تتجه "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية الى إجراء محاكمات لآلاف العناصر من تنظيم "داعش" المحتجزين لديها منذ سنوات، وسط تحذيرات من قبل قانونيين من عدم شرعية هذه المحاكمات.
وقال المتحدّث باسم دائرة العلاقات الخارجية في "الإدارة الذاتية" كمال عاكف، في تصريحات صحافية أمس الإثنين، إن "الإدارة"، التي تتبع لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، بصدد إجراء محاكمات لبعض عناصر تنظيم "داعش" المحتجزين في السجون لديها.
وأشار إلى أن "المحاكمات ستشمل الذين ثبت ارتكابهم جرائم، ومن سُجِّلت بحقهم شكاوى، وتلطّخت أيديهم بدماء أبناء المنطقة". لكن من دون تقديم أي تفاصيل بشأن مصير الموقوفين بعد المحاكمة، وبعد انقضاء أحكام المتهمين في حال أدينوا.
غزوان قرنفل: كل المحاكم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام هي محاكم سلطات أمر واقع
كما رفض أكثر من مسؤول في "الإدارة الذاتية" و"قسد"، تواصلت "العربي الجديد" معهم أمس، الرد على الاستفسارات بشأن الموضوع، وما إذا كان ضمن محاولات الضغط التي تمارسها "قسد" لمحاولة إنهاء ملف المعتقلين لديها.
"قسد" تحتجز آلاف العناصر من "داعش"
وتحتجز "قوات سورية الديمقراطية" آلاف العناصر الذين كانوا يقاتلون ضمن "داعش"، إضافة إلى عدد غير معروف ممن هم متهمون بالتعاون مع التنظيم إبان سيطرته على نحو نصف مساحة سورية خلال عامي 2014 و2015.
وكانت قد تفجرت قضية المحتجزين من داعش لدى "الإدارة الذاتية" مطلع العام الحالي، حين وصلت خلايا ومجموعات من التنظيم إلى قلب مدينة الحسكة في محاولة لإطلاق سراح المحتجزين من سجن الصناعة في المدينة.
ورغم فشل المحاولة، إلا أن هناك العديد من المصادر المطلعة في المدينة أكدت أن البعض من محتجزي التنظيم تمكنوا من الهرب من السجن. ونقلت "قسد"، بمساندة من التحالف الدولي بقيادة أميركا، المحتجزين إلى سجون أكثر تحصيناً في شمال شرقي سورية.
ولطالما دعت "قسد" الدول لاستلام العناصر الذين يحملون جنسياتها مع عائلاتهم الموجودة في مخيم الهول في ريف الحسكة، شمال شرقي سورية، إلا أن هذه الدول تتهرب، وهو ما شكل عبئاً على هذه القوات التي حاولت استخدام هذه الورقة أكثر من مرة للضغط على المجتمع الدولي لإيقاف التهديدات التي تواجهها من الجانب التركي.
ولدى "الإدارة الذاتية" العديد من السجون التي يُحتجز بداخلها عناصر من التنظيم، بعضها شديد التحصين، ويضم القياديين الأكثر خطورة. وكان القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي قد أكد، إبان العملية العسكرية التركية في منطقة شرقي الفرات، أواخر العام 2019، أن لدى قواته 12 ألف عنصر من التنظيم، مضيفاً: نحن الذين ألقينا القبض عليهم، ونحن الذين نحدد مصيرهم.
وأكدت هذه القوات في حينه أن 785 أجنبياً من عناصر تنظيم "داعش" تمكنوا من الفرار من مخيم عين عيسى بمحافظة الرقة، شمال شرقي سورية، حيث كانوا محتجزين، بعدما هاجمت خلايا من التنظيم السجن الذي كان موجوداً في المخيم.
وطالبت "قسد"، في أكثر من مناسبة، بإنشاء "محاكم خاصة" لمحاكمة المحتجزين لديها، وإعادة كل محكوم إلى الدولة التي يحمل جنسيتها، إلا أن المجتمع الدولي لم يول هذه المطالبات أي اهتمام، حيث لم تتقدم أي دولة لاستلام عناصر من التنظيم، ما خلا بعض الأطفال والنساء المقيمين في مخيم الهول.
لا صبغة قانونية للمحاكمات
ويبدو أن المحاكمات التي تخطط "الإدارة الذاتية" لإقامتها لا تحمل أي صبغة قانونية، كون هذه الإدارة غير معترف بها، ومن ثم لا ولاية قضائية لها للقيام بهذه الخطوة، وهو ما يؤكده نقيب المحامين السوريين الأحرار غزوان قرنفل، في حديث مع "العربي الجديد".
وبيّن قرنفل أنه "من حيث المبدأ كل المحاكم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام هي محاكم سلطات أمر واقع، وبالتالي فأثر تلك الأحكام يكون ضمن مناطق نفوذ وسيطرة تلك السلطات، ولا قيمة لها بالمعنى القانوني خارج هذا النطاق".
ولفت إلى أنه "يتعين على سلطات الدولة التي قد يصل إليها أحد المحكومين بطريقة ما أن تحقق في ملفه وتعيد محاكمته أمام قضائها"، موضحاً أنه يمكن للدول التي لديها في قوانينها ولاية عالمية أن تقوم بمحاكمتهم.
محاكمات "قسد" تفتقد لأدنى المعايير
إلى ذلك، أوضح مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المحاكمات التي تنوي قسد القيام بها تفتقر إلى أدنى معايير المحاكمات العادلة".
فضل عبد الغني: القضاء في المناطق الخاضعة لـ"قسد" غير مستقل
وقال إن اعتقال أو احتجاز المنتسبين لتنظيم "داعش" لدى هذه القوات كان بالشبهة، فالادعاء العام ليست لديه أدلة كافية للقيام بعملية الاعتقال واحتجاز هؤلاء العناصر كل هذا الوقت، وهذا انتهاك لحقوق المحتجزين.
وأوضح عبد الغني أن حقوق المحتجز من أي تنظيم "لا تسقط"، مضيفاً: من حقه الحصول على محاكمة عادلة. وأشار إلى أن "المحاكمات التي تنوي قسد القيام بها لآلاف العناصر من تنظيم داعش شكلية".
وأضاف: هي غير عادلة لأن الظروف المناسبة غير متوفرة، وخاصة لجهة وجود محامي دفاع، إضافة إلى أن القضاء في الشمال الشرقي من سورية الخاضع لـ"قسد" غير مستقل ويتبع لهذه القوات، وهو ما يطعن بشرعية هذه المحاكمات والأحكام التي ستصدر عنها.
وفي السياق، تُثار الشكوك حول قدرة "الإدارة الذاتية" على تنظيم محاكمة لعدد كبير من العناصر المحتجزين لديها بتهمة الإرهاب، وخاصة أن هذه "الإدارة" حديثة التأسيس ولا تملك المؤهلات والمقوّمات لهذا الأمر، الذي يحتاج إلى غطاء قانوني وسياسي من مجلس الأمن الدولي.
وفي هذا الصدد، رأى المحلل السياسي السوري الكردي فريد سعدون، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الإدارة الذاتية غير معترف بها من المجتمع الدولي، ومن ثم فإن أي محاكم تشكل لمحاكمة هؤلاء العناصر غير معترف بها أيضاً".
الأحكام ستكون صورية
وأضاف: أي أحكام ستصدر ستكون أشبه بالصورية أو الميدانية، وأشار إلى أن المحاكمات "تحتاج إلى قضاة محترفين وذوي خبرة ليكونوا قادرين على محاكمة مواطنين من دول أخرى، وهو ما تفتقده الإدارة الذاتية".
وأشار سعدون إلى أنه "يجب أن تكون هناك قوانين تنظم هذه المحاكمات، وأن يتم التعاون مع جهات دولية متخصصة، منها الإنتربول"، وأعرب عن اعتقاده بأن إقدام "الإدارة الذاتية" على إجراء المحاكمات "سيخلق لها مشاكل جديدة"، مضيفاً: المسألة خطرة وتحتاج إلى تعاون دولي، ومن الخطأ أن تتصرف "الإدارة الذاتية" بمفردها في هذا الملف.