تعتزم الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية، تقديم آلاف المحتجزين لديها من مقاتلي تنظيم "داعش"، لمحاكمات تجريها بنفسها، في خطوة تهدف إلى تحريك هذا الملف القانوني، في ظل رفض الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المقاتلون المحتجزون استلامهم، وبسبب عدم اكتراث المجتمع الدولي بتشكيل محكمة دولية تبت في مصيرهم.
مفاجأة "الإدارة الذاتية": محاكمة مقاتلي "داعش"
وقالت الإدارة الذاتية الكردية، وهي الذراع الإدارية لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، في بيان أول من أمس السبت، إن المحاكمات ستجري وفق القوانين الدولية والمحلية الخاصة بـ"الإرهاب"، مشيرة إلى أنها تقدم على هذه الخطوة "بسبب عدم تلبية المجتمع الدولي لنداءات ومناشدات الإدارة الذاتية للدول لاستلام مواطنيها من التنظيم، وإحقاقاً للحق، وإنصافاً للضحايا، وتحقيقاً للعدالة الاجتماعية".
ونقلت وكالة رويترز للأنباء، عن بدران جيا كرد، الذي وصفته بـ"المسؤول الكبير في الإدارة"، قوله إن قانوناً محلياً لمكافحة الإرهاب جرى تعديله العام الماضي ليصبح أكثر شمولاً سيُستخدم لمحاكمة مقاتلي التنظيم"، مضيفاً أنه "سيكون هناك حق توكيل محام للمتهمين". لكنّ المسؤول الكردي لم يفصح عمّا إذا كانت المحاكم ستعيّن محامياً للمحتجزين. وأكد أن "الإدارة الذاتية" ستقوم بـ"دعوة التحالف الدولي وجميع المنظمات والجهات الحقوقية والشخصيات التي تريد المتابعة والحضور كمراقبين بحكم أنها محاكم علنية وشفّافة".
وقال دبلوماسي غربي يعمل في سورية لـ"رويترز" إن قرار الإدارة الذاتية للأكراد كان مفاجأة. وقال الدبلوماسي "لم يعتقد أحد أنهم سيفعلون ذلك. نحن نأخذ الأمر على محمل الجد لأنهم يحتجزون الكثير من الناس، لكن هذه قضية منفصلة عن محاكمتهم. محاكمتهم أمر مختلف تماماً". وأضاف أن مثل هذه المحاكمات ستحتاج إلى توفير مستويات عالية من الأمن، مشيراً إلى أن خطر هروب مقاتلي التنظيم سيزداد.
دبلوماسي غربي: قرار الإدارة الذاتية كان مفاجأة
من جهتها، قالت المتخصصة في شؤون مكافحة الإرهاب في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، ليتا تايلر، لـ"رويترز"، إنه يجب على المجتمع الدولي إما توفير الدعم للمحاكمات التي ستجري في شمال شرقي سورية، بما في ذلك بالموارد، أو إجراء المحاكمات في دول المعتقلين أو في دولة ثالثة". واعتبرت أن "أي شيء غير ذلك لن يعتبر فقط انتهاكاً لحقوق هؤلاء المعتقلين في الحصول على محاكمة عادلة، لكنه سيمثل أيضاً صفعة على الوجه لضحايا داعش وأفراد أسرهم الذين يستحقون رؤية العدالة تتحقق في جرائم التنظيم".
ولطالما دعت "الإدارة الذاتية" التي تُحرّم قوانينها الإعدام، المجتمع الدولي، لتحمّل مسؤولياته حيال محتجزي التنظيم لديها، إلا أن أي خطوة لم تجر من قبل الأمم المتحدة ومؤسساتها في اتجاه التعامل قانونياً مع هذا الملف وهو ما يحمّل هذه الإدارة أعباء.
وكانت "قسد" انتزعت منطقة شرقي نهر الفرات السورية من "داعش" تحت غطاء ناري من طيران التحالف الدولي، ودعم منه على الأرض على مدى سنوات. ويؤكد مسؤولون في "الإدارة الذاتية" أن المسلحين المحتجزين لديها من 44 دولة.
وبحسب "رويترز"، تحتجز "الإدارة الذاتية" نحو 10 آلاف شخص يشتبه في انتمائهم لـ"داعش" فروا من آخر معاقل كانت تحت قبضة التنظيم في سورية بين عامي 2017 و2019، بينهم قياديون من الصفين الأول والثاني من "داعش"، وذلك في سجون عدة شديدة الحراسة موزعة في شمال شرقي سورية أو ما بات يُعرف بمنطقة شرقي الفرات.
وكانت تقارير عدة صدرت في عام 2020، تحدثت عن وجود 19 ألف محتجز من "داعش" لدى "الإدارة الذاتية"، من بينهم 12 ألف سوري و5 آلاف عراقي، وألفا أجنبي يتحدرون من 55 دولة، محتجزين في 12 سجناً، في مناطق عدة بمنطقة شرقي الفرات. إلا أن هذا العدد تراجع بعد عملية فرار السجناء من سجن غويران (يناير/كانون الثاني 2022) بالإضافة إلى إخراج عدد من المحتجزين السوريين نتيجة وساطات عشائرية.
فضل عبد الغني: الإدارة الذاتية ليست سلطة مدنية، بل أقرب للسلطة العسكرية
وإضافة إلى المسلحين، هناك الآلاف من نساء وأطفال مسلحي التنظيم وضعتهم "قسد" في مخيمات، خصوصاً مخيم الهول في ريف الحسكة الجنوبي الشرقي. وكانت فصائل المعارضة السورية أبدت الاستعداد لاستلام هؤلاء المحتجزين، إلا أن القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي، قال في أكتوبر/تشرين الأول 2019: "مسلحو داعش المعتقلون وعائلاتهم لدينا. نحن من ألقى القبض عليهم، ونحن من يحدد مصيرهم".
أسئلة مشروعة حول ضرورة المحاكمة وظروفها
وتعليقاً على خطوة "المحاكمة" التي تعتزم الإدارة الذاتية الإقدام عليها، رأى مدير تجمع المحامين السوريين، غزوان قرنفل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "بالمعنى القانوني المجرد، من الطبيعي القول إن هذه المحاكمات غير صحيحة وغير قانونية، وربما غير عادلة، حيث لا تتوفر لها شروط المحاكمات العادلة". وتابع: "هؤلاء ارتكبوا جرائم، وهناك سلطة أمر واقع في المنطقة، وهم أسرى لديها، لذا يجب أن تحصل محاكمات، وعلى هذه السلطة أن تسعى لتكون هذه المحاكمات عادلة".
وبيّن قرنفل أن الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المقاتلون "تركتهم تحت سلطة الجهة التي أسرتهم، وهي قوات قسد"، مضيفاً أنه "لا يجوز توقيف هؤلاء لسنوات عدة من دون محاكمات". وأوضح أن فصائل المعارضة السورية هي الأخرى "لا تملك مشروعية إجراء محاكمات، لأنها سلطة أمر واقع"، متسائلاً "لماذا هنا مقبول، وهناك مرفوض؟". وبيّن قرنفل أنه "حتى النظام السوري لم تبق له مشروعية بالمعنى القانوني".
لكن مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، رأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الإدارة الذاتية لا تملك المؤهلات القانونية والخبرة والشرعية لتقوم بهذه المحاكمات"، مضيفاً أن "القضاء في الإدارة الذاتية غير مستقل وغير نزيه". وتابع: "الإدارة الذاتية ليست سلطة مدنية، بل هي أقرب للسلطة العسكرية". وأعرب عن اعتقاده بأن الأحكام التي ستصدر ستكون "تعسفية".
وكان تنظيم "داعش" حاول مطلع العام الماضي إطلاق سراح قادة وعناصر له من سجن الحسكة المركزي المحصن، والذي يُعتقد أنه يضم نحو 4 آلاف محتجز، بينهم 700 فتى، حيث استهدف بسيارتين مفخختين بوابات السجن، قبل أن يشن العشرات من عناصره هجوماً لفتح هذه البوابات وإخراج سجناء التنظيم منه. وتدخّل التحالف الدولي لإيقاف عمليات الفرار، فدارت معارك بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة مع الفارين الذين اختبأوا في مناطق سكنية.
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد قتل في هذه العملية، 159 شخصاً، هم: 107 من "داعش"، و45 عنصراً من قوات الأسايش الكردية، وحرّاس السجن وقوات مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى 7 مدنيين. وكان السجن الموجود في حي غويران، شهد أكثر من مرة عمليات استعصاء من قبل المحتجزين الذين يطالبون بمحاكمات ولمّ شملهم مع عائلاتهم في مخيم الهول.