قراءة أخرى للرواية الصهيونية

04 يونيو 2021
يقرأ جيل شاب أميركي بجلاء "الأبرتهايد" الصهيوني (ياسين أوزتورك/الأناضول)
+ الخط -

في "علم السياسة المقارن" يذهب جيل من السياسة والصحافة الشاب في الغرب إلى منهج مقاربات متمردة على إرث قراءة الاحتلال الصهيوني كمقدس لا يُمس، تأسيساً على مصطلح غربي مخترع حول نظرية "هوية التراث الثقافي اليهودي-المسيحي".
المقارنات الجارية تقوم على منهجية يفرضها الواقع الفلسطيني، في ظلّ نظام "أبرتهايد" صهيوني. وفيها تُستدعى تجارب أنظمة استعمارية وفصل عنصري، وتطرح فرضيات تقلب المشهد، وهو ما يفرض على سبيل المثال أن تذهب أيرلندا وغيرها إلى تبني وصف وتعريف منظمة "هيومن رايتس ووتش" لدولة الاحتلال قبل أسابيع قليلة، عندما اتهمت إسرائيل بارتكاب جرائم فصل عنصري.

ليس غريباً اليوم، في المجتمع الأكاديمي الأوروبي الشمالي، استحضار اسم المنظّر للعقيدة الدموية والتفوق الصهيوني بالقبضة الحديدية (1923) زئيف جيبوتنكسي، فيما بعض العرب يهرب من توابع هزيمة يونيو/حزيران 1967. الأمر ببساطة أننا أمام قراءة أخرى للرواية الصهيونية، التي ثار عليها الفلسطينيون مبكراً عام 1936، وقبل سنوات من بناء الصهيونية على ما سُمي "تأنيب ضمير الغرب بعد النازية"، لتبرير دمويتها بحق أصحاب الأرض الأصليين، في نكبة واحتلال متواصلين.

فقبول العرب الضمني، بأوهام تحقيق "سلام"، بشطب مساواة الأمم المتحدة الصهيونية بالعنصرية، يضعنا أمام لوحة متناقضة في 2021؛ قوى وشعوب أوروبية، وبين جيل الشباب الأميركي، تقرأ بجلاء "الأبرتهايد" الصهيوني، فيما رهط عربي غارق، برعاية رسمية، في قواميس سوقية متخلفة لمهاجمة الفلسطينيين، وبالانسياق خلف رواية كيان يقوم على تأسيس التطرف، وأخطره الديني-التلمودي.

وبالتأكيد، ليس مشهداً ساراً رؤية "سفير" عربي جاثياً على ركبتيه عند حاخام التطرف شالوم كوهين (زعيم حزب شاس) في القدس المحتلة بحجة تلقي "بركات يهودية"، لتدعوه جماعات التطرف والإرهاب إلى مشاركتها في اقتحامات المسجد الأقصى، بناء على خرافة "الهيكل".

في المقارنة ذاتها، يصعب في الدبلوماسية الدولية تمرير مباركة شيخ أو قسيس عربيين لسفير أوروبي. بل يقيناً، لو أنه جثا أمام شيخ في الرياض أو البطريرك بشارة الراعي في بيروت، كما فعل سفير أبوظبي في إسرائيل، فلن يمرّ ذلك من دون أن تثور عليه صحافة بلده، وأحزاب سياسية، باعتبار ما قام به تصرفاً دونياً وغير لائق، في خلط الدين بالدبلوماسية.

في الاتجاه ذاته أيضاً، يبدو أنّ البعض مُصرّ على الوقوع مجدداً في فخ تبديل القبعات الصهيونية، المستمر منذ توعد إسحاق شامير بتعجيز العرب لسنوات بعد "مؤتمر مدريد" 1991. فهؤلاء يوهمون أنفسهم أن تبديل بنيامين نتنياهو بآخر سيفتح أفقاً مختلفاً، متناسين أنّ إسرائيل هي إسرائيل، في قالبها الصهيوني-التلمودي.

وعلى أرض الواقع، يمكن أن يقال الكثير عن بعض المشاهد العربية المخزية والمؤلمة في وهنها ودونيتها، الواصلة ذروتها في حادثة جثو سفير أبوظبي، متجاوزاً في نفاق التملق سفير واشنطن السابق، الصهيوني الاستيطاني، دافيد فريدمان.

فبالكاد مرّت عشرة أيام على دموية ممهورة بفتاوى حاخامات تحلل قتل نساء وأطفال فلسطين في غزة، حتى انبرى البعض للتفاخر بالتحالف مع الصهيونية، بطريقة لا تجد ما يقابلها أوروبياً وأميركياً، إلا في معسكر "الصهيونية-الإنجيلية"، أو عند عنصريي "الإسلاموفوبيا" ومحاربة اليسار التقدمي والمجتمع الأكاديمي الغربي، اللذين يخوضان في نقد جوهري وحقيقي للصهيونية، والكشف عن المستور الذي كان يُمنع الاقتراب منه تحت طائلة تهمة "معاداة السامية".

يبدو تركيز البعض العربي، في كوارث تشتت الهوية، أمراً غير مفهوم لدى معسكر غربي يؤيد الحقوق العربية إلا من منظور قراءته للأنظمة التسلطية المكممة للأفواه، في سعيها لكسب إعجاب ورضا الصهيونية الغربية. ورغم ذلك، فإن دونية البعض لن تغيّر ما راكمته سنوات كفاح، دفع الفلسطينيون أثمانه الغالية منذ 73 سنة من النكبة، لكشف الوجه الحقيقي للأبرتهايد الصهيوني، بمعالم واضحة في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة وفي شارع الشهداء في الخليل، وكل العنصرية والتطرف ضد الداخل الفلسطيني. كل ذلك، يزيد من مسؤولية ومهمة الفلسطينيين في ابتداع أدوات كفاح لا تركن إلى دبلوماسية الجثو على الركبة أمام حركات وأحزاب صهيونية متطرفة.

وفي المحصلة، ربما احتاج معسكر تمجيد الصهيونية إلى مزيد من علم المقارنة، بعد أن انحدرت عند أصحابه أقل مبادئ الأخلاق الإنسانية بشأن مفاهيم الحق والظلم. ولعل سفير أبو ظبي يحتاج زيارة الجزء الغربي من القدس المحتلة ليرى دويلة "داعش" اليهودية على حقيقتها، وليسألهم عن رأيهم بمعنى "الأغيار"، عله يدرك أنه ليس بنظرهم سوى أداة لتحقيق مزيد من داعشيتهم.

المساهمون