالبيتهم العظمى من اللاجئين، رغم عدم وجود مخيم تابع لها؛ إلى الواجهة الواجهة لتصبح محط الأنظار، لا سيما مع تصاعد أعمال المقاومة، بالتزامن مع تزايد الانتهاكات والاعتداءات التي ينفذها جيش الاحتلال والمستوطنون على حد سواء.
ويوم الخميس الماضي، قُتل مستوطن على مشارف مدينة قلقيلية، بعد أن تعرّض لعملية ضرب وطعن، وفي اليوم التالي، نصبت قوات خاصة كميناً لمركبة كان يستقلها الشهيدان: إيهاب عبد الكريم أبو حامد (29 عاماً) المطلوب لقوات الاحتلال، ومحمود حسن زيد (28 عاماً)، حيث أمطرتها بالرصاص، وعمدت إلى احتجاز جثمانيهما. ولم تكد تمر 24 ساعة أخرى، حتى تمكن مقاومون من قتل مستوطن بعد إطلاق النار على رأسه مباشرة.
يقول الناشط السياسي رائد عمر لـ"العربي الجديد" إن قلقيلية، أسوة ببقية مدن الضفة الغربية، خرّجت مجموعات قاومت الاحتلال الإسرائيلي، وإن لم يعلَن عن تلك التشكيلات بشكل واضح كما في جنين، وطولكرم، ونابلس، وطوباس، ومخيماتها، لكنها أوجعت المحتل، الذي حاول وأد تلك المحاولات في مهدها، عندما اغتال علاء نزال، أحد مؤسسي مجموعات "ليوث المجد"، ورفيقه أنس قراقع في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، "لكن المقاومة انطلقت قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وزاد نشاطها تدريجياً، وراحت تنفذ عملياتها على الطرق الخارجية التي تسلكها مركبات المستوطنين، لا سيما أن المستوطنات تحيط بالمدينة كالسوار في المعصم، من كافة جهاتها تقريباً".
وجعل الموقع الاستراتيجي لمدينة قلقيلية، كونها على خط التماس مع مدن الداخل المحتل، والمستوطنات على مرمى حجر منها، الاحتلال يتعامل مع أي ظاهرة مسلحة بأقصى درجات القمع، حيث تعمّد تصفية واغتيال كلّ العناصر المقاومة، ومن لم يتمكن من قتله عمل على اعتقاله، كما ضغط على أولئك الذين لم يتمكن من اعتقالهم، من خلال مساومتهم لتسليم أنفسهم بعد اعتقال الوالدين، وأفراد العائلة، والتضييق عليهم.
ويوضح عمر أن المجموعات التي تعمل في مدينة قلقيلية لا تحمل صبغة سياسية، "فعناصرها من الجيل الجديد الذي يرفض المسميات، خشية من تأثير الخلافات السياسية على العمل الجماعي، وهذا ما شجع الكثيرين على الانضمام إليها، ووفر حاضنة شعبية لها"، مشيراً إلى أن التبني لأي شهيد يكون بعد استشهاده وليس قبله، وهذا ما توافقت عليه الفصائل الفلسطينية.
ويقول عمر: "نحن شعب يتنفس سياسة، لذا فهناك من يصنف مجموعات ليوث المجد على أنها تتبع كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح، وكتيبة قلقيلية على أنها تتبع سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، في حين أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، عن نفسها ببث مشاهد لكمين جرى تنفيذه عبر عملية مركّبة في 7 إبريل/ نيسان الماضي، تمثلت بإطلاق النيران صوب حافلة للمستوطنين، واستدراج جنود الاحتلال لمركبة مفخخة استخدمتها في العملية، ما أسفر عن إصابتين، إحداهما لمجندة إسرائيلية، قرب قرية النبي إلياس، شرقي مدينة قلقيلية".
الاحتلال يحارب انتقال "شرارة المقاومة"
من جهته، يقول الباحث في الشؤون الإسرائيلية عزام أبو العدس لـ"العربي الجديد": "إن الاحتلال يدرك خطورة انتقال شرارة المقاومة من منطقة إلى أخرى، لذلك فقد اتبع سياسة جز العُشب، أي التصفية الفورية لكل المقاومين الذين يرفعون السلاح في وجهه، ومن هنا نراه يغتال بعشرات الرصاصات شباناً كان بإمكانه اعتقالهم على سبيل المثال، لكنه يسعى إلى خلق حالة من الردع في نفوس الفلسطينيين، غير أن كل المؤشرات والأفعال على الأرض تؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، فشل تلك المحاولات، حيث يتزايد الداعمون والعاملون في صفوف المقاومة".
ويؤكد أبو العدس ما ذهب إليه رائد عمر من أنه في السنوات الأخيرة، ظهر جيل جديد متمرّد يمتاز برفضه الواقع، وحبّه للمقاومة، لكنه لا يمتلك الحس الأمني من جهة، ويأبى العمل تحت لون سياسي من جهة أخرى. ويقول أبو العدس: "لا توجد منطقة هادئة في الضفة الغربية. المقاومة ماثلة في كل مكان، وهذا يدركه الاحتلال، الذي كلما زاد من قمعه، جوبه بمقاومة أعنف وأكثر تطوراً ومقدرة على إيلامه".
جدار فاصل يلتف كالأفعى حول قلقيلية
دفعت قلقيلية ثمناً باهظاً من أراضيها، عندما شيّد الاحتلال الجدار الفاصل قبل أكثر من عقدين، حيث التف عليها كالأفعى، وحوّلها إلى سجن كبير، ولم يترك مجالاً للأهالي إلا طريقاً واحداً فقط، من الجهة الشرقية، من أصل خمس طرق، ويتحكم فيه جيش الاحتلال. ويبلغ طول الجدار 11 كيلومتراً، منها ثلاثة كيلومترات مشيدة من الإسمنت المسلّح بارتفاع ثمانية أمتار، ومزود بأبراج عسكرية وكاميرات مراقبة، وتسعة كيلومترات من الأسلاك الشائكة، والمزودة بمجسات إلكترونية.
وفي وقت كانت تُعدّ قلقيلة مدينة زراعية بامتياز، لخصوبة أراضيها، ووفرة المياه فيها، ومصدراً لأنواع كثيرة من الخضار والفواكه، إلا أنّ الجدار الذي التهم معظم تلك الأراضي، قضى على الثروة الزراعية بصورة شبه كاملة، خاصة أنه عزل خلفه 5 آبار مياه ارتوازية، من أصل 42 بئراً يملكها الأهالي.