قضية ريجيني: إيطاليا تضغط بشهادات جديدة قبل المحاكمة الغيابية

29 نوفمبر 2020
يواصل النظام المصري إخفاء هوية الجناة الحقيقيين (ماركو بيرتوريلو/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر قضائية مصرية على اطلاع بمستجدات قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني التي أوشكت التحقيقات فيها على إكمال خمس سنوات من دون كشف النظام المصري عن هوية الجناة الحقيقيين، أن الادعاء العام الإيطالي أبلغ السلطات المحلية والمصرية بأنه حصل على معلومات جديدة من مصادر لم يسمها، ذكر أنها عناصر استخباراتية وأمنية سابقة، قدمت شهادات تفيد بأنّ ريجيني كان معتقلاً بعد اختطافه في أحد مقار الأمن الوطني التابعة لوزارة الداخلية.
وأوضحت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أنّ روما لم تكشف عن أي معلومات إضافية في هذا الشأن، وقالت إنها قد تبلّغ المصريين بالمزيد خلال الاجتماع المقبل المقرر عقده في العاصمة الإيطالية روما لاستكشاف فرصة أخيرة للتعاون بين السلطات القضائية في البلدين.

وذكرت المصادر أن فريق النيابة العامة المصرية القائم على القضية، يشكك بشدة في جدية المعلومات التي تدعي روما امتلاكها هذه المرة بسبب عدم وضوح مصدرها، وعدم وجود أدلة في أي أوراق مصرية على تواجد ريجيني في مبنى تابع للأمن الوطني تحديداً، وكذلك لعدم الإفصاح عن تاريخ الواقعة المبلّغ عنها. ورجحت المصادر أن تكون هذه المعلومات محاولة جديدة من روما لانتزاع معلومات أكثر من المعنيين في القاهرة أو من الأشخاص الذين اطلعوا على تفاصيل الأيام الأخيرة من حياة ريجيني لتحفيزهم على الإفصاح عما لديهم من معطيات، لا سيما مع تلويح الادعاء الإيطالي بقرب تحريك دعوى اتهام غيابية بحق خمسة ضباط من الداخلية المصرية تؤكد المعلومات ضلوعهم في مراقبة ريجيني وتتبعه واعتقاله قبل اختفائه تماماً ومقتله واكتشاف جثته.


فريق النيابة العامة المصرية يشكك بشدة في جدية المعلومات التي تدعي روما امتلاكها هذه المرة

وأكدت المصادر أنّ التلويح بتحريك الدعوى الغيابية لم يغيّر حتى الآن الاستراتيجية المصرية الثابتة في التعامل مع القضية، قائلةً إنّ فريق النيابة المختص لم يتلق أي تعليمات بتغيير اتجاهات التحقيق أو التعاون القضائي، لكن في حالة تحريك الدعوى لن يكون هناك بد من الرد قضائياً بالطرق التي رسمها القانون الدولي. ويعكف فريق من وزارة العدل وهيئة قضايا الدولة والنيابة العامة على دراسة احتمالات قبول الدعوى وتقديم مذكرات للقضاء الإيطالي لرفضها، لا سيما أنه من المرجح إقامتها في مواجهة السفارة المصرية بروما.

وحول الضباط المصريين الثلاثة الآخرين غير الخمسة المشتبه فيهم، والذين طلبت روما معلومات عنهم الشهر الماضي، قالت المصادر إنّ مصر لم تقدم أي بيانات عنهم لأن الداخلية أكدت في خطاب رسمي عدم وجود معلومات لديها عن الأفعال الوارد ذكرها في مذكرة الاستفسار الإيطالية، وبالتالي فقد تم غلق باب آخر للبحث عن المعلومات من طرف روما.

وكان الضباط الثلاثة يعملون بالأمن الوطني في الجيزة والقاهرة خلال فترة دراسة ريجيني في الجامعة الأميركية في مصر. وكان أحدهم قد تواصل مع بعض زملاء ريجيني فور قدومه للتعرف على طبيعة دراساته، فيما أجرى ثانيهم اتصالات هاتفية مع نقيب الباعة الجائلين محمد عبدالله، الذي اعترف من قبل وتفاخر بأنه سلم ريجيني للأمن المصري بعدما تشكك في عمله لحساب جهة أجنبية، وذلك في مرحلة مبكرة تسبق مقتله بنحو عام كامل. أما الضابط الثالث، فكان قد كتب تقريراً عن نشاط ريجيني بمعلومات استقاها من مصادر وصفها بالسرية. واعتمد شرطيون آخرون راقبوا الطالب الإيطالي لاحقاً على هذا التقرير الذي تضمن الكثير من الوقائع التي تؤكد روما أنها غير سليمة وغير متسقة مع نشاط ريجيني الدراسي وكانت تهدف بشكل أساسي إلى التحريض عليه وعمل قضية من لا شيء. وهي طريقة قال المحققون الإيطاليون في أحد تقاريرهم إنها معتادة في الأجهزة الأمنية بالدول البوليسية وغير الديمقراطية.

أما الضباط الخمسة المهددون بالدعوى الغيابية فهم اللواء طارق صابر، والعقيد آسر كمال، والعقيد هشام حلمي، والمقدم مجدي عبدالعال شريف، وأمين الشرطة محمود نجم.

واللواء طارق صابر، كان خلال الواقعة يعمل مدير قطاع في جهاز الأمن الوطني، وهو الذي أصدر تعليماته بمتابعة ريجيني بناء على تقرير رفع إليه من أحد مساعديه عن أنشطته البحثية وتواصله مع نقيب الباعة الجائلين، بمناسبة بحثه عن النقابات المستقلة في مصر.

أمّا الضابط الثاني، وهو العقيد آسر كمال، والذي كان يعمل رئيساً لمباحث المرافق بالعاصمة، فتوجد دلائل على أنه هو الذي أشرف على رسم خطة تعقّب ريجيني في إطار التنسيق بين الأمن الوطني والأمن العام، وقد تمّ نقله بعد الحادث بأشهر عدة للعمل بمحافظة أخرى.

وبالنسبة للمقدم مجدي شريف، فقد سبق ونشر ادعاء روما اسماً رباعياً تقريبياً له هو مجدي إبراهيم عبد العال شريف، وهو الذي أبلغ عنه ضابط أفريقي بأنه سمع منه حديثاً عفوياً أثناء تدريب للضباط الأفارقة في كينيا عام 2017، اعترف فيه بتورطه في قتل ريجيني، أو "الشاب الإيطالي" كما وصفه، إلى حد القول بأنه "لكمه مرات عدة" بسبب "الاشتباه في كونه جاسوساً بريطانياً".

وتتجه التحقيقات الإيطالية إلى أنّ الضابط مجدي شريف شارك ثلاثة ضباط آخرين، غير الخمسة المشتبه فيهم، أو خلفهم في إدارة ملف ريجيني، وأنهم جميعاً قاموا بتكوين شبكة من المخبرين حول ريجيني تضم -حسب السيناريو الإيطالي- كلا من زميلة ريجيني المقربة الباحثة نورا وهبي، وشريكه في السكن محمد السيد الصياد ونقيب الباعة الجائلين.


التلويح بتحريك الدعوى الغيابية لم يغيّر حتى الآن الاستراتيجية المصرية الثابتة في التعامل مع القضية

وعلى الرغم من أنّ تحريك الدعوى غيابياً ضدّ الضباط الخمسة لن يؤدي إلى محاسبتهم مباشرة إذا أصرت مصر على عدم تسليمهم، إلا أنّ هذه الخطوة ستوفر غطاء قانونياً لرغبة روما في إدراج أسماء الخمسة على لائحة الإنتربول والتضييق على تحركاتهم، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، سيمثل الحكم ضدهم حال صدوره، وثيقة إدانة قضائية لأجهزة النظام المصري الاستخباراتية والأمنية، وكذلك للقضاء المصري الذي لعب دور المتستر على مجموعة من الجرائم، بدءاً من تعذيب ريجيني وقتله، ثمّ قتل مجموعة من الأشخاص والزعم بأنهم عصابة سرقة خطفت ريجيني وسرقت متعلقاته، ثم اتهام ريجيني نفسه بالتخابر، وانتهاءً بتضليل التحقيق وإخفاء بيانات الضباط المشتبه فيهم.

وكان آخر ضغط سياسي على مصر بالطرق الدبلوماسية قد حدث بعد تشكيل حكومة جوزيبي كونتي الأولى، باستدعاء السفير المصري لدى روما هشام بدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لحثّه على نقل الغضب الإيطالي من التباطؤ المصري في التعاطي مع القضية، وذلك بعدما أصرت النيابة العامة المصرية على عدم منح نظيرتها الإيطالية تفاصيل التحقيقات التي من المفترض أنها أجرتها في قضية مقتل أفراد عصابة السرقة المتهمين زوراً بقتل ريجيني. إذ يرجح الإيطاليون أنّ المسؤول عن تلفيق هذه القضية هو نفسه المسؤول عن قتل الطالب الإيطالي.

وطرح المصريون آنذاك تساؤلات على الإيطاليين بشأن "دخول ريجينى إلى مصر بموجب تأشيرة دخول سياحية من دون التأشيرة اللازمة لقيامه بإجراء أبحاث خاصة برسالة الدكتوراه عن النقابات العمالية المصرية المستقلة"، وهو ما اعتبره الإيطاليون تهرباً واضحاً من قبل النيابة المصرية وغلقاً لباب التعاون، والتفافاً على مواجهة الجريمة الحقيقية.

المساهمون