قصف مناطق النفوذ التركي شمالي حلب: محاولة لتغيير المعادلات؟

07 اغسطس 2021
أدى القصف إلى إصابة 26 مدنياً (بكر القاسم/فرانس برس)
+ الخط -

عاد القصف ليستهدف مناطق النفوذ التركي شمالي حلب، في الشمال السوري، في الفترة الأخيرة. وعلى الرغم من التضارب حول من يقف وراء القصف الذي استهدف مدينة الباب، شمال شرقي حلب، ليل الخميس ـ الجمعة، بين كل من قوات النظام والمليشيات المساندة لها المدعومة من إيران من جهة، و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) من جهة أخرى، فإن تجدد الاستهداف بحد ذاته يفتح المجال أمام سيناريوهات واحتمالات تفجّر الوضع في مناطق النفوذ التركي أو محيطها. ويعود السبب إلى تزايد المناوشات بين "الجيش الوطني السوري" المعارض والقوات التركية من جهة، و"قسد" من جهة أخرى، في ظل طموحات تركيا للتوسع شمالي سورية وشرقها، وخشية "قسد" خسارة المزيد من الأراضي.

ولم يُسجل سقوط قتلى مدنيين في القصف العنيف الذي تعرضت له الأحياء السكنية في مدينة الباب ليل الخميس ـ الجمعة، رغم إصابة 26 مدنياً. وأوقع القصف أضراراً في ممتلكات المدنيين، مخلّفاً حرائق تعاملت معها فرق الدفاع المدني على الفور بعد نقل المصابين إلى المستشفيات لتلقي العلاج.


اتهم "الجيش الوطني" النظام و"قسد" بقصف الباب

وكانت الرشقات الصاروخية قد انطلقت من قرية شعالة ومحيطها في ريف حلب الشرقي، باتجاه مدينة الباب، حسبما كشفت مصادر لـ"العربي الجديد". وأشارت إلى أن الرشقة الأولى انطلقت من مواقع "قسد" هناك، فيما أطلقت قوات النظام الرشقة الثانية من "كتيبة رادار شعالة"، قبل أن تقصف "قسد" رشقة ثالثة ويتوقف القصف. وتسيطر "قسد" على بلدة شعالة بالكامل، فيما يقتصر وجود قوات النظام على التمركز في كتيبة الرادار بالقرب منها، مع وجود لمليشيات مدعومة من إيران.

من جهته، اتهم الرائد يوسف حمود، المتحدث الرسمي باسم "الجيش الوطني السوري"، المسيطر على مناطق "درع الفرات" التي تتبع لها مدينة الباب ومحيطها، النظام و"قسد" باشتراكهما في القصف، ملمحاّ إلى تنسيقهما في عمليات إطلاق القذائف أخيراً. وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "سواء كان الاستهداف الأخير لمدينة الباب من قبل قوات النظام والمليشيات الإيرانية المنتشرة معها في المنطقة، أو من قبل قسد، فإن الهدف واحد وهو زعزعة الاستقرار. ونحن في الجيش الوطني أوضحنا منذ عامين أن هناك نقاطاً عسكرية مشتركة بين النظام وقسد". وشدّد على أن "الهدف الحالي لقسد والنظام هو خلط الأوراق وإحداث تغيير في المعادلات، لا سيما بعد توصل الطرفين الروسي والتركي إلى الاتفاق على استمرار الهدوء في هذه المناطق، خلال اجتماع ضمّ مسؤولين روس وأتراك في أنقرة. ومن هنا يبرز احتمال التنسيق بين الطرفين لمحاولة التصعيد ونسف التفاهمات لإحداث تغييرات وعدم إبقاء وضع الهدوء على ما هو عليه، وكذلك لفرض أنفسهم كطرف على طاولة التفاوض وتحقيق مكاسب على الأرض أيضاً". وأكد حمود أن الرد على القصف كان حاضراً وفورياً من قبل قواعد الجيش التركي المنتشرة في شمال حلب، و"الجيش الوطني" كذلك، مشيراً إلى أن الرد سيبقى مفتوحاً لمواجهة أي تصعيد.

وحول الخيارات التركية للتعامل مع التصعيد في مناطق نفوذها، شمالي سورية، أشار الصحافي هشام غوناي إلى أن "مدينة الباب تحديداً، محورية بالنسبة لتركيا، كونها تفصل بين مناطق سيطرة قسد ومناطق سيطرتها، وتحديداً بين مدينتي عين العرب (كوباني) الخاضعة لسيطرة قسد وعفرين الخاضعة لسيطرة المعارضة تحت نفوذ تركيا بعد طرد قسد منها". ورأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قسد تطمح لربط المناطق ذات الغالبية الكردية بعضها ببعض، وهذا ما تحول دونه تركيا من خلال سيطرتها على مناطق واسعة في الشمال السوري ودعمها لقوات المعارضة السورية هناك".

لن تلجأ تركيا إلى عملية عسكرية واسعة في الشمال

وحيال القصف الذي يستهدف مناطق النفوذ التركي بشكل مستمر والمصالح التركية في شمال سورية بطبيعة الحال، أشار غوناي إلى أن "القصف مبرر من وجهة النظر الكردية أو وجهة نظر قسد، فهم يرون أن تركيا محتلة لأراضيهم ويريدون التخلص من هذه العقبة وربط مدنهم ومناطقهم بعضها ببعض، والأهم بالنسبة لهم ربط عفرين بعين العرب". ولفت إلى أنه "في المقابل تدرك أنقرة أن ربط هذه المناطق معاً سيخلق خطراً على وحدة واستقرار تركيا، إذ تعتبر تركيا أن وجود كيان كردي على حدودها، سيؤثر على تطلعات أكراد تركيا لجهة التفكير بالانفصال وخلق قلاقل في المناطق ذات الغالبية الكردية".

أما بخصوص الخيارات التركية الآنية، فرأى غوناي أن "أنقرة بإمكانها الرد الموضعي، أي الرد على مصادر النيران في كل قصف، فالحكومة التركية خففت لهجتها حيال النظام السوري أخيراً في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد. وعلاوة على ذلك، فإن الأولويات التركية باتت تنصب حول التحضير للانتخابات (يونيو/ حزيران 2023)، وأي عملية عسكرية واسعة ستلجأ إليها الحكومة في الوقت الراهن، لا سيما إذا تعرضت لخسارات بشرية أو فشل، ستنعكس على الحكومة وتحرجها أمام الناخب التركي الذي ترغب في كسب صوته". وبالتالي استبعد غوناي لجوء حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتنفيذ عملية جديدة واسعة شمالي سورية ضد "قسد"، مشيراً إلى أنها قد تكتفي بالإيعاز لقواتها المنتشرة في سورية بالرد على مصادر النيران فقط.