في الوقت الذي تحاول فيه ألمانيا تجاوز وقع المفاجأة التي خلّفها قرار المغرب تجميد العلاقات الرسمية مع سفارتها في الرباط، قال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، إن القرار رسالة سياسية إلى ألمانيا ومن ورائها دول أوروبية أخرى، مؤداها أنه آن الأوان للوضوح فيما يخص التعامل مع قضايا المغرب ومصالحه.
واعتبر المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول له بالتصريح، أنه لا يعقل استفادة دول بعينها في علاقاتها الاقتصادية مع المغرب، لكنها تستمرّ في المقابل بمعاكسة مصالح المغرب وإنهاكه بعرقلة طي ملف الصحراء المغربية، وتوجيه الضربات إليه من تحت الحزام، مشيرا إلى أن "الرباط تعتبر أنه آن الأوان للانتقال إلى مرحلة جديدة في التحرك المغربي من أجل الدفاع عن مصالحه، بتوجيه رسائل مباشرة وأخرى غير مباشرة إلى من يهمه الأمر، خصوصاً في دول الاتحاد الأوروبي، تؤكد أنه لم يعد هناك مجال للنفاق واللعب على الحبلين".
ويأتي ذلك، في وقت لم تصدر فيه الرباط أي تعليق على قرار الخارجية الألمانية عقد اجتماع مع السفيرة المغربية زهور العلوي، للنقاش حول قرار تعليق الاتصال مع السفارة الألمانية والمؤسسات التي تشتغل لديها.
وكانت وسائل إعلام ألمانية قد كشفت أمس الثلاثاء، استناداً إلى مصادر دبلوماسية ألمانية، عن أن الهدف من الاجتماع مع السفيرة المغربية هو فتح قنوات الحوار، والنقاش بخصوص القرار، لاسيما أن" العلاقات المغربية الألمانية عادية وليس هناك أي توتر".
ونقلت القناة التلفزيونية الإخبارية الألمانية، أمس الثلاثاء، عن وزارة الخارجية الألمانية، قولها إن القرار المغربي "غير واضح" لديها، مشيرة إلى أنها علمت بالقرار المغربي عن طريق وسائل الإعلام المحلية، إلا أنها لم تتوصل بعد إلى تفاصيله.
وكان المغرب قد قرّر، أول أمس الاثنين، تعليق جميع الاتصالات مع السفارة الألمانية في الرباط، ومع كل المؤسسات الألمانية التابعة لها، في خطوة مفاجئة أثارت أكثر من علامة استفهام عن توقيتها ودواعيها.
وبحسب وثيقة صادرة عن وزارة الخارجية المغربية، فإن قرار تعليق جميع الاتصالات وعلاقات التعاون مرده إلى "خلافات عميقة" بين المغرب وجمهورية ألمانيا الاتحادية حول عدد من القضايا المصيرية بالنسبة للمملكة.
وطالب وزير الخارجية المغربية ناصر بوريطة، في الوثيقة، مختلف القطاعات الوزارية وجميع الهيئات التي تعمل تحت وصايتها، بوقف أي اتصال أو تفاعل أو تعاون، سواء مع السفارة الألمانية بالمغرب، أو مع منظمات التعاون الألماني والمؤسسات المرتبطة بها.
كما قررت الخارجية المغربية، وفق الوثيقة التي وجهها بوريطة إلى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وباقي أعضاء حكومته، وقف أي اتصال مع السفارة الألمانية في الرباط.
وتبقى العلاقات السياسية والاقتصادية بين الرباط وبرلين دون المستوى، عكس تلك التي تجمعها مع باريس. ولم يسبق للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل القيام بزيارة رسمية إلى المغرب، سوى إلى مراكش في عام 2019، في إطار قمة دولية، ولم تلتقِ خلالها الملك محمد السادس. وكانت تخطط لزيارة الرباط، لكن لم تتلقَ رداً مغربياً يحدّد التاريخ وأجندة العمل.
كما سادت أزمة صامتة بين المغرب وألمانيا بعد استبعاد الرباط من المشاركة في مؤتمر برلين حول حل النزاع في ليبيا في يناير/ كانون الثاني 2020، حيث احتجت الرباط، عبر بيان شديد، على الخارجية الألمانية، متهمة إياها بتهميشها.
ويغيب المغرب في السياسة الألمانية، ولكنه بدأ يحضر أخيراً فقط على مستوى ملفات شائكة، وهي مبادرات لصالح جبهة "البوليساريو" في نزاع الصحراء، ثم ملف الهجرة الذي يؤرق الحكومة الألمانية.
من جهة أخرى، كشف مصدر مطلع عن أن السفيرة المغربية أطلعت الخارجية الألمانية، أمس الثلاثاء، على خلفيات القرار الذي اتخذته الرباط، مشيراً إلى أن الأمر يخص ملفين أساسيين هما: الصحراء المغربية والأزمة الليبية، حيث سجل المغرب معاكسة برلين للتوجه الذي فرضه الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء على مستوى مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، وكذلك محاولة إبعاده عن الملف الليبي المستمرة منذ مؤتمر برلين المنعقد السنة الماضية.
وقال المصدر، في حديث مع "العربي الجديد "، إن قرار الرباط تجميد العلاقات والاتصال مع السفارة الألمانية والمؤسسات التابعة لها، هو ردّ سياسي أكثر منه ردّا دبلوماسيا يمكن في أي لحظة التراجع عنه إذا تم التوصل إلى اتفاق بخصوص المؤاخذات المغربية خلال الأيام المقبلة بين الطرفين.