قرارات قيس سعيّد: تكريس للانفراد بالسلطات

14 ديسمبر 2021
أعلن سعيّد الإثنين سلسلة قرارات أثارت جدلاً واسعاً (Getty)
+ الخط -

مثّلت القرارات المعلنة من الرئيس التونسي قيس سعيّد، المتعلقة بإعلان إجراء استفتاء وانتخابات برلمانية ومواصلة تجميد عمل البرلمان، مواصلة في مخالفة الدستور والانقلاب عليه، وسعياً نحو تكريس الانفراد بالسلطات من خلال البحث عن غطاء شعبي عبر الاستشارات والاستفتاء، بحسب ما عبر عنه سياسيون تونسيون.

واعتبرت أستاذة القانون الدستوري، منى كريم الدريدي، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أن "الإجراءات المعلنة هي استمرار لحالة الخروج عن الشرعية وعن الدستور"، مشيرة إلى أن "تواصل تجميد البرلمان، وتعليق العمل بالدستور، والذهاب نحو تعديله، مخالفة للدستور وللفصل 80 الذي اعتمده منذ البداية لإعلان حالة الاستثناء".

وبيّنت أن "خيار القيام بتعديل دستوري باستفتاء شعبي مخالف لدستور 2014 الذي ينصّ على إجراءات ومسارات التعديل بوضوح"، مشيرة إلى أن "هذا يفسر اتجاه الرئيس نحو وضع مراسيم رئاسية لإعطاء شرعية لمسار تعديل الدستور ولسنّ قوانين اللعبة الانتخابية، وهي نصوص غير قابلة للطعن كما أعلن سابقاً في الأمر 117، ومن المؤكد أنها لن تحظى بقبول بقية الأطراف المعنية بالعملية الانتخابية".

وبيّنت المتحدثة أن هناك غموضاً "في مسار تعديل الدستور وإجراء الاستفتاء على تمرير هذه التعديلات في نطاق الأمر 117 الذي أنزله الرئيس منزلة أعلى من الدستور، في سابقة دستورية لم يُعرف لها مثيل تاريخي".

وتطرقت إلى "صعوبات التصويت والاستشارة عن بعد ومدى جاهزيتها، نظراً للصعوبات التقنية واللوجستية، وبالعودة للإمكانات المحدودة لعموم التونسيين، من ذلك التغطية بالإنترنت في جميع محافظات البلاد". وأضافت كريم أن "الاستفتاء الإلكتروني والاستشارة الشعبية هي لإعطاء مشروعية على النصوص التي ستعدها لجنة الصياغة والتوليف، مجهولة التركيبة والأهداف والصلاحيات".

وتساءلت عن "الرقابة والشفافية في وضع هذه النصوص وفي كيفية صياغتها"، مشيرة إلى أنها "سابقة في وضع تعديلات جوهرية وإصلاحات هيكلية بمثل هذا الحجم دون مداولات علنية ومناقشات مجتمعية مفتوحة، وذلك قبل إسقاطها على الشعب بواسطة الاستفتاء".

واستغربت كريم "مواصلة تعليق البرلمان إلى موعد الانتخابات المعلنة في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، وعدم الذهاب نحو حلّ مجلس نواب الشعب تماماً، رغم تجاوزه للدستور، مخيراً أن تبقى البلاد دون مجلس تشريعي لما يقارب السنة والنصف حتى انتخاب برلمان جديد ليتواصل العمل بالمراسيم".

وبينت المتحدثة "خطورة هذا المسار المؤسس لمزيد من الانفراد بالسلطات، وسط معارضة غالبية مكونات المشهد السياسي والحزبي المعني بالمشاركة في الانتخابات السابقة لأوانها وفق قواعد يخشى أن تكون مسقطة أو على المقاس".

مطالبة لسعيّد بالرحيل

وعلّق الأمين العام لحزب "التيّار الدّيمقراطي" غازي الشّواشي، على كلمة قيس سعيّد، قائلاً في تدوينة على حسابه في "فيسبوك"، ''حان وقت الرحيل، تونس لم تعد تتحمل مزيداً من العبث".

وقال الشواشي في تصريح لـ"العربي الجديد" على هامش مؤتمر صحافي لأحزاب تنتمي للعائلة الاجتماعية الديمقراطية، إن سعيّد استغل الوضع المتردي، من أجل الانقلاب على الدستور، واستغل غياب المحكمة الدستورية في اتجاه تأويل اختاره وفرضه، مؤكداً أن الرئيس أغلق جميع الأبواب، وتمادى في تكريس الحكم الفردي، وهذا لا يمكن أن يحقق الاستقرار ويبني دولة سليمة.

ولفت إلى أن سعيّد يعتقد أنه بتسقيف التواريخ ووضع جدول زمني لانتخابات تشريعية، يمكن الخروج من الأزمة، في حين أن في هذا تعميقا للأزمة، مؤكداً أن الرئيس يريد فرض الأمر الواقع، وكل التواريخ والقرارات المعلنة هي خارج الدستور، مشيراً إلى أنها مجرد محاولات للتمديد في فترة الحكم الفردي بالاستحواذ على السلطات.

وبيّن الشواشي أن هناك غياباً واضحاً لأي رؤيا وإصلاحات، وسعيّد يتكلم باسمه الخاص وليس باسم الشعب التونسي، مؤكداً أن الرئيس يبحث عن طريقة لتنفيذ برنامجه الهلامي، من خلال نظام رئاسي وبناء قاعدي. وهذا مرفوض وسيتم التصعيد وسيكون يوم 17 ديسمبر/كانون الأول يوم النزول للشارع للاحتجاج.

وأعلن الرئيس التونسي، أمس الاثنين عن تنظيم استفتاء وطني على الإصلاحات السياسية الجديدة المزمع اتخاذها في 25 يوليو/تموز، وانتخابات تشريعية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، مضيفاً في خطاب للشعب أن البرلمان التونسي سيبقى مجمداً حتى تنظيم الانتخابات الجديدة.

وقال سعيّد إنه سيُجرى تنظيم استشارة مباشرة وإلكترونية مفتوحة للتونسيين بدءاً من يناير/كانون الثاني 2022، مبيناً أنه تم إعداد المنصات الإلكترونية وبدأت بلورة الأسئلة الواضحة والمختصرة، حتى يتمكن الشعب من التعبير عن إرادته بحسب تعبير سعيد، وتنتهي هذه الاستشارات في 20 مارس/آذار القادم، تاريخ الاحتفال بذكرى الاستقلال.

واعتبر الحقوقي عبد الوهاب الهاني، عبر "فيسبوك"، أن "خطة الفاتح جاءت في سبع نقاط، في إشارة لقرارات سعيد، وهي للردّ على بيان السبعة الكبار، وأن هذه الإجراءات ستفتح أبواب المجهول على تونس". وقال إن النقطة الأولى تتمثل في "استفتاء الفاتح من يناير الالكتروني"، لا علاقة لها بالفصل 80 من الدستور لا نصاً ولا روحاً" و"الثانية أنه لا يمكن المساس بالنص الدستوري طيلة فترة التدابير الاستثنائية".

وأضاف أن "أي استفتاء يتطلب تنقيح الأمر المنظم للسلطة العمومية لسلطات التدابير الاستثنائية، ثم "رابعاً أن يحترم الشروط والضمانات التشاركية والشفافية والديمقراطية".

وأما النقطة الخامسة بحسب الهاني، فهي "ألّا يتحول الاستفتاء إلى مجرد أداة تحيلية لإضفاء شرعية صورية على خيارات حسمتها قوة الأمر الواقع بعيداً عن قوة القانون". ولفت إلى أن النقطة السادسة تتمثل في "مواصلة تعليق أو تجميد المجلس النيابي لغاية تنظيم انتخابات تشريعية جديدة، يعتبر خروجاً عن منطوق الفصل 80 وعن الدستور ويمثل حلاً بقوة الأمر الواقع للمجلس النيابي"، وأخيراً "الإعلان عن عدم قابلية الدستور لمواصلة العمل به وتحت سقف التدابير الاستثنائية، وتكليف لجنة هلامية من أصدقاء الرئيس بإعداد نص الإصلاحات الدستورية يعتبر إيقافاً للعمل بالدستور بقوة الأمر الواقع، وهو ما يعني انقطاعاً مكتمل الشروط للعقد الديمقراطي وللنظام الدستوري"، بحسب تعبيره.

دعوات لإعلان حلّ البرلمان

واعتبر النائب عن الكتلة الديمقراطية بالبرلمان التونسي، نبيل الحجي، أن "أولى النقاط التي أعلن عنها قيس سعيد في خطابه أن البرلمان سيبقى مجمداً وإلا معلقاً (هو نفسه ليس متأكداً) لغاية إجراء انتخابات تشريعية جديدة..

وتابع حجي على حسابه بـ"فيسبوك" قائلاً "عرفنا إذاً أن هذا البرلمان لن يعود مطلقاً إلى العمل أو الاجتماع.. ألا يسمى هذا حل مجلس نواب الشعب الحالي؟"، واستدرك قائلاً "لماذا لا يكون شجاعاً ويعلن رسمياً حل البرلمان؟". وأضاف "إذا الدستور لا يسمح له بحل مجلس النواب في الاجراءات الاستثنائية، نذكر بأنه ليس من حقه تعديل الدستور في الإجراءات الاستثنائية، و رغم ذلك فهو ينوي تعديله".

وتساءل حجي "مم يخشى يا ترى؟ أكيد ليس من الأحزاب والمنظمات، هل للموضوع علاقة بالسيادة الوطنية؟"، بحسب تعبيره.

"انقلاب كامل"

إلى ذلك، يرى القاضي الإداري السابق أحمد صواب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن نوايا سعيّد بانت بالكاشف ومشروعه الأصلي يتناقض مع المشروع الوطني ومع دستور 2014، وهو دستور جميع التونسيين، مؤكداً أن القرارات برزت بوضوح من خلال الإجراءات المعلنة، ويتبين الآن أنه انقلاب بالكامل.

أمّا رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية حول المغرب العربي عدنان منصر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، فأكد أن هناك مزيداً من الإمعان في إجراءات كانت انطلقت منذ شهر سبتمبر/أيلول، وهي تقريباً في نفس السياق من الانفراد بالحكم والاستحواذ على كل السلطات، مبيناً أن هناك نوعاً من الاستجابة لضغوط المانحين، التي تشترط خارطة طريق، ويبدو أن رئيس الجمهورية قدّم شكلياً خارطة طريق وهو هروب إضافي للأمام، مؤكداً أن هناك استئثاراً بالقرار بشكل لا يترك أي مجال للرأي الآخر. وأضاف منصر أن الديمقراطية تقوم على التوازن، ونحن الآن إزاء شخص يعتبر أنه يمثل كل القوى.

تحرك في الشارع في 17 ديسمبر رفضاً لقرارات سعيّد

وأكدت أحزاب تنتمي للعائلة الاجتماعية الديمقراطية، اليوم الثلاثاء، أنه سيتم التصدي للإجراءات المعلنة من قبل الرئيس التونسي، وتشكيل قوة ضغط لتصحيح المسار والعودة الى دستور 2014.
وجاء هذا الردّ في مؤتمر صحافي انتظم اليوم للتعبير عن رفض الانقلاب، ورفض القرارات التي أعلن عنها سعيّد، مؤكدين أنه سيتم يوم 17 ديسمبر/كانون الأول النزول للشارع ضمن حراك شعبي للدفاع عن الديمقراطية المهددة.
وأكد الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، أنه لا مجال لحكم الفرد ولا خيار سوى العودة الحقيقية للسيادة الشعبية، وذلك من خلال انتخابات تشريعية ورئاسية، مبيناً أن الرئيس استثنى نفسه من الانتخابات، في حين يجب أن يكون مشمولاً بها، مضيفاً أنه لم تبقَ له من الشرعية أي شيء.
وقال الشابي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن قرارات سعيّد أمس هي تتمة للقرارات المعلنة في 25 يوليو/تموز، وفي شهر سبتمبر/أيلول، حيث كشف عن نواياه الحقيقية وهي على حساب الديمقراطية وتماسك الدولة، مشيراً إلى أن سعيّد، رغم أنه مؤتمن على الدولة وعلى مصير التونسيين، إلا أنه اختار تقسيم البلاد، وإقصاء كل من يخالفه الرأي وحتى مؤيديه، مشيراً إلى أن لا أحد يرضى أن تكون تونس في مثل هذا الوضع من خروج عن الشرعية الدولية.
بدوره، أوضح رئيس حزب التكتل، خليل الزاوية، أن الأحزاب الديمقراطية كانت انطلقت منذ فترة في النقاشات والاجتماعات، مبيناً أنه بعد 2014، برزت الحاجة لتوحيد العائلة الاجتماعية الديمقراطية، وتقريباً منذ حكم "نداء تونس"، حيث كانت هذه الفترة كارثية في تاريخ تونس، واليوم زادت الوضعية تعقيداً بـ25 يوليو، وقرارات أمس المعلنة من قبل سعيّد، فهو ضد الكلّ من أحزاب ومنظمات وحتى مسانديه.
وأشار إلى أن الوضع خطير جداً، وانتقل من دفاع عن الديمقراطية إلى المقاومة. وقال إن المسار الذي اختاره الرئيس سيؤدي الى التهلكة، كما أن خارطة الطريق المعلنة هي موجهة للخارج ولصندوق النقد الدولي تحديداً، بل تعبّر عن رغبة شخصية في التفرد بالحكم وتقديم مشروع هلامي، مبيناً أنه من الضروري على الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية أن تتوحد، وسيتم وضع الخيار والبديل من خلال برنامج موحد يجمع الطيف السياسي الذي يدافع عن إصلاحات حقيقية ويحافظ على الاقتصاد الوطني، ويتصدى للانقلاب الناعم ويحافظ على مكتسبات الدولة الوطنية.
المساهمون