استمع إلى الملخص
- **زيارات المرشحين وقادة الأحزاب**: شهدت المنطقة زيارات مكثفة من المرشحين وقادة الأحزاب، مما يعزز من استقرار الوضع السياسي ويدعو سكان المنطقة إلى المشاركة الفعالة في الانتخابات.
- **عوامل التحول الإيجابي**: ساهمت الانتخابات المحلية 2021، الإجراءات القانونية ضد تنظيم "ماك"، وزيارة الرئيس تبون إلى تيزي وزو في عودة النشاط الانتخابي ورفع توقعات نسبة التصويت.
تشهد منطقة القبائل شرقي الجزائر حراكاً انتخابياً لافتاً للانتباه، مع بدء الحملة الدعائية للانتخابات الرئاسية المقررة في السابع من سبتمبر/أيلول المقبل. النشاط الانتخابي المكثف للمرشحين وداعميهم يتناقض تماماً مع المشهد الذي ساد في انتخابات 2019، حيث كانت المنطقة، ذات الغالبية الأمازيغية، خارج السياق الانتخابي، بسبب ضغوط الحراك الشعبي وتنظيمات معارضة رفضت مسار الانتخابات، وسجلت أدنى نسبة تصويت بأقل من واحد في المائة.
خلال زيارة إلى مدينة بجاية، كبرى مدن منطقة القبائل، أمس الأربعاء، قال رئيس حركة البناء الوطني (من التحالف الرئاسي)، عبد القادر بن قرينة "أنا أنشط هنا ولست خائفاً من أي أحد، ولست مهتماً بأي كان". يعكس تصريح بن قرينة تلاشي الخوف من ردود فعل الشارع في المنطقة، وتحررها من الضغوط التي كانت تمنع الأنشطة الانتخابية. في انتخابات 2019، لم يقم أي من المرشحين، بمن فيهم الرئيس عبد المجيد تبون، أي تجمّع انتخابي أو نشاط دعائي في المنطقة، ولم تفتح أي مداومة انتخابية في غالبية مدن وبلدات المنطقة الثلاث: تيزي وزو وبجاية والبويرة، بسبب الرفض السياسي والشعبي، بل إن صناديق التصويت تعرضت للتخريب، خاصة مع وجود خلايا نشطة لصالح تنظيم "ماك"، الذي تم تصنيفه لاحقاً "تنظيما إرهابيا" في عام 2021.
لكن الوضع الحالي يظهر تحرراً ملحوظاً، حيث يعكس النشاط الانتخابي في مدن المنطقة فتح مداومات انتخابية في جميع الولايات، مشابهاً لبقية مناطق البلاد، ما يدل على إزالة سطوة الكتلة المتشددة.
يعكس النشاط الانتخابي المتزايد في مدن منطقة القبائل خلال انتخابات سبتمبر 2024 تحولًا كبيراً في المشهد السياسي، حيث شهدت المنطقة فتح مداومات انتخابية في جميع الولايات، مما يدل على تحررها الكامل من تأثير الكتلة المتشددة التي كانت تعارض الانتخابات بشدة. هذا التغيير يتيح للمترشحين وكبار قادة الأحزاب السياسية تعزيز حملاتهم الانتخابية في مدن المنطقة منذ منتصف الشهر الجاري.
فقد زار الرئيس عبد المجيد تبون ولاية تيزي وزو قبل بدء الحملة الانتخابية في يوليو/تموز الماضي، بينما نظم المرشح يوسف أوشيش تجمّعين انتخابيين حاشدين في بجاية ومدينة بوغني، حيث لقي استقبالاً شعبياً. وفي السياق ذاته، زار المرشح عبد العالي حساني ولاية بجاية، خلال احتفالات عيد المجاهد في 20 أغسطس/آب الجاري، حيث حظي باستقبال كبير، ودعا سكان المنطقة إلى المشاركة الفعالة في الانتخابات، مشدداً على أهمية عدم ترك الفراغ الذي قد تستغله أطراف معادية لضرب وحدة الوطن واستقراره.
كما شهدت المنطقة نشاطًا ملحوظًا من قادة الأحزاب الداعمة للرئيس المترشح عبد المجيد تبون، الذين نظموا تجمعات انتخابية في مدن منطقة القبائل من دون أي مشاكل تُذكر، مما يعكس تحولاً إيجابياً في الأجواء السياسية بالمنطقة.
ثلاثة عوامل رئيسية ساهمت في عودة النشاط الانتخابي والحملات الدعائية في مدن وبلدات منطقة القبائل، بعد فترة من التوتر والرفض خلال الانتخابات السابقة، التي تزامنت مع قوة تظاهرات الحراك الشعبي.
العامل الأول هو الانتخابات المحلية التي جرت في نهاية عام 2021، حيث شاركت فيها جبهة القوى الاشتراكية، إحدى أبرز الأحزاب في المنطقة. رغم الظروف الصعبة والضغوط من بعض المتشددين ضد الانتخابات، فقد ساهمت هذه الانتخابات في إزالة بعض مظاهر الرفض.
العامل الثاني يتعلق بالإجراءات القانونية التي اتخذتها السلطات، بما في ذلك تصنيف تنظيم "ماك" إرهابيا وتفكيك خلاياه، خاصة بعد حرائق صيف 2021. إضافة إلى ذلك، تشديد العقوبات بموجب المادة 87 مكرر في قانون العقوبات ضد من يعترض على المسارات السياسية، مما ساهم في تقليص أشكال الرفض السياسي.
العامل الثالث هو زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى تيزي وزو في بداية شهر يوليو الماضي، والتي عززت من استقرار الوضع السياسي في المنطقة وأعادت النشاط الانتخابي إليها.
تجميع هذه العوامل ساهم في تطويع المنطقة التي كانت تُعرف بالتمرد السياسي، وفتح الأفق أمام المترشحين لإعادة تفعيل الحملات الانتخابية في منطقة القبائل.
تعكس المعطيات الميدانية الحالية مؤشرات واضحة على توقع ارتفاع نسبة التصويت في منطقة القبائل، التي سجلت أقل من واحد في المائة في انتخابات عام 2019. تضم المنطقة كتلة ناخبة تقدّر بمليوني ناخب في الولايات الثلاث (تيزي وزو، بجاية، البويرة)، مما قد يساهم في رفع نسبة التصويت الإجمالية إلى أكثر من 38% المسجلة في الانتخابات السابقة.
في تصريح لـ"العربي الجديد"، أكد بلعيد دليل، مدير حملة المترشح عبد العالي حساني في ولاية تيزي وزو، أن "كثافة النشاط الانتخابي في المنطقة مرتبطة بالسياق السياسي والانتخابي المتغير مقارنة برئاسيات 2019". وأضاف: "كان الشحن السياسي أكبر في ذلك الوقت، ولكن الآن هناك ارتياح وهدوء أكبر في الأجواء، مما يفتح المجال لمزيد من النقاش والتعبير عن الآراء، وهذا يعني وجود مؤشرات تصويت أعلى مقارنة بالماضي".
وأشار دليل إلى أن هذا التحسن يتطلب من السلطة التصرف بحكمة تجاه الكتلة الصامتة في المنطقة، والتي تظل مشككة في فرص التغيير. وأضاف أن "أبناء المنطقة يرغبون في الانخراط في المسار الوطني ودعم المشروع الوطني، وذلك لتجنب توظيف المنطقة وموقفها الانتخابي في سياق إقليمي ضاغط قد يهدد استقرار الجزائر".
من جهته، قال بلقاسم مليكش، القيادي في جبهة القوى الاشتراكية ومدير حملة المترشح يوسف أوشيش في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "خصوصية انتخابات 2024 بالنسبة لمنطقة القبائل تكمن في مشاركة القوى الاشتراكية، الحزب الأكثر تمركزاً في المنطقة". وأضاف مليكش أن "الانتخابات السابقة في عام 2019 كانت تحت تأثير الحراك الشعبي والعاطفة التي سيطرت على المشهد لصالح الشعبويين. أما الآن، فقد عاد العقل إلى الفضاء العمومي، وأدرك سكان المنطقة عدم جدية المقاطعين والمتحدثين باسمها".
وتابع قائلاً: "مع عودة العقل السياسي، أصبح من الواضح أن الأغلبية الصامتة تميل إلى الأقلية الفاعلة. نحن اخترنا المشاركة لإظهار مشاكل الجزائريين التي يجب أن تكون أولوية في النقاش، ولنظهر القضايا الحقيقية للسلطة بدلاً من نقل مطالب السلطة إلى الشعب".