حالة الاصطفاف في بعض الغرب لدعم الحرب الهمجية على غزة لم تعد خافية على أحد. فمن واشنطن إلى لندن وبرلين يجري ذلك باسم كذبة أن للاحتلال "حق الدفاع عن النفس"، ليغطي الضوء الأخضر الأميركي كل المذابح المرتكبة على الهواء، خلافاً لكل القوانين الدولية والإنسانية، والقيم التي بشّر بها الغرب.
في المقابل، يتبدى منذ أكثر من شهرين ظهور رسمي عربي في حالة عجز وقلة حيلة، وانتفاء مكانة له، حتى في السياسات التي تمس مصالحه. وأصبح ذلك مثار نقاش في أغلب بيوت العرب، وغيرهم.
ومع أن الفلسطينيين أثبتوا مراراً وتكراراً تمسكهم بأرض وطنهم، رافضين التهجير، فإن الأسئلة تثار حول دور النظام العربي في تعزيز صمودهم في وطنهم. لا أحد بالطبع يعوّل على جسر جوي عسكري عربي لمقاومي غزة كما يفعل الغرب مع الاحتلال، فالتجربة التاريخية علمته معنى أطنان شعارات التضامن. وحدث ذلك في حصار بيروت 1982، لأكثر من ثمانين يوماً، أعقبته مذبحة صبرا وشاتيلا.
ولا على أن يقف بعض النظام الرسمي العربي موقف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي عبّر صراحة عن صهيونيته، كرئيسه في البيت الأبيض.
لكن على الأقل يمكن لهؤلاء ملاقاة الفلسطيني في منتصف طريق رفض سياسة الترانسفير المعلنة، وأن يترجموا عملياً ما تبنّوه هم في قمتهم "الطارئة" (بعد شهر على الحرب المدمرة) لناحية كسر الحصار على غزة، وفتح معبر رفح، لتمكين الناس من البقاء أحياء على الأقل.
فمن الغريب ظهور المنظومة الرسمية العربية عاجزة وفاقدة لأي مكانة، حتى في السياسة المتعلقة بمصير مصالحها. فغزة التي تدافع عن نفسها، تضحي أيضاً لكسر عنجهية أن تكون لدولة الاحتلال الإسرائيلي اليد العليا في تقرير مصير ومستقبل هذه المنطقة، إذ كيف أصبح الاحتلال هو من يقرر دخول أو عدم دخول ما يحتاجه الناس في غزة؟
هذا العجز ليس من غير أثمان. فليقرأوا جيداً ما يختمر بين الناس في دولهم. فإذا كانت غزة قد فضحت النفاق الدولي، وتحوّل منظمات الأمم المتحدة إلى "مناشدة" الاحتلال، فكذلك ينكشف كل شيء عند أغلبية الناس في المنطقة، الذين يعتبرون من باب أولى أن تُضرب بيد الشعوب طاولات السياسة الدولية، واستخدام كل أوراق القوة لوقف الحرب والمذابح الهمجية، وقول "كفى" واضحة من دون تلعثم.
أخيراً، غزة لا تحتاج فقط مدامع وتصفيقاً لتضحياتها، ولا بيانات الشجب ثم الخذلان. وقد عرفها عبد القادر الحسيني قبل قيام دولة الاحتلال بشهر، وفي ذروة انتصارات مقاومة فلسطين للمشروع الصهيوني 1948، حين خُذل ولم يُمد بالعون الذي تعهدوا به.
بل أقله أن تعتبرها الأنظمة العربية فرصة لتكون لها قيمة ومكانة، بدل هذا المشهد العاجز، وتداعياته المستقبلية الخطيرة، عليهم وعلى المنطقة.