خلصت كلمة الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، أمس الجمعة، إلى تكريس المعادلة الميدانية التي سار عليها الحزب منذ عملية "طوفان الأقصى" وبدء المناوشات النارية على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي تتمثل أولاً في إبقاء المعركة ضمن إطار قواعد الاشتباك من حيث الفعل والرد المماثل، مع إرساء عنصر "المدني مقابل المدني" بعدما طاول قصف الاحتلال مدنيين لبنانيين، وتؤكد ثانياً إبقاء كلّ الاحتمالات على الجبهة اللبنانية مفتوحة، تبعاً لمسار العدوان الإسرائيلي على غزة وسلوكه في لبنان.
نصر الله الذي حرص خلال كلمته على إبقاء بعض الغموض في خطابه، والذي ستليه تتمة في إطلالات أخرى سيتحدث فيها، عمد إلى رمي كرة الحرب عند الأميركيين قبل الإسرائيليين، بوصف الاحتلال بمثابة أداة أميركية، والتي بيدها منع قيام حرب إقليمية، من خلال المسارعة إلى وقف العدوان في غزة، موجهاً في الوقت نفسه رسائل تهديد للأساطيل والطائرات الأميركية، التي وفق حديثه ستستهدف "حزب الله"، تبعاً للرسائل التحذيرية التي وصلته في حال دخل الصراع.
ويرى محللون سياسيون في لبنان أن نصر الله أظهر في خطابه أنه لا يريد الذهاب إلى حرب، لكنه في الوقت نفسه جاهز وحاضر لمواجهة أي سيناريو أمني، واعتبروا أنه رغم رسائل التهديد المنتظرة إلى الأميركيين والإسرائيليين، بيد أنه كان هادئاً، وخصّص وقته للتشديد على طابع عملية طوفان الأقصى الفلسطيني الشرعي، وعدم علمهم كمقاومة بها، كما تفصيل "الثمار" التي حققتها الجبهة اللبنانية التي هدفت إلى مساندة غزة وحركة "حماس"، من خلال إجبار الإسرائيلي على إبقاء قواته على الحدود مع لبنان، وتخفيف جزء كبير من قواته عن القطاع.
نائب في حزب الله: الجبهة الجنوبية ستبقى مفتوحة
ويقول مصدرٌ نيابيٌ في "حزب الله" لـ"العربي الجديد" إن "هناك تضخيماً سبق إطلالة نصر الله، علماً أنه لم يعلن خلال كل هذه الأيام أنه يريد الدخول في حرب، وذلك كان واضحاً من تصريحات القياديين والمسؤولين في الحزب، ولكن في الوقت نفسه لا يجب إغفال تشديده على أن كل الاحتمالات مفتوحة على الجبهة اللبنانية وفي أي وقتٍ، وبالتالي، أي تطوّر متوقع، لكنه يرتبط بسلوك الإسرائيلي ومن خلفه الأميركي، والحماقات التي يمكن أن يرتكبها الطرفان".
ولفت المصدر إلى أن "هناك شيئاً من الغموض في كلمة نصر الله لكن لا يجب توضيحه، وسيظهر في المرحلة المقبلة"، مشيراً إلى أن "الجبهة الجنوبية ستبقى مفتوحة، وكل اعتداء إسرائيلي سيواجه بردّ مماثل، وكل توسّع سيقابله توسّع، ومسار العمليات مرتبط بسلوكيات العدو في غزة، وعلى الحدود"، لافتاً كذلك إلى أن "لكل فريق من محور المقاومة حساباته، لكن هدفه واحد وهو نصرة غزة وحماس".
وضمن التعليقات على كلام الأمين العام لحزب الله، التي لم تشمل حتى اللحظة رئاسة الحكومة، برز وصف الرئيس السابق للحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط حديث نصر الله بالواقعي جداً والموزون، داعياً الأميركيين إلى وقف إطلاق النار في غزة، وفك الحصار، وفتح "معبر الذل الذي اسمه رفح".
كذلك، اعتبرت أوساط نيابية معارضة لحزب الله أن قرار نصر الله معروف بأنه إيراني وينفذ الأجندة الإيرانية، مطالبين إياه بعدم ربط مصير لبنان بمصير غزة، وعدم جرّ البلاد إلى حرب ستكون مدمّرة.
مؤشرات تبقي سيناريو الحرب غامضاً
في الإطار، يقول الباحث من مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، مهند الحاج علي، لـ"العربي الجديد"، إن "سيناريو الحرب الشاملة ما زال قائماً كأحد الاحتمالات، إذ إن حزب الله يرى أنه بحال استطاعت القوات الإسرائيلية أن تحقق ما تريده من هذه الحرب، أي تدمير حركة "حماس" بالكامل، ذلك يعني أن المرحلة المقبلة ستعني مواجهته، لذلك عليه اختيار اللحظة المناسبة لخوض المعركة مع الإسرائيليين، قبل أن تأتي المعركة اليه، بالتالي، هناك تبدّلٌ هائلٌ على مستوى قواعد الاشتباك سيحصل في حال تمكن الإسرائيلي من السيطرة على قطاع غزة، وتوجيه ضربة قاصمة لحركة حماس".
ويضيف الحاج علي أن "التصعيد يتوقف عند أحداث وتطورات عدة، منها كيفية استخدام إسرائيل التهديد الذي وجّهه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لاغتيال قادة في "حماس" من خارج قطاع غزة، وكيفية الردّ عليه من جانب "حزب الله"، باعتبار أن لبنان هو من الساحات المفتوحة بهذه الحالة، ما قد ينعكس حرباً أو مواجهة إقليمية".
ويضيف: "من احتمالات التصعيد أيضاً كيفية الرد الإسرائيلي على الهجمات من اليمن والعراق وسورية ونوعيته، فإذا كان كبيراً، هل من شأن "حزب الله" أن يزيد من تصعيده في الجنوب، وفي حال أدت عملياته إلى إلحاق خسائر كبيرة عند الإسرائيلي، فهل سيعني ذلك رغبة إسرائيلية بالانتقام؟".
من جهته، يقول المحلل السياسي علي الأمين، لـ"العربي الجديد"، إن "خطاب نصر الله بالجوهر لم يختلف عن خطابات مسؤولي حزب الله والموقف الإيراني منذ بداية عملية طوفان الأقصى، وإطلالته بدت مخيبة، لكنه في المقابل رسّخ الفكرة الأساسية بأنّ هناك قراراً إيرانياً بعدم الدخول بحرب إقليمية، وحدّد هامش من الحركة في مسألة قواعد الاشتباك في الجنوب اللبناني".
ويضيف الأمين أنّ "نصر الله ظهر وكأنه ينكفئ أكثر على الداخل اللبناني، بعدما كان قد قدّم نفسه على أنه قوّة إقليمية، وانتقل من خطاب وحدة الساحات إلى تكامل الساحات، وهذا برأيي يعني فيدرالية الساحات، بحيث إن كل ساحة لها قرارها"، معتبراً أن "حديث نصر الله عن تشتيت الجيش الإسرائيلي من خلال فتح الجبهة الجنوبية ما هو إلّا تفتيش عن ذريعة لعدم التدخل على مستوى أكبر كما هو منتظر منه بمنطق المحور".
ويشير إلى أن "نصر الله بكل خطابه لم يأتِ على ذكر لبنان الرسمي، وكأنه أعلن بطريقة غير مباشرة نهاية ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، وقدّم نفسه على أنه المقرّر والمحدّد".
ويلفت الأمين إلى أن نصر الله أشار إلى أن "العملية أعادت طرح القضية الفلسطينية، لكنه لم يستخدم أي لغة من اللغات التي كان يستخدمها عند قتاله في سورية أو اليمن، أو الشعارات التي كان يردّدها بالزحف نحو القدس، وكان منتظراً تردادها في استحقاق كهذا، من هنا، لا نتوقع أي تطور دراماتيكي بالذهاب باتجاه حرب أو انتقال لمشهد مختلف عمّا هو قائم".