قديروف ينتقد الأخطاء الروسية في خاركيف: انعكاس للارتباك وحجم الخسائر

قديروف ينتقد الأخطاء الروسية في خاركيف: انعكاس للارتباك وحجم الخسائر

11 سبتمبر 2022
قديروف وبوتين في نوفو ـ أوغاريوفو قرب موسكو، أغسطس 2019 (أليكسي نيكولسكي/فرانس برس)
+ الخط -

في مؤشر على حالة الصدمة والتخبط في روسيا بعد الاختراقات الكبيرة التي حققها الجيش الأوكراني وتحرير مناطق واسعة في مقاطعة خاركيف (شرق)، طالب حاكم الشيشان رمضان قديروف وزارة الدفاع بتقديم توضيحات "محددة" حول الانسحاب من مدينتي إيزيوم وبالاكليا.

وعلى الرغم من وصفه الأوضاع على الأرض في شرق أوكرانيا بأنها "مثيرة للجنون"، جدّد قديروف، فجر اليوم الأحد، ثقته بأن القوات الروسية قادرة على الوصول إلى أوديسا، المدينة الساحلية على شاطئ البحر الأسود، جنوبي أوكرانيا.

وطالب قديروف بتعديلات في الاستراتيجية المتبعة للقتال في أوكرانيا، ملوّحاً بالتواصل مع قيادة وزارة الدفاع، وقيادة الدولة، لتوضيح الأوضاع الحقيقية على الأرض.

قديروف ينتقد وزارة الدفاع الروسية

وفي انتقاد واضح لشح المعلومات التي تصدرها وزارة الدفاع، قال قديروف "في الأيام الأخيرة نحصل على معلومات حول الأوضاع، ولكن من دون أي شيء محدد". وأضاف: "نأمل أن نحصل اليوم بإذن الله على توضيحات من وزارة الدفاع لماذا قرروا الانسحاب من مدن مثل إيزيوم وبالاكليا ومدن أخرى لا أعرف أسماءها، وتبين أنه (الانسحاب) كان اضطرارياً من وجهة النظر الاستراتيجية العسكرية من أجل تقليل الخسائر البشرية".

واللافت أن قديروف بدأ رسالته الصوتية على "تيليغرام" بإشارة غير مفهومة، إذ قال: "معكم رمضان قديروف، مراسل تلفزيون الشيشان الحكومي"، ربما لتجنب أي انتقادت من الكرملين أو وزارة الدفاع، خصوصاً بعد انتقادات سابقة له بسبب تدخلاته في قضايا الشؤون الخارجية، وتصريحاته الداخلية ضد المعارضين.

وتابع قديروف في الرسالة على "تيليغرام" بالقول: "أنا رمضان قديروف، أعلن لكم رسمياً أن كل هذه المدن سوف تُستعاد، ورجالي جاهزون لهذه المهمة، وهناك أيضاً أكثر من 10 آلاف متطوع على أهبة الاستعداد والجهوزية للانتقال إلى المعركة في أقرب وقت، وسوف نصل إلى أوديسا"، متعهداً بالوصول إلى "نتائج محددة".

واعتبر قديروف في رسالته: "لست استراتيجياً على نفس مستوى وزارة الدفاع، ولكن هناك أخطاء ارتُكبت وأعتقد أنهم (وزارة الدفاع) يجب أن يستخلصوا العبر".

قديروف: هناك أخطاء ارتُكبت وأعتقد أنهم (وزارة الدفاع) يجب أن يستخلصوا العبر

 

وعلى الرغم من شكواه من عدم وجود معلومات كافية في بداية حديثه، أشار قديروف إلى أنه تحدث "مع القادة الميدانيين التابعين لي"، مؤكداً أن لديه معلومات خاصة وكافية. وألمح إلى أنه "في حال لم يتم اليوم أو غداً إدخال تغييرات في استراتيجية العملية الخاصة (الاسم الروسي لغزو أوكرانيا)، سأكون مضطراً إلى التواصل مع قيادة وزارة الدفاع وقيادة البلاد من أجل توضيح الأوضاع على الأرض".

ووصف قديروف الوضع على الأرض بأنه "مبعث للاهتمام ومثير للجنون". وفي مؤشر إلى إمكانية وجود خلافات بين قوات "أخمات" الشيشانية والقادة الميدانيين على الأرض، شدّد الزعيم الشيشاني على وجوب أن يتحلّى المقاتلون على الأرض بالروح الوطنية، مبدياً استعداده لتعليمهم معنى ذلك. 

وفي رسالة مبطنة إلى الحاجة لمزيد من المتطوعين في الحرب على أوكرانيا، قال قديروف: "نحن ندافع عن بلدنا، وأدعو المتطوعين إلى الحضور إلى جمهوريتنا (الشيشان)، فقد أمنّا كل الظروف لتدريبهم على يد قواتنا الخاصة، وسنرسل مقاتلين إضافيين من مجموعة أخمات".

ونفى قديروف تراجع قواته الشيشانية، مشدّداً على أنها تُهاجم. وأكد أنه "واثق من أن روسيا ستنتصر على شياطين الأطلسي، واستخبارات البلدان الغربية". وخلص إلى القول إنه "من المحزن أن الشخصيات الرسمية لم تعلق على أي شيء على ما رأيناه (الانسحاب)، وفي حال وجود إرادة فإن روسيا لن تتراجع خطوة إلى الوراء ويجب توضيح لماذا قمنا بالانسحاب".

ويتوقع أن تثير تصريحات قديروف جدلاً واسعاً في روسيا، تضاف إلى تصريحات أطلقها منذ أيام حول نيته الاستقالة من منصبه كحاكم للشيشان بعد نحو 15 عاماً من حكم الجمهورية القوقازية، ذات الحكم الذاتي، والتي كان ينظر إليها على أنها "خاصرة روسيا الضعيفة" في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الحالية، إذ أدت طموحاتها الانفصالية إلى حربين استطاع بوتين في الثانية إخماد التمرد، وعين أحمد قديروف (والد رمضان) رئيساً للشيشان، وورث ابنه الحكم في 2006.

وتراجع قديروف الذي تنتهي ولايته الحالية في الشيشان في عام 2024 عن قرار الاستقالة، في خطوة جاءت فيما يبدو بضغط من الكرملين، بعد وعود بمواصلة دعم موازنة الجمهورية التي تحصل على قرابة 300 مليار روبل (نحو 4.9 مليارات دولار) سنوياً من الموازنة الفيدرالية الروسية.

وتوقعت وسائل إعلام ومنها موقع جريدة "ميديازونا" المعارضة في 5 سبتمبر/أيلول الحالي أن يعيّن الكرملين قديروف رئيساً للحرس الوطني الروسي، بدلاً من الجنرال فيكتور زولوتوف، حارس الرئيس فلاديمير بوتين الشخصي السابق، الذي يقود قوات تقدر بمئات الألوف. 

وتخالف تصريحات قديروف الأخيرة تأكيده، عصر أمس السبت، على قناته في "تيليغرام"، أن القوات الروسية والمتحالفة معها لم تنسحب من أي منطقة. ونشر مقطع فيديو لقواته من دون أن يحدد المكان والزمان، وكتب تعليقاً عليه مفاده أن "كل ما يُقال عن أن قواتنا انسحبت هو مجرد هراء". وأشار إلى أن معلوماته هي من قائد قوات "أخمات" (الشيشانية)، الجنرال أبتي علاء الدينوف، الذي أكد له أن القوات الروسية والمتحالفة معها تواصل تقدمها منذ أيام.

وتزامنت تصريحات قديروف "المتناقضة" مع مؤشرات إلى نقطة انعطاف جديدة في الحرب الروسية على أوكرانيا، قد يكون عنوانها الانكفاء والتركيز الروسي على السيطرة على كامل منطقة دونباس، وفتح المجال أمام تسوية سياسية بعد التقدم الملحوظ للأوكرانيين، ومواصلة الغرب دعم كييف بأسلحة متطورة تسهم في تغيير المعادلات على الأرض، على وقع تراجع معنويات الجنود الروس، وعجز مصانع الدفاع الروسية عن تعويض النقص في المعدات والتقنيات العسكرية من ناحية، وعدم القدرة على إنتاج الكميات اللازمة من الذخائر، خصوصاً الصواريخ والقذائف، في ظلّ تقديرات بأن روسيا تستخدم يومياً في عملياتها ما بين 50 و70 ألف مقذوف صاروخي في الحرب.

قديروف: من المحزن أن الشخصيات الرسمية لم تعلق على أي شيء على الانسحاب

 

وشاركت القوات الشيشانية منذ الأيام الاولى للحرب على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، وتباينت التقديرات لدورها في المعارك. وعلى الرغم من أنه من الواضح أن الكرملين سعى للزج بقوات قديروف في المعركة لترهيب الأوكرانيين وبثّ الذعر في صفوف الجنود والمواطنين الأوكرانيين نظراً لقسوتهم، فإن تقارير وصفتهم بأنهم "جنود معارك تيك توك وإنستغرام" ولم يظهروا أنفسهم.

وذكرت تقارير أخرى أن مبالغة الجنود في نشر مقاطع فيديو أدت إلى تسهيل مهمة الجيش الأوكراني في ضرب مواقع المقاتلين الروس. ومنذ انطلاق الحرب قبل نحو مائتي يوم، نصّب قديروف نفسه ناطقاً غير رسمي للمعارك، وشارك مقاطع فيديو اتضح أن بعضها كان يتضمن معلومات خاطئة ومضللة.

زيلينسكي يعلن تحرير ألفي كيلومتر مربع

وأمس، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تحرير أكثر من ألفي كيلومتر مربع في الأيام الأخيرة، ونُشرت مقاطع فيديو وصور لرفع الجنود الأوكرانيين علم بلادهم في عدة مدن وقرى في الشرق.

وأقرّت وزارة الدفاع الروسية ضمنياً بخسارة مناطق واسعة بإعلانها "سحب" قواتها المنتشرة في منطقتي بالاكليا وإيزيوم، شرقي أوكرانيا، و"إعادة تجميعها" قرب دونيتسك جنوباً.

وذكرت الوزارة في بيان، أمس السبت، أنه "من أجل تحقيق أهداف العملية العسكرية الخاصة (الاسم الروسي لغزو أوكرانيا) لتحرير دونباس، اتُخذ قرار بإعادة تجميع القوات الروسية المتمركزة في منطقتي بالاكليا وإيزيوم، لدعم الجهود على الجبهة في دونيتسك".

وأضاف البيان: "لهذه الغاية، تم خلال الأيام الثلاثة الماضية تنفيذ عملية تهدف إلى الانسحاب المنظم وإعادة انتشار القوات في إيزيوم وبالاكليا على أراضي جمهورية دونيتسك الشعبية (المعلنة من جانب واحد)".

والمعلوم أن روسيا أعلنت في نهاية مارس/آذار الماضي الانسحاب من محيط كييف وشمال شرقي أوكرانيا، والتركيز على جبهة دونباس في الجنوب الشرقي. واستطاعت روسيا احتلال كامل إقليم لوغانسك في نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، بعد مقاومة عنيفة، لكنها لم تستطع فرض سيطرتها على أكثر من 60 في المائة من إقليم دونيتسك بحدوده الإدارية في عام 2014.

وبحسب التصريحات الأوكرانية والمقاطع التي بثتها المواقع الأوكرانية، فقد تقلص حجم المناطق التي احتلتها روسيا في عدة مناطق في إقليم دونيتسك، فضلاً عن التراجع الملحوظ في منطقة خاركيف.

سيرة سياسية
التحديثات الحية