يُحيي المغاربة، اليوم الأحد، الذكرى الثامنة عشرة لـ"أحداث 16 مايو/ أيار الإرهابية"، التي ضربت الدار البيضاء، وسط تحديات متزايدة تواجه السلطات في حربها ضد الإرهاب بفعل تنامي ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة والعدوان الخارجي والتدخل الأجنبي، فضلا عن التطور السريع الذي عرفه الإرهاب الإلكتروني.
ومنذ صدمة أحداث الدار البيضاء الإرهابية، في 16 مايو/أيار 2003، التي جاءت في سياق دولي متسم بارتفاع تحدي الجماعات المتطرفة، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، سارعت الأجهزة الأمنية المغربية إلى تغيير تعاملها مع خطر الإرهاب باعتماد مقاربة استباقية، كان من ملامحها الرئيسة تفكيك الخلايا الإرهابية قبل وصولها إلى مرحلة التنفيذ.
وباشرت الدولة محاولات مختلفة لتحييد خطر "الجهاديين" داخل السجون وخارجها، ومن ذلك عفو الملك محمد السادس في السنوات الأخيرة عن عدد من المعتقلين على ذمة قضايا إرهاب. في حين كان لافتاً إطلاق الدولة برنامج "مصالحة"، يشرف عليه مختصون وكوادر دينية، يستهدف سجناء مدانين في قضايا التطرف والإرهاب، يرتكز على ثلاثة محاور: المصالحة مع الذات، ومع النص الديني، ثمّ مع المجتمع، وذلك كله بهدف البحث عن مداخل لمراجعات ذاتية يقوم بها المعتقلون السلفيون، للاندماج في البيئة الاجتماعية بعد الإفراج عنهم.
وطبقت المندوبية العامة لإدارة السجون لإعدادهم للاندماج، بشراكةٍ مع الرابطة المحمدية للعلماء والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في العام 2017، برنامج "مصالحة"، الذي يسعى إلى "أنسنة" وتحسين ظروف الاعتقال، وتأهيل السجناء لإعدادهم للإدماج في المجتمع. ويعمل البرنامج على محاربة التطرف العنيف بالاعتماد على التربية الدينية، والمواكبة النفسية، وتنظيم ورشات عمل تعنى بالقانون ونشر ثقافة حقوق الإنسان، وتقديم تأطير سياسي - اقتصادي، وذلك في سياق السعي لتمكينهم من الخروج من دائرة التطرف ونبذ العنف بكل أشكاله عبر المصالحة مع الذات، والمصالحة مع المجتمع، والمصالحة مع النصّ الديني.
وعلى امتداد السنوات الأربع الماضية، بلغ مجموع المستفيدين من البرنامج أكثر من 160 سجينًا متهما بقضايا التطرف والإرهاب، يشكلون نحو 30 في المائة من مجموع سجناء التطرف والإرهاب الصادرة في حقهم أحكام نهائية، فيما استفاد 74 سجيناً من العفو الملكي، بعد التأكد من "تخليهم عن الأفكار المتطرفة، واحترامهم لمقدسات البلاد ومؤسسات الدولة"، وفق إحصاءات رسمية.
ولئن كان نجاح المغرب في اعتقال عددٍ كبير من الخلايا، يعطي "صورة واضحة" عن حجم الجاهزية واليقظة الأمنية والاحترافية والكفاءة العالية التي تستند إليها التجربة المغربية، إلا أن حالة العودة بالنسبة لبعض المتطرفين الذين سبق اعتقالهم تطرح تساؤلاتٍ حول مدى نجاعة المقاربة المغربية في إعادة إدماج فئة المعتقلين السابقين في المجتمع.
فبعد سنواتٍ من اتّباع المغرب استراتيجيةً شاملة لمحاربة التطرف، تقوم على الاستباق الأمني، وتعزيز التنمية الاقتصادية والبشرية وضبط الحقل الديني، بات كشف المكتب المركزي للأبحاث القضائية، التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، عن دلائل تُظهر تورط معتقلين سابقين في التحضير لأعمال إرهابية، أمراً متكرراً خلال السنوات الأخيرة.
في ظل هذا الواقع، تبدو الأجهزة الأمنية والاستخبارية ومؤسسات الدولة المنخرطة في الحرب على الإرهاب أمام تحدٍ جديد، بعدما ثبت لها، مرةً أخرى، استمرار الخطر الإرهابي وامتداده مع معتقلين قضوا عقوبات بالحبس، ولم يدفعهم السجن إلى مراجعة أفكارهم، بل عادوا للنشاط مجدداً بأهداف أكبر ومخططات دموية أخطر.
وبالرغم من توالي النجاحات الأمنية، من خلال تفكيك الكثير من المشاريع الإرهابية، إلا أن تمكّن التنظيمات المتطرفة على مدى السنوات الماضية من اختراق الفضاء الإلكتروني، وفرض وجودها من خلال العديد من المنصات الإلكترونية، وجذبها للعديد من الشباب إلى عالم الإرهاب، يفرض تحديًا كبيرًا على السلطات المغربية في ما يخص التعامل الرقمي مع قضايا التطرف.
ويعتبر الإنترنت، بحسب المسؤولين الأمنيين المغاربة، أبرز الوسائل التي استقطب تنظيم الدولة الإسلامية من خلالها مئات المقاتلين للذهاب إلى ساحات القتال في سورية والعراق في السنوات الماضية. وفي بلد يستخدم 74.4 في المائة من سكانه شبكة الإنترنت، من بينهم 22 مليون مغربي ينشطون على شبكات التواصل الاجتماعي، أي ما يعادل تقريباً ثلثي سكان المملكة.
ويبدو لافتاً التحذير الذي كان قد أطلقه تقرير رسمي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة دستورية مستقلة تتولى مهام استشارية) في 2018، من أن الانفتاح غير المحدود على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في المغرب يحوّل "انكفاء فئة من الشباب داخل دائرة التدين رافضة الحداثة المستوحاة من الغرب" إلى "تطرف ديني لدى البعض".
وفضلاً عن التحدي الراهن المتعلق بـ"الإرهاب الإلكتروني"، يمثل ما يقع بمنطقة الساحل، التي أصبحت منطقة خصبة تستغل من طرف تنظيمات ذات صلة بتنظيم القاعدة بالمغرب، وتنظيم الدولة الإسلامية بالصحراء الكبرى، تحديًا كبيرًا للسلطات الأمنية المغربية.
ومع أنّ المغرب لم يتعرض سوى لهجوم كبير واحد خلال السنوات العشر الماضية (مقتل سائحتين اسكندنافيتين عام 2018) إلا أن المسؤولين المغاربة يرون أن الجماعات المتشددة في منطقة الساحل المجاورة والتي تجند وتدرب أتباعها عبر الإنترنت تمثل أكبر خطر على البلاد، وأن موقعه يجعله هدفا للجماعات المتمركزة في تلك المنطقة. كما يبدي المسؤولون المغاربة قلقا لافتا من انتقال بعض المغاربة الذين انضموا لتنظيم الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط إلى منطقة الساحل.