قراءات تونسية لزيارة سعيّد إلى القاهرة: ما الجدوى؟

14 ابريل 2021
أثارت زيارة سعيّد إلى القاهرة جدلاً كبيراً (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

في تهنئته للتونسيين بمناسبة بداية شهر رمضان، قال الرئيس التونسي قيس سعيّد إن ''الله توجّه إلى المسلمين والمؤمنين وليس إلى الإسلاميين''، متابعاً "ربنا قال يا أيها الذين آمنوا... وإبراهيم كان مسلماً ولم يكن إسلامياً... نحن مسلمون والحمد لله على نعمة الإسلام". سعيّد تحدث إلى التونسيين، مساء أمس الأول الإثنين، من جامع الزيتونة، رمز الإسلام التنويري في المغرب العربي، وكان على يمينه مفتي تونس عثمان بطيخ، وعلى يساره إمام الجامع الأعظم هشام بن محمود.

وليست هذه التصريحات بمفاجئة ولا جديدة، فقد سبق لسعيّد عندما كان مرشحاً للرئاسة، أن قال في حوار مع جريدة "الشارع المغاربي"، إن "الله لم يتوجه إلى الإسلاميين في القرآن... توجه إلى المؤمنين وإلى المسلمين، وملك الوحي جبرائيل عليه السلام نزل على الرسول الأعظم بالوحي لأول مرة في غار حراء وليس في مونبليزير (مقر حركة النهضة)".

ولكن تصريح سعيّد، أمس الأول الإثنين، جاء بعد فصول من صراع مفتوح بينه وبين "النهضة" على مدى الأشهر الأخيرة، وبعد زيارة إلى القاهرة أثارت جدلاً كبيراً بهذا الخصوص في تونس. ورافقت لقاء سعيّد بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، موجة من التعليقات والتحليلات، تراوحت بين مهللين من المعارضة بنقل التجربة المصرية مع "الإخوان المسلمين" إلى تونس، وبين متشائمين من هذه الزيارة بتراجع التجربة الديمقراطية التونسية وخلق محور إقليمي جديد.

رفيق عبد السلام: مشكلة سعيّد أنه يتحيّن الفرص لنقل صراعات الحكم التي يخوضها من الداخل إلى الخارج

واعتبر وزير الخارجية الأسبق، القيادي في حركة "النهضة" رفيق عبد السلام، في تدوينة له، أن "مشكلة سعيّد أنه يتحيّن الفرص لنقل صراعات الحكم التي يخوضها من الداخل إلى الخارج، مثلما فعل مع السفراء الذين جلس معهم في قصر قرطاج ليقحمهم في صراعاته السياسية العبثية، وهو يبحث اليوم عن الاندراج في مظلة إقليمية معادية للديمقراطية ولثورات الشعوب ولروح التحرر في المنطقة"، متوقعاً أن نتيجة زيارة القاهرة "ترتيبات أمنية وأجندات استخباراتية لضرب الديمقراطية لا غير". وقال إن "ما يعني قيس سعيّد أولاً وآخراً، هو أن ينصّب نفسه الإمبراطور الأكبر والحبر الأعظم، ولو كان ذلك على جماجم التونسيين والتونسيات".

وفي مقابل تشاؤم عبد السلام، تفاءلت رئيسة الحزب "الدستوري الحر" في تونس عبير موسي بالزيارة، على الرغم من اختلافها الكبير مع سعيّد، وقالت إن زيارة الرئيس التونسي إلى مصر مهمة وجاءت بعد سنوات من محاولات جماعة "الإخوان" في تونس تعطيل العلاقات الثنائية بين البلدين طيلة سنوات عدة، إلا أن تلك الزيارة نجحت في كسر هذا الحاجز. وأضافت في تصريحات لقنوات مصرية، أنه يجب على سعيّد، بعد عودته إلى تونس، أن يقوم بإصدار قرارات عملية لمنع تغلغل "الإخوان" في المجتمع التونسي، وكذلك الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

وفي تعليق أثار استغراب كثيرين، كتب النائب عن "الكتلة الديمقراطية" وحركة "الشعب" هيكل المكي على مواقع التواصل الاجتماعي: "التطابق في الرؤية وفي التصورات بين تونس ومصر... لقد انطلق العصفور ولن يعود إلى القفص، رئيسنا القادم من المستقبل... تنظيم الإخوان إلى زوال".

وعن هذه التصريحات، اعتبر المحلل السياسي قاسم الغربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن زيارة الرئيس التونسي إلى مصر لا علاقة لها بتفاؤل المكي ولا بتشاؤم عبد السلام، موضحاً أن موقف عبد السلام يستند في تعليقه السلبي على الزيارة إلى تخوفات "النهضة" من أن سعيّد يريد نقل التجربة المصرية في التعامل مع الحركات الإسلامية إلى تونس، في المقابل، فإن تدوينة المكي ربما قد تدعم في جانب منها هذه التخوفات. وأضاف أن المكي يقول إن التعاون الأمني بين سعيّد والسيسي سينهي زمن "الإخوان"، وكأن سعيّد ذهب إلى مصر لنقل التجربة المصرية في التعامل مع الحركات الإسلامية، متابعاً "لا هذا صحيح ولا ذاك، فلا تخوفات النهضة صحيحة، ولا أوهام المكي أيضاً".

وأكد الغربي أن الزيارة لا علاقة لها بهذه المخاوف ولا بالجوانب الاقتصادية، ولا بالتعاون المالي، فزيارة سعيّد لها علاقة بوجود تونس في مجلس الأمن وبملف سد النهضة والصراع المصري الإثيوبي، لأن مصر تحشد الآن أصواتاً تتبنى موقفها في هذا الملف. وللتذكير، فإن مصر والسودان يتمسكان بمطلب توسيع الوساطة الدولية، لتشمل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بينما تتمسك إثيوبيا بوساطة الاتحاد الأفريقي فقط. واعتبر أن هذا هو موضوع الزيارة، وهو ما يفسر ذهاب سعيّد بمفرده بلا وزراء أو مستشارين اقتصاديين، وهو ما يلغي أي إمكانية لتكون للزيارة أبعاد اقتصادية أو على علاقة بالاستثمار. وأضاف أن تدوينة المكي تمثّل شخصه لا حركة "الشعب"، لأن عضو المكتب السياسي فتحي بالحاج رد على زميله معتبراً في تدوينة أن "التطابق الوحيد مع السياسة المصرية هو في القمع الاجتماعي، فقر وبطالة وتسول". وحول الإمكانيات أمام سعيّد لتطبيق أي اتفاقيات مستقبلية، رد الغربي أن الاتفاقيات لا تمر إلا عبر الحكومة، وبالتالي لا يمكن لسعيّد تنفيذ أي منها، وهذه الزيارة لا علاقة لها بالسياسة الداخلية التونسية والمصرية.

عدنان منصر: لا يوجد أي مكسب لسعيّد ولا لتونس من زيارته إلى القاهرة

من جهته، أكد رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي، مدير الديوان الرئاسي الأسبق عدنان منصر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هناك مبالغات من هذا الطرف أو ذاك حول الزيارة، معتبراً أن هناك سببين رئيسيين لها، الأول أن سعيّد أراد أن يُظهر استقلاله عن المحاور، ويأخذ مسافة من التوجه الدبلوماسي لـ"النهضة"، وهناك أيضاً جانب فيه مناكفة للحركة، وعدا عن ذلك فلا يوجد أي مكسب لسعيّد ولا لتونس من هذه الزيارة. وتابع أنه تم خلال هذه الزيارة التركيز من المصريين على الجانب النفسي والبروتوكولي، وحصلوا من سعيّد على تصريحات أكبر مما كانوا ينتظرون بخصوص سد النهضة، معتبراً أن تصريح سعيّد كان متسرعاً، على الرغم من أنه يعبّر عن الموقف الطبيعي التونسي، وهو مساندة مصر في نزاعها حول سد النهضة، ولكن القول إن موقف تونس سيكون الموقف المصري في كل المحافل الدولية فهذا ادعاء مبالغ فيه من سعيّد.

وحول مدى قدرة مصر وتونس على التأثير في الموقف الليبي وفي الانتخابات الليبية وربما بدعم غير مباشر من فرنسا، رد منصر بأن لا دور لتونس في ليبيا أساساً، وهذا الوجود تراجع كثيراً وانسحبت تونس من المشهد الليبي في السنوات الأخيرة، لافتاً إلى أن "الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي كان ضد التدخل المصري في ليبيا لأنه كان يفهم التوازنات، أما بالنسبة لسعيّد فنحن لا نعرف وقد يكون فهم حقيقة التوازنات، ولكنه لم يوضح ذلك، وبالتالي لا فكرة لدينا عن موقفه". واعتبر أن "رئيس الجمهورية في حالة هشاشة دبلوماسية كبيرة، لأنه لا يقرأ ولا يستمع، وهو بصدد التفريط في التجربة الدبلوماسية التي لدينا، والتي تمثلها وزارة الخارجية، وتحديداً خبراء الخارجية"، مؤكداً أنه من الطبيعي أن تأتي النتائج هكذا سواء في زيارة فرنسا أو مصر أو أي زيارة أخرى مستقبلاً.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية
المساهمون