امتدت ساحة المواجهة التركية اليونانية في بحر إيجة وشرق المتوسط، لتشمل جزيرة قبرص، في ظل سباق تسلح بين شطري الجزيرة من الطرفين التركي واليوناني.
وأعلنت تركيا على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان عن وجود 40 ألف جندي تركي في الشطر الشمالي من الجزيرة، مع توجه لمزيد من التسلح وإرسال الجنود، بعد مواصلة الولايات المتحدة رفع الحظر على بيع السلاح للشطر الجنوبي لمدة عام إضافي.
وبعد فترة من الحوارات قبل عامين بين تركيا واليونان وعقد 3 جولات من اللقاءات الاستكشافية، ولقاءات على هامش حلف الأطلسي لمنع التصادم بين البلدين، تصاعدت وتيرة التهديدات المتبادلة في ظل سعي إلى سباق للتسلح.
وعملت اليونان على تسليح الجزر المتنازع عليها بالعتاد والجنود، وهي جزر خاضعة للسيطرة اليونانية وفق اتفاقية لوزان بين البلدين الموقعة في عام 1923، وهو ما أثار غضب أنقرة ودفعها لتقديم شكوى بحق أثينا لحلف الشمال الأطلسي.
قبرص على شفير المواجهة
وباتت الأوضاع في قبرص على شفير المواجهة، بعد إعلان الولايات المتحدة في منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي، تمديدها القرار المتخذ في سبتمبر 2020 بشأن رفع حظر توريد الأسلحة إلى قبرص لمدة عام خلال السنة المالية 2023. وهو الأمر الذي استنكرته تركيا وأدانته عبر وزارة الخارجية.
طه عودة أوغلو: من غير المرجح أن يتدهور الصراع إلى مواجهة عسكرية
وكان أردوغان قد ذكر في حديثٍ لقناة "سي إن إن" التركية، الأربعاء الماضي، أن "بلاده ستعزز وجودها العسكري في شمال قبرص بعد رفعت الولايات المتحدة القيود التجارية الدفاعية المفروضة على قبرص، بما يتعذر تفسيره في المحتوى والتوقيت".
واعتبر أن "الولايات المتحدة تتغاضى عن خطوات القبارصة اليونانيين، التي تهدد السلام والاستقرار في شرق البحر المتوسط، بل وتشجعها، وهو ما سيؤدي إلى سباق تسلح في الجزيرة بهذه الخطوة، وأن تركيا لديها بالفعل 40 ألف جندي في الجزيرة وستعززهم بالأسلحة البرية والبحرية والجوية والذخيرة والمركبات".
وتلت كلام الرئيس التركي تصريحات من وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو، الذي كشف أن "تركيا سترسل مزيدا من القوات والعتاد إلى شمال قبرص رداً على القرار الأميركي، وذلك لحماية الأتراك فيها، مع توفير كل ما يحتاجونه من أسلحة".
وشدّد على أن "تركيا ستواصل الدفاع عن حقوقها في الجزيرة وبحري إيجة والمتوسط، ولو وقف العالم بأسره ضدها"، مؤكداً أن "سبب ذلك هو رفع الولايات المتحدة حظر توريد السلاح إلى قبرص".
وتطرق الوزير التركي إلى سبب رفع الولايات المتحدة الحظر عن قبرص، بقوله إنه "سأل نظيره الأميركي أنتوني بلينكن في أحد لقاءاتهم عن سبب هذه الخطوة، وقال له ما المقابل الذي تحصلون بمنحكم هذه الأسلحة؟".
وذكر أن بلينكن ردّ عليه بأنها مكافأة لدور قبرص في التعاون مع الأميركيين في مسألة مكافحة تبييض الأموال. وهنا، بحسب جاووش أوغلو، سأله "ألم يكن لدى الولايات المتحدة مكافأة أخرى غير السلاح؟ أعطوهم الأموال، أليسوا بحاجة للأموال؟ فهذه الأسلحة التي تعطونها لهم ضد من؟"، متهماً الولايات المتحدة بأنها تخلت عن سياسة الحياد والتوازن في قضيتي قبرص وبحر إيجة لصالح اليونان.
وفي وقت دعا فيه مجلس الأمن القومي التركي قبل أيام جميع البلدان للاعتراف باستقلال "جمهورية شمال قبرص" التركية، واصلت الولايات المتحدة دعوتها إلى الحوار والدبلوماسية بين تركيا واليونان لحل المشاكل العالقة.
ورأت وزارة الخارجية الأميركية قبل أيام أن الوقت "غير مناسب لتصعيد التوتر" بين شركاء حلف الأطلسي، وذلك على لسان المتحدث باسم الخارجية نيد برايس.
بدورها، دعت وزارة الدفاع (البنتاغون)، كلاً من تركيا واليونان إلى الحوار وخفض التصعيد، على خلفية رسالة احتجاج قدمتها أنقرة لواشنطن رداً على إرسال اليونان مدرعات أميركية إلى جزر في بحر إيجة، وفق تصريح المتحدث باسم البنتاغون باتريك رايدر.
من جهتها، ردت اليونان على التهديدات التركية بتهديدات مماثلة وبالدعوة للحوار، وفي أحدث تصريح لرئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس لصحيفة "إين" المحلية، الخميس الماضي، اعتبر أن "كل من يحاول تجاوز الحدود سيلقى جزاءه، لا تتسع نظرة الإمبرياليين للقرن الحادي والعشرين".
أنقرة لا تحتمل التنازل
وحول هذه التطورات واحتمالات نشوب مواجهة عسكرية، اعتبر الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "حديث أردوغان حول التسلح في قبرص له دلالات عديدة، أبرزها أن أنقرة لا تحتمل التنازل أو غض الطرف في مسألة مصيرية بالنسبة للشعب التركي، مع خصم تاريخي في منطقة جيوسياسية معقدة للغاية، وازدادت تعقيداً في الفترة الأخيرة، بعد الكشف عن ثروات كبيرة في شرق المتوسط. ولذلك فإن التحرك التركي جاء سريعاً حيال هذه المسألة، وذلك بعد القرار الأميركي الذي أغضب تركيا، برفع القيود التجارية الدفاعية المفروضة على قبرص".
يوسف سعيد أوغلو: هناك اعتقاد عام بأن الحكومتين ترفعان خطاباً شعبوياً نوعاً ما قبل انتخاباتهما
وأضاف عودة أوغلو: "تصريحات أردوغان ووزير الخارجية بأن أنقرة سترسل مزيداً من القوات والأسلحة إلى قبرص التركية، هي رسالة واضحة من أن هذه الخطوة قد ترفع مخاطر الاحتكاك العسكري بين البلدين على غرار ما حصل في عام 2020، حين وصل الصراع بين أنقرة وأثينا إلى حافة المواجهة العسكرية لو لم يتدخل الأطلسي".
وتوقع عودة أوغلو عدم وقوع حرب بين البلدين مشيراً إلى أنه "على الرغم من التصعيد القائم بين البلدين الذي بلغ مستويات مثيرة للقلق، إلا أنه من غير المرجح أن يتدهور الصراع إلى مواجهة عسكرية بين الجانبين، على الأقل في الأشهر المقبلة".
وعلل ذلك باقتراب الانتخابات في أثينا وأنقرة و"لا تبدو حكومتا البلدين قادرتين على مواجهة أي تداعيات سلبية تنتج من هذا الصراع، لكن التوترات الأمنية بين أنقرة وأثينا في بحر إيجة والمتوسط ستبقى دائماً، على الرغم من الدعوات الأوروبية والأميركية للتهدئة".
بدوره، اعتبر الصحافي التركي يوسف سعيد أوغلو لـ"العربي الجديد": "لا يزال هناك اعتقاد عام بأن الحكومة التركية ونظيرتها اليونانية ترفعان خطاباً شعبوياً نوعاً ما يتجه للناخبين، مع زيادة الحديث عن سباق التسلح، نظراً لأن البلدين على مشارف انتخابات هامة، خصوصاً تركيا التي وصف أردوغان انتخاباتها بأنها مفترق طرق".
وأكد سعيد أوغلو أن "اللافت للنظر هو الدعم الأميركي لليونان وتبرره واشنطن بأنه موجه لموسكو، ولكن القواعد الأميركية في اليونان والتسليح المقدم لأثينا والقرار المتعلق بشأن قبرص، غير مرتبطة بروسيا ولا تشكل أي تهديد مباشر لها، بل على العكس فهي أقرب إلى تركيا. ومن هنا يتبين الموقف الواضح من الدعم الأميركي لليونان، وهذا ربما ما تخشاه أنقرة في حال تطورت الأمور لنزاع مسلح. لكن على الرغم من ذلك من المستبعد حصول نوع كهذا من المواجهة، نظراً للأوضاع الدولية في أوكرانيا، وحاجة الحلف الأطلسي للتضامن والتوسع وهو ما يتطلب تهدئة من الحلفاء".